هل ستستثمر موسكو التصعيد في غزة لتعزيز دورها في المنطقة ؟

هل ستستثمر موسكو التصعيد في غزة لتعزيز دورها في المنطقة ؟

سيف عامر

 

بعد عقود من السبات والعزلة الدولية يستيقظ الدب الروسي اليوم ليفرض شروطه بقوة وينصب نفسه لاعباً مهماً في الساحة الدولية والإقليمية , المواقف الروسية المنددة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي دخل يومه العاشر تدل على ان موسكو تتحرك وفق استراتيجية جديدة تختلف عن ما رأيناه إبان الحرب الباردة , فمن الطبيعي ان رجل مثل بوتين يرى في التصعيد العسكري الإسرائيلي على غزة يصب في صالح الأمن القومي الروسي خصوصاً بأن الحرب اليوم على القطاع تعتبر ورقة مهمة لموسكو لتحويل الانتباه عن حرب روسيا وأوكرانيا وما يعقبه ذلك من تخفيض لحجم المساعدات المالية والعسكرية تجاه الأخيرة وهذا يعني إضعاف الروح المعنوية لدى الأوكرانيين بحجة ان الغرب سيوجه أنظاره الى الأزمة الجديدة في الشرق الأوسط وبالتالي سيقل الدعم الدولي المقدم لكييف ومسار العملية قد ينقلب سريعاً لصالح روسيا .

 

أما المحور الآخر الذي يتعلق بالاستراتيجية الروسية الجديدة والتي تعتبر الدول العربية والمسلمة من نصيبها خصوصا دول القوقاز الجنوبي والتي معظمها كانت منضوية تحت لواء الاتحاد السوفيتي ,ترى موسكو في هذه الدول قاعدة مهمة تصب في صالحها تحقيقاً لمبدأ توازن الرعب في المنطقة أو كقوى موازية تجاه أمريكا وحليفتها أوروبا وقد رأينا ذلك جلياً في محاولات بوتين بالآونة الأخيرة لتقوية العلاقات مع هذه الدول والحرص على صون حقوق شعوبها سواء على مستوى الحريات الدينية والاجتماعية وما إدانة بوتين لما حصل في الدنمارك والسويد من حرق للمصاحف والتشجيع على فتح المزيد من المساجد والمدارس الدينية في موسكو إلا دليل على الاستراتيجية الروسية الجديدة تجاه العرب والمسلمين على خلاف نقيضتها في التسعينيات إبان الحرب الروسية الشيشانية , وكان من نتيجة ذلك التأييد الواسع لموسكو في حربها على أوكرانيا من قبل هذه الدول وشعوبها .

 

أما المحور الأخير فهو محاولة روسيا تعزيز دورها في الشرق الأوسط من خلال تسويق نفسها كصانعة سلام محتملة ,إذ يجد الكرملين الفرصة سانحة هنا للقيام بما قامت به مرات كثيرة وهو توجيه اللوم لأمريكا, فمنذ وقوع هجوم حماس على إسرائيل كانت الرسالة المركزية لبوتين هي ان” هذا مثال على فشل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط “, وهي تنسجم مع النمط لعام في مهاجمة موسكو لما تصفه بـ”الهيمنة الأمريكية “, كما ان تصوير أمريكا بالمجرم المركزي في الشرق الأوسط هو طريقة الكرملين في تعزيز موقف روسيا في المنطقة على حساب واشنطن .

 

ولا ننسى بأن بوتين لم يعبر عن تضامنه مع إسرائيل في كلمته أمام قمة رابطة الدول المستقلة في بيشكيك ,وتحدث بدلاً من ذلك عن خسائر غير مقبولة في صفوف الفلسطينيين وحذر من عواقب العدوان الإسرائيلي الوخيمة وهذا مؤشر مهم على تدنى العلاقات الروسية – الإسرائيلية خصوصاً بأن موسكو بدت تتجه أنظارها نحو طهران من خلال إبرام الصفقات السرية الخاصة باستيراد روسيا للصواريخ الباليستية والطائرات دون طيار الإيرانية مقابل تقنيات الصواريخ وكل ما يشكله ذلك من تحدياً خطيراً لإسرائيل وأمنها على وجه الخصوص .

 

اليوم ترى موسكو نفسها مضطرة للدخول في دوامة الصراع في الشرق الأوسط انطلاقا من الهدف الأساسي للدبلوماسية الروسية الذي يتمثل بإضعاف لنظام العالمي الغربي وهو المشروع الذي يتقاسمه معها بشكل خاص حلفاؤها الصينيون والإيرانيون والكوريون الشماليون وكل ما يعقب ذلك من ردود أفعال قد تتطور لحروب إقليمية طويلة الأمد والتي قد تمثل غزة اليوم الشرارة الأولى لانطلاقها ! .

Related Posts