ايران … الاهداف الاقليمية والمصالح الدولية

ايران … الاهداف الاقليمية والمصالح الدولية

امتدت سياسة النظام الإيراني اقليمياً لتواكب تطور الأحداث الدولية وأتخذت من أدواتها ووسائل ها طريقاً للعمل باتجاه تحقيق الأهداف والغايات التي تشكل الأسس والركائز للمشروع السياسي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وأصبحت تواجه المتغيرات التي تعيشها المنطقة وتساهم في تحديد المسارات العملية للحفاظ على مصالحها ووجودها وتأثيرها في أي تحالفات سياسية وتجاذبات إقليمية قادمة، وهي تدرك ان التحالف الثلاثي بينها وبين الصين وروسيا إنما يتجه عنوانه نحو تحقيق مصالح مؤقتة وليس دائمية في مواجهة السياسة الأمريكية التي اتخذتها موسكو وبكين منطلقاً في توطيد علاقتها مع النظام الإيراني، ولهذا فلا وجود لحلف استراتيجي وإنما تفاهمات لم ترتقي إلى مستوى العلاقات والتحالفات الكاملة.

 

الصين ورغم توقيع اتفاقية ثنائية مع إيران لمدة (25) سنة الا انها وخلال السنوات الثلاث الماضية لم تقم بأي مشروع استراتيجي كبير واستثماري مالي واسع في إيران ولم تحقق أي منجز اقتصادي يساهم في تخفيف وطأة الأوضاع الداخلية التي يمر بها النظام بل اتسمت العلاقة التجارية والاقتصادية بين البلدين على تزويد إيران للصين بالنفط الخام وبأسعار تفضيلية مستغلة بذلك العقوبات المفروضة على إيران.

 

أما الروس فإنهم يسعون إلى توسيع دائرة التعاون العسكري مع إيران باستمرار توريد الطائرات المسيرة وإمكانية ارسال الصواريخ البالستية بعد أن يتم رفع العقوبات عن النظام الإيراني في 18 تشرين الأول 2023 والخاصة بالقرار (2231) المتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي وبرفع العقوبات عن الأفراد والكيانات الضالعة في البرنامج الصاروخي وبرنامج الأسلحة النووية وأسلحة أخرى، كما أن موقف السياسة الروسية من الأوضاع القائمة في منطقة الخليج العربي وطبيعة العلاقة بين هذه الاقطار وإيران جعلت موسكو توافق على البيان الخليجي الروسي الصادر عن الاجتماع السادس للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا والذي عقد في موسكو بتاريخ 10تموز 2023 والذي أكد على المساعي السلمية لقضية الجزرالثلات ( طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى) من خلال المفاوضات الثنائية او محكمة العدل الدولية وفقا لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لحل هذه القضية وفقاً للشرعية الدولية، والذي سبب احتجاج وزارة الخارجية الإيرانية واستدعت السفير الروسي وابلغه مدير قسم الخليج في الوزارة (علي رضا عنايتي) ان الجزر الثلاث جزء من التراب الإيراني وطالب بتصحيح الموقف الروسي في هذه المسألة.

 

أمام هذه المواقف الخاصة بمصالح الدول وسياستها الخارجية وطبيعة علاقتها مع الدول الأخرى، فإن الأوضاع القائمة في المنطقة تشهد انعطافاً كبيراً كان من أبرز سماته نجاح صفقة تبادل السجناء وإطلاق قسم من الأموال المجمدة الإيرانية عبر حوار غير مباشر ووساطة عربية بين الإدارة الأمريكية والنظام الإيراني وهي ما عرفت بسياسة ( التسامح الأمريكي) التي يسعى إليها الرئيس جو بايدن بالتخلي عن الضغط الكبير على إيران والحد من تصاعد الأزمة معها وتحديد مسارات أخرى في اي حوارات قادمة تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني مما يحقق له غايات سياسية تساعده في خوض الانتخابات القادمة والفوز بولاية ثانية.

 

وهذا ما عملت عليه إيران بالابتعاد عن أي احتكاك يؤدي إلى أزمة سياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية في أي ميدان من ميادين النفوذ الإيراني، ووجهت وكلائها واذرعها في العراق وسوريا بوقف هجماتها ضد المواقع والقواعد العسكرية الأمريكية وعدم استهداف الارتال الناقلة للمعدات العسكرية.

 

ان هذه السياسة الأمريكية لم تلاقي اهتمام في الأوساط ذات القرار السياسي الأمريكي بل أن الجمهوريين وعدد من الديمقراطيين عارضوها معتبرين الموقف الأمريكي مساند ومنقذ للنظام الإيراني ومهادناً له وداعماً لسياسته في الهيمنة والنفوذ بمنطقة الشرق الاوسط والوطن العربي.

 

وفي تقرير لمجلة ( ناشيونال انترست) الأمريكية رأت ان إيران أصبحت على أعتاب أن تصبح دولة نووية وان البيت الأبيض بدأ يتقبل هذا الوضع، وأشارت إلى الطلب الأمريكي من النظام الإيراني بابطاء وتيرة برنامجه لتخصيب اليورانيوم وخفض التوترات في الشرق الأوسط .

 

وهذا ما يؤكد رأينا انه لا توجد اي ترتيبات لحث إيران عن التراجع عن برنامجها النووي من قبل واشنطن، والذي شجع الايرانيين بالحديث عن سياستهم في المنطقة وبشكل مباشر وتحديداً ما قاله حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني بأنه ( لا يمكن القضاء على النفوذ السياسي في المنطقة، فهو ليس دعاية او بروباغندا بل تترجمه طهران على أرض الواقع وتستثمره في الأزمات وتحوله الى فرص)، وهذه الرؤية الإيرانية والتوجه السياسي الواضح في اعتماد سياسية الخداع والتقدم واستثمار الأزمات التي تمر بها المنطقة من قبل الايرانيين واتباع أساليب وتوجهات تخدم المشروع السياسي الإيراني باستخدام توضيف الأزمات واستثمارها وتحويلها لفرص تحقق الغايات والأهداف الإيرانية، كل هذا يتم أمام أنظار الإدارة الأمريكية ومسامع اجهزتها الاستخبارية والعسكرية وهذا يؤكد جوهر السياسة الإيرانية القائمة على ( تثبيت نفوذ النظام الإيراني في المنطقة الممتدة من القوقاز شمالاً إلى الخليج العربي جنوباً إلى بلدان المشرق العربي غرباً) وسعت إيران لاثبات هذه الحقيقية عبر المناورات البرية للجيش الإيراني والحرس الثوري التي جرت في الرابع من تشرين الأول 2023 في سواحل الخليج العربي وخليج عُمان بهدف التدريب على استخدام الطائرات المسيرة في الأوضاع الحربية بانحاء البلاد في تحد للدول الغربية التي تعمل على ابقاء العقوبات الاقتصادية بموجب الجدول الزمني للاتفاق النوري وارسال عدة رسائل الاقطار الخليجية بعد التطورات التي احدثتها طبيعة السياسة القائمة في المنطقة.

 

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

Related Posts