مزهر جبر الساعدي
في صباح السابع من أكتوبر/ تشرين الأول شنت المقاومة الفلسطينية هجوما مباغتا على مواقع دولة الاحتلال الإسرائيلي في غلاف قطاع غزة. سيطرت فيه المقاومة على المواقع العسكرية الإسرائيلية وتمكنت من أسر جنود إسرائيليين تقدر بالمئات، حسب تقارير أولية، ونقلهم إلى قطاع غزة.
هذا الهجوم هو الأول منذ حرب تشرين الأول/أكتوبر1973 والأهم أن هذا الهجوم عكس عزم وصلابة وتصميم المقاومة الفلسطينية على الدفاع عن حق الحياة للشعب الفلسطيني، كما أنه يشكل ردا عمليا على غطرسة وإجرام دولة الاحتلال، وعلى صمت العالم على جرائمها، وعلى عمليات التطبيع العربية المجانية.
إن البحث الإسرائيلي المستمر عن طرق ومسارات ووسائل إقامة سلام في المنطقة عبر علميات التطبيع، ما هو إلا وهم من أكبر الأوهام، فإسرائيل لا يمكن أن تنعم بسلام حقيقي من دون حصول الفلسطينيين على حقهم الشرعي والقانوني في دولة ذات سيادة كاملة.
الدول العربية المطبّعة ليس في قدرتها منح دولة الاحتلال الإسرائيلي الأمن والاستقرار والسلام واستدامة وجودها، وإن عملية طوفان الأقصى سوف تدق جرس الإنذار ليس في (إسرائيل) فقط، بل في جميع العواصم العربية المطبّعة مع هذا الكيان الإجرامي، وفي عواصم العالم ذات الصلة، أو التي تهتم بموضوع الصراع العربي الإسرائيلي. الهجوم المفاجئ للمقاومة أكد بما لا يدع مجالا للشك أن الشعب الفلسطيني المقاوم له القدرة والإمكانية على أن يواصل نضاله وكفاحه من أجل استرجاع أرضه التي تم طرده منها بقوة السلاح قبل أكثر من ثلاثة أرباع القرن، بتآمر دولي وإقليمي وعربي، بالاعتماد على قدراته الذاتية، كما كان عليه نضاله خلال السنوات المديدة السابقة، من تسعينيات القرن السابق والى الآن.
إن عملية طوفان الأقصى الواسعة والجريئة هي رسالة إلى السلطة الفلسطينية مفادها أن النضال هو الكفيل باسترجاع الحقوق، إضافة إلى الحوار والمفاوضات، فدولة الاحتلال الإسرائيلي، حين يجبرها الواقع على الأرض، ستشارك في الحوار والمفاوضات، حين تجدهما الطريق الأسلم لها ولا طريق غيره للسلام. الشعب الفلسطيني، وكما وصفه الراحل ياسر عرفات، شعب الجبارين، كيف لا وهو يقاتل قتالا ضاريا بلا دعم أو إسناد من أي دولة من الدول العربية، أو من أي دولة من دول الجوار الإسلامي، مع أنه تعرض خلال عدة سنوات ولا يزال يتعرض إلى حصار جائر وظالم، ولا إنساني، بل إن هذا الحصار، وبكل المقاييس القانونية، يعتبر جريمة إنسانية، صمت عنها العالم، الذي يدعى العالم الحر والمتحضر والإنساني، خاصة أمريكا والغرب، بالإضافة إلى الدول الكبرى الأخرى، فالجميع لم يرفع صوت الرفض لهذا الحصار الظالم، أو لجرائم دولة الاحتلال الإسرائيلي، ورغم كل هذا فإن الشعب الفلسطيني مستمر في المقاومة بكل ما يتاح له، بل يبتكر ويجترح، الوسائل والسلاح، سواء بالحجارة أو بالسكاكين أو بغيرهما.
وأخيرا توج هذا النضال القتالي بأروع وأشجع عملية بطولية لم يشهد لها التاريخ العربي مثيلا، منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973. هذا الهجوم والعملية البطولية هذه، سوف تكون لها تداعيات واسعة وكبيرة جدا، على ساحات الكفاح الفلسطيني، وعلى عمليات التطبيع المجاني، وعلى السلطة الفلسطينية، وعلى الرأي العام العربي والإقليمي والدولي والداخل الإسرائيلي.
في هذا السياق، ستحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي أن تسترجع هيبتها أولا، وأن تقضي على حركتي حماس والجهاد ثانيا، أو على الأقل تحجّم قوتيهما العسكرية القتالية. لذا، فمن المحتمل جدا، أن تقوم باقتحام قطاع غزة، لتصفية كوادر حركة حماس والجهاد وقواعدهما الشعبية، كما يقول نتنياهو وأركان حكومته العنصرية المتطرفة.
إن هذا التطور، إن حدث، وهو على الأغلب سيحدث، لأن جميع الدلائل تشير إليه، أولا، كتفويض الكنيست الإسرائيلية نتنياهو صلاحية إعلان الحرب على قطاع غزة. ثانيا، الإعلان الأمريكي عن إقامة جسر جوي لإمداد دولة الاحتلال الإسرائيلي بجميع ما تحتاجه من ذخائر وسلاح. ثالثا، تصريح بايدن بأن أمريكا سوف لن تترك إسرائيل وحدها أبدا. رابعا، تحريك حاملة طائرات أمريكية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. خامسا، إخلاء المستوطنات الإسرائيلية. سادسا، اتصالات بايدن وطاقم إدارته بالمسؤولين في الدول العربية المؤثرة في المشهد العربي والفلسطيني.