سمير داود حنوش
لايريد اصحاب المزادات السياسية والمصابون بأحلام اليقظة أن يُصدّقوا أو يعترفوا بأن العالم تُسيّره القوى الكبرى، ومن رابع المستحيلات التعامل معها بمنطق الفهلوة أو التذاكي (كان غيرك أشطر) فتأمين المصالح الاقتصادية ومناطق النفوذ يتغلب بأضعاف على كل الشعارات الفارغة.خوارزمية السلطة الحاكمة في العراق ظلّت طلسماً يصعب حلّه بعد عام 2003، محاولات متذبذبة أو مترددة لإرضاء الجانب الأميركي، في ذات الوقت كان التقارب العميق مع إيران، ويبدو من خواتيم الحكاية أن العقد السياسي آن له أن ينفرط مع أحد الطرفين فلا يمكن لأصحاب القرار في المنطقة الخضراء أن يجمعوا البيض جميعه في سلة واحدة.هو التوقيت المناسب الذي وجدته واشنطن لاختبار حكام العراق في موقفهم خصوصاً بعد علمها أن دولارات نفطهم تذهب إلى الجارة الشرقية لتصنع المُسيّرات التي تقتل حلفاء واشنطن في الحرب الأوكرانية – الروسية.
منذ عودة الفريق الأمني العراقي برئاسة وزير الدفاع من واشنطن والعراق يعيش سيناريوهات هي الأقرب إلى الحرب لتُعيد إلى ذاكرة العراقيين المنسية أحاديث الصحاف وزير الإعلام العراقي في زمن النظام السابق ووصفه للقادمين من الأميركان بـ”العلوج” وخطابات التحدي بإبادتهم إن عبروا الحدود رغم أن جحافلهم وصلت إلى أعتاب بوابات بغداد.ماذا يحدث في العراق؟ القيادة المركزية الأميركية ومن خلال موقعها تعلن أن قوات التحالف ستقوم بعمليات تمارين تعبوية جوية وأرضية في المناطق المحيطة بأربيل – الكيارة والموصل لضمان فاعلية العدد والعدة، وذات القوات هجّرت رعاة الأغنام بعد ساعات على قيامها بعمليات استطلاع بري لمناطق صحراء الأنبار الغربية القريبة من الشريط الحدودي مع سوريا. تصريح لافت لحيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق بأن النظام السياسي في هذا البلد قد ينهار في أي لحظة تزامن مع زيارة إسماعيل قاآني السرية إلى العراق التي لفتت الانتباه في توقيتها وتسريبات ما دار حول مطالبته الفصائل المسلحة بعدم التصعيد مع القوات الأميركية في الوقت الراهن، لاسيما وأن إيران والولايات المتحدة في طور تبادل أسرى والسماح الأميركي لإيران بالحصول على أموالها المجمدة لدى بعض الدول والتي قد تكون عربونا مقابل التغاضي عن الموقف الأميركي المتصاعد في قضية تحجيم دور بعض الأذرع الموالية لإيران.
المشهد السياسي العراقي بات يتعقّد خصوصاً مع التبريرات الضبابية التي تتناقلها الحكومة وماكينتها الإعلامية، وقد تزيد من هلامية الموقف لاسيما بعد امتناع القوات الأميركية عن تبرير هذه التحركات الداخلية وعلى الحدود مع سوريا بإجابات مقنعة لحكومة السوداني.
هل سيكون سيناريو حادث المطار في اغتيال قيادات في الحشد، أو هي عبارة عن حرب قد تندلع داخل الأراضي العراقية أو في دول الجوار لتصفية بعض جيوب الميليشيات المتمركزة على الحدود.أسئلة من الصعب أن توحدها إجابة لاسيما فيما يراه المواطن البسيط من أرتال القوات الأميركية وهي تجوب المحافظات وشوارع العراق وتغلق حدوده، وتبرير غامض بأنه إعادة انتشار لتلك القوات، في حين أن ما يرى من تلك الحشود في تزايد دون مغادرة أو نقصان. ثم ما سر المعدات العسكرية التي يتم استبدالها بأخرى قتالية إن كان الأمر كما يدّعون إعادة تمركز؟هي الحرب التي إن اندلعت فإن وقودها الناس والحجارة، أولئك البؤساء الذين كانوا دوماً حطباً لحروب مستعرة وكأنها دورة الزمن الرديء التي تعاود للعراقيين وتأبى أن تفارقهم.الحشود الأميركية التي تُسوّر حدود العراق وتسير في شوارعه ليست حُبا في العراقيين أو لتخليصهم من نظام سياسي فاسد، فأميركا غايتها إبقاء الوضع العراقي على ما هو عليه فاشلا ضعيفا ممزقا يسوده التشتت والفوضى، بل هي من أجل مصالحها ومناطق نفوذها التي تستصرخها للحد من التوغل الروسي والصيني ولقطع إمدادات السلاح الإيراني الذي بدأت ناقلاته تصل إلى مشارف إسرائيل على الجبهتين السورية واللبنانية، وذلك هو ملخص كل هذه الجعجعة.
Tags: العراق