العراق ولبنان: لا إنقاذ بل إضاعة وقت

عبدالوهاب بدرخان*

لم يتمكّن “معسكر إيران” في العراق بعد من تمرير ترشيحه رئيس الحكومة الجديدة، لأن الرئيس العراقي وهو كردي ومحسوب على إيران تعامل مع الاستحقاق من منطلق عراقي، آخذاً برأي المرجعية الشيعية وبموقف الانتفاضة الشعبية (وهي شيعية، لكن مطالبها تعني جميع مكوّنات المجتمع). لذلك اعتبرت طهران أن برهم صالح صار منفّذاً للأجندة الأميركية، لئلا تعترف بأن “حياده” الداخلي كشف دورها ووضع أحزابها وميليشياتها العراقية أمام واجباتها “الوطنية”.


أما في لبنان فنجح “معسكر إيران” في تكليف شخصية سنّية تشكيل الحكومة، محتفلاً بـ “الانتصار” على الانتفاضة الشعبية ومن خلالها على “المؤامرة الأميركية”، وخلافاً لبغداد لم يتوفر المرجع اللبناني الوسطي الذي ينبّه الى ضرورة احترام “الميثاقية” (توافق الطوائف على تمثيلها في صيغة الحكم) التي استخدمها “التيار العوني” و”حزب الله” مع حركة “أمل” شعاراً لخوض معارك انتهازية شرسة وتحقيق مكاسب سياسية، وفي نهاية المطاف لم تكن هذه المكاسب لمصلحة طائفتين على حساب طائفة، بل لمصلحة إيران. والأهم أنها لم تكن لمصلحة لبنان واللبنانيين، وهذا ما كشفته الانتفاضة ضد الطبقة الحاكمة برمّتها.
تضاعفت “احتفالية” ثلاثي الحكم اللبناني إذ وجدت مبعوثاً اميركياً يجول على أقطاب السياسة محمّلاً بهدوء واضح، كأنه استكانة المعترف بالهزيمة كما رأته أوساط “الممانعة”، أو براغماتية الآخذ بالأمر الواقع كما صنعه كبير الطبّاخين العونيين. اعتبر هؤلاء أن عدم تطرّق ديفيد هيل الى واقعة تسمية الرئيس المكلّف موافقة ضمنية على الشخص بل تزكية له، لكن أحداً لم يتوقّع أن يتدخّل هيل في هذا الأمر. فالمهم عنده، ولم يملّ من التكرار: أن تكون حكومة ذات كفاءة وفاعلية، أن تُلبّى توقّعات الحراك الشعبي، أن يؤمّن الحكم اللبناني الظروف التي تمكّن الولايات المتحدة وسائر دول “مجموعة الدعم” من تقديم المساعدة اللازمة لمنع الانهيار الاقتصادي والمالي. أي أنه تحدّث بلغة “بيان باريس” بالإضافة الى “هامشَين”: ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، والافراج عن العميل عامر الفاخوري كرغبة “من أعلى مستوى اميركي”.
على سبيل الترجمة صوّرت أوساط “معسكر إيران” أن المبعوث الأميركي جاء للتحضير لـ “ما بعد الرهان على سعد الحريري”، وبالتالي فـ “حكومتكم المقبولة مدخل لمنع الانهيار”، لذا لوّحت – من قبيل “التضحية” – بالموافقة على “حكومة اختصاصيين مستقلّين” والتسهيل الى ترك “حرّية” التأليف للرئيس المكلّف، وكانت حجبتهما عن الحريري. وعندما تبيّنت أنها أمام مقايضة: حكومتكم مقابل المطلبَين (ترسيم الحدود وإطلاق الفاخوري) صارت معنية أكثر بإعطاء “تكنو-سياسية” ومهتمة أكثر باختيار الوزراء وبالإسراع في تأليف الحكومة لإضفاء صفة “الطوارئ” عليها، فيما لا يزال الرئيس المكلّف في طور الاستشارات.
ليس يكن المبعوث الأميركي معنيّاً بالتحذير من “حكومة اللون الواحد” وقد يعتبر ذلك بمثابة ضوء أخضر في نظر “معسكر إيران”، لكنه توريط فعلي كونه يضع مسؤولية معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية على عاتق هذا المعسكر. وبالطبع لا يعني “هدوء” هيل أن واشنطن غيّرت شيئاً من مقاربتها لـ “حزب الله” وهيمنته على الحكم في لبنان، لكن ما دام “الحزب” وحلفاؤه ذهبوا الى خيار إضاعة الوقت فلا مانع لدى واشنطن من دفعهم في هذا الاتجاه.

*كاتب لبناني والمقال من “النهار”

Related Posts