رياض سعد
كلما كانت هوية الجماعة واضحة المعالم وراسخة في الوجدان ؛ كلما كان افراد الجماعة اكثر قوة وعزة وثقة بالنفس و اعتزازا برموز ورجال الجماعة وثقافتها وامجادها التاريخية ؛ واما اذا كانت الهوية مغيبة او هلامية او مذبذبة … ؛ كلما كان افراد الجماعة اكثر ضعفا وتمزقا وهشاشة وضياعا ؛ مما ينتج بالتالي اضطراب نمط الحياة وبؤس العيش ويدفع بتوالي المناخات السياسية السيئة والمتوترة وتكرار الماسي والازمات والانتكاسات الداخلية … ؛ وبما ان هوية الشعوب والجماعات والمكونات مرتبطة بالتاريخ ؛ لان التاريخ يقدم لنا المعلومات الحقيقية والمحتملة عن الجذور التي ينتمي اليها هذا الشعب او تلك الجماعة ؛ تحتم علينا دراسة تاريخ الأمة العراقية منذ نشأتها القديمة وظهور اقوامها وجماعاتها ومكوناتها في بلاد الرافدين وانبثاق الحضارات الانسانية والامبراطوريات الاولى ؛ وانتشارها وسيطرتها على الاراضي الشاسعة والبقاع البعيدة … ؛ ثم انكماشها رويدًا رويدًا ، وما استتبعه ذلك من سقوط المدن والدول والحضارات والامبراطوريات الرافدينية العظيمة وانتهائها ، واعادة صيرورة العظمة العراقية بأشكال وصور مختلفة ؛ ومنها الخلافة العلوية المجيدة والامبراطورية العباسية العراقية الكبيرة … ؛، وما آل إليه الأمر في النهاية من سيطرة الاحتلال المغولي ؛ ثم العثماني , ثم الانكليزي … ؛ ثم تمزيق جسد الامة العراقية والقضاء على هويتها التاريخية من خلال تسليط عملاء الحكومات الهجينة – من عام 1921 الى 2003 – على العراق ؛ ومن ثم الاحتلال الامريكي الغاشم وتدخله السافر في الشؤون الداخلية ونهبه للثروات الوطنية ؛ ولا زال الصراع مستمرا وقائما بين احرار وغيارى وابطال الاغلبية والامة العراقية مع الامريكان ؛ وبمختلف الطرق وشتى الوسائل ؛ وصولا للاستقلال التام والنهضة العراقية المرتقبة ؛ وتمكين شرفاء الامة العراقية من بناء العراق واسترداد كافة حقوقه التاريخية المسلوبة .
فالتاريخ يمثل الهوية لكل شعب وجماعة ، إذ حينما تختل المفاهيم وتختلط الاوراق لا يبقى غير التأريخ هوية ثابتة لشعب من الشعوب… ؛ والأمة التي تجهل تأريخها، أمة بلا هوية، ومن لا هوية له، يمكن ان يقع ضحية الآخرين ؛ ومطية يمتطيها الغرباء والاجانب والدخلاء ، ويسقط تحت تأثير التحديات المستمرة، وربما اختلت قناعاته وسلك مسلكاً يضر بمصالحه الوطنية ؛ ويصير خنجرا في خاصرة ابناء جلدته , وقلما منكوسا يقطر سما زعافا ؛ فالتاريخ مرآة الشعوب وحقل تجارب الأمم ، في صفحاته دروس وعبر للمتأملين، لأنه نتاج عقول أجيال كاملة، والأمة التي تهمل قراءة تاريخها لن تحسن قيادة حاضرها ولا صياغة مستقبلها…؛ وخير شاهد على ذلك أن الأمم التي ليس لها تاريخ تحاول أن تؤلف لنفسها تاريخًا، ولو مختلقًا، حتى يكون لها ذكر بين الأمم .