بقلم ماهر المونس مع ربى الحسيني من بيروت
بدأ الناخبون السوريون في مناطق سيطرة القوات الحكومية التوجّه منذ صباح الأربعاء الى مراكز الاقتراع لانتخاب رئيس، في استحقاق هو الثاني من نوعه منذ اندلاع النزاع المدمر قبل أكثر من عقد من الزمن من شأنه أن يمنح الرئيس بشار الأسد ولاية رابعة من سبع سنوات.
وفي بلد أنهك النزاع بناه التحتية واقتصاده وأودى بحياة أكثر من 388 ألف نسمة وشرّد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، شككت قوى غربية عدّة بنزاهة الانتخابات حتى قبل حصولها، واعتبرها معارضو الأسد “شكلية”.
وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها، وفق ما أوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، عند السابعة صباحاً (04,00 ت غ). وعرض التلفزيون السوري مشاهد تظهر صفوفا طويلة من الناخبين تتشكل أمامها في عدد من المناطق.
وعلى وقع اجراءات أمنية على مداخل دمشق والساحات والنقاط الرئيسية، شهدت مراكز الاقتراع في الجامعات خصوصاً إقبالاً باكراً من الطلاب. وأفاد مراسلو وكالة فرانس برس عن تجمعات طلابية هتف المشاركون فيها “بالروح بالدم نفديك يا بشار”،
وقال كنان الخطيب (26 عاماً)، وهو طالب في جامعة دمشق، لفرانس برس “جئت أنتخب الرئيس بشار الأسد لأنه الرجل الوحيد الذي صمد طيلة عشر سنوات من الحرب”. وأضاف “لا أعرف المرشحين الآخرين على الاطلاق وأحترم ترشحهما لكن صوتي بكل تأكيد للرئيس بشار الأسد”.
واتّخذ الأسد (55 عاماً) عبارة “الأمل بالعمل” شعاراً لحملته الانتخابية، في محاولة لتسليط الضوء على دوره المقبل في مرحلة إعادة الإعمار، بعد عقدين أمضاهما في سدّة الرئاسة.
إلى جانب الأسد، يخوض مرشّحان السباق الرئاسي هما وزير الدولة السابق عبد الله سلوم عبد الله (2016-2020) وكان نائبا لمرتين والمحامي محمود مرعي، من معارضة الداخل المقبولة من النظام، وسبق أن شارك بين ممثليها في إحدى جولات المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في جنيف، والتي اتسمت بالفشل.
وارتفعت الأعلام السورية وصور المرشحين الثلاثة في المراكز الانتخابية، لكن صوراً عملاقة للأسد اكتسحت الشوارع والساحات العامة.
– 12 ألف مركز –
قدّر وزير الداخلية محمّد خالد رحمون، خلال مؤتمر صحافي عقد الثلاثاء، عدد من يحق لهم الانتخاب في كامل المناطق السورية وخارجها بأكثر من 18 مليون شخص.
ويبلغ عدد المراكز الانتخابية، وفق الداخلية، أكثر من 12 ألفاً، ستفتح ابوابها حتى 19,00 (16,00 ت غ). ويحقّ للناخب أن يُدلي بصوته في أي مركز، على اعتبار أن “سوريا دائرة انتخابية واحدة”، على أن تصدر النتائج خلال 48 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع.
وتجري الانتخابات في مناطق سيطرة الحكومة المقدرة بأقل من ثلثي مساحة البلاد، ويقطن فيها حوالى 11 مليون شخص، فيما تغيب عن مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، كما عن مناطق تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل موالية لأنقرة في شمال وشمال غرب البلاد.
وأعلن مجلس سوريا الديموقراطية الجناح السياسي لقوات سوريا الديموقراطية في مناطق سيطرة الأكراد، أنه “غير معني” بالانتخابات. ووصف الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والمدعوم من تركيا ومقره اسطنبول، الانتخابات بـ”المسرحية”.
وشارك عشرات الآلاف الخميس في عملية الاقتراع في سفارات بلادهم وقنصلياتها في اليوم المخصص للمقيمين خارج سوريا، ممن يحملون جوازات سفر سارية وتركوا البلاد بطريقة شرعية، وهو ما لا يسري على ملايين اللاجئين الذين فروا من المعارك والقصف.
– “الثابت الوحيد” –
لم يجر الأسد أي مقابلة صحافية خلال الحملة الانتخابية، ولم يشارك في أي فعالية ولم يتوجه بأي خطاب الى السوريين. لكنه أصدر في الآونة الأخيرة سلسلة قرارات وقوانين في محاولة لتحسين الوضع المعيشي والخدمي، وأصدر عفواً رئاسياً شمل الآلاف من مرتبكي الجرائم المختلفة.
ويحلّ الاستحقاق الانتخابي فيما تشهد سوريا أزمة اقتصادية خانقة خلّفتها سنوات الحرب، وفاقمتها العقوبات الغربية، فضلاً عن الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور حيث يودع رجال أعمال سوريون كثر، أموالهم.
وعلى وقع النزاع، شهدت الليرة تدهوراً غير مسبوق في سعر صرفها في مقابل الدولار. وبات أكثر من ثمانين في المئة من السوريين يعيشون، وفق الأمم المتحدة، تحت خطّ الفقر.
وبعدما ضعفت في بداية النزاع وخسرت مناطق كثيرة، استعادت القوات الحكومية بدعم عسكري مباشر من حليفتيها إيران وروسيا مساحات واسعة. ورغم توقف المعارك إلى حد كبير، لا تزال مناطق غنية، تضم سهولاً زراعية وآبار نفط وغاز، خارج سيطرتها.
ويعمل الأسد ومن خلفه حلفاؤه، وفق محللين، على جذب “مانحين محتملين” لتمويل عملية إعادة الإعمار.
وفي 2014، حين كانت المعارك في أوجها، فاز الأسد بـ88 في المئة من الأصوات في انتخابات وصفتها دول غربية ومعارضون بأنها “فاقدة للمصداقية”، وكانت تُعد نظرياً الانتخابات التعددية الاولى في سوريا منذ نصف قرن، تاريخ وصول حزب البعث الى الحكم.
وقد تعاقب على رأس السلطة في سوريا منذ مطلع السبعينات الرئيس حافظ الأسد ومن بعده نجله بشار عبر استفتاءات شعبية كانت نسبة التأييد فيها تتجاوز 97 في المئة.
ونددت قوى غربية كبرى الثلاثاء بالانتخابات الرئاسية. وقال وزراء خارجية الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا في بيان مشترك “نحض المجتمع الدولي على أن يرفض من دون لبس هذه المحاولة من نظام الأسد ليكتسب مجددا الشرعية من دون أن يوقف انتهاكاته الخطيرة لحقوق الإنسان ومن دون أن يشارك في شكل ملحوظ في العملية السياسية التي سهلتها الأمم المتحدة بهدف وضع حد للنزاع”.
ويرى دبلوماسي أوروبي متابع للشأن السوري أنّ الأسد حالياً “يراهن على أن يكون الثابت الوحيد في بلد مدمر”.
المصدر: © AFP