هل سننتج انساناً في العراق؟

كتب الأستاذ عبدالباري الحمداني* 

عندما يكون الماضي ملعونا والحاضر خوفا والمستقبل مجهولا
مشكلتنا لخصها كولن باول عندما سئل عن ادارة العراق بعد 2003 ، قال المهمة سهلة لانهم سينشغلون عن مستقبلهم بلعن الماضي، ويتصارعون حول احداث الحاضر وسينتجون تجمعات متطرفة تتبادل التهم والعداء والمفخخات، خطورة ذلك تكمن في عدم قدرتنا وقتهاعن انتاج مؤسسات ودولة بما تعنيه تلك المفاهيم.
ما يحدث ليس مجرد تحولات سياسية او صناعة جديدة لادارة البلد، الفترة الماضية كشفت ان هناك تحول خطير حدث لمجتمع الجنوب وبعض مناطق بغداد، هذا التحول افرز تحطيم وتكسير لصورة المرجعيات السياسية، هذا التحطيم كانت بوادره قبل سنوات وليس الان لان المنظومة السياسية انتجت الفشل بكل مفاصل الحياة ولم تقدم برنامجا يمكن ان نسميه دولة، فالحكومات لم تقدم الاستقرار والتنمية، قدمت لنا الانقلابات الدموية والحروب وتهديد الجيران وتجويعا وحصارا، وفسادا وفوضى ونخرا لكل قيم المجتمع العراقي منذ سنوات،


وتحطيم للمرجعيات الاجتماعية لوجود خلل بين جيلين يمكن ان نطلق على الجيل الاول ” جيل الموروثات” ويقصد به الجيل الذي عاش حياة غير متسقة او مستقرة القيم ،عاش القلق والخوف والتردد والصبر المر وخرج بحكمة يمكن ان تساعده ان يتكيف مع النظم السياسية، وجيل اخر يمكن ان نطلق عليه” المتمرد” الذي يتهم ذاته بالقصور ويتهم جيل الكبار بالتقصير، وهو غير مستعد للتكيف مع المنظومة السياسية والقيمية الحالية، وهو لم يعد مطلقا راضيا عن شكل الحياة التي رفض ان يرسمها الاخرون له، كما انه كون منظومة من السخرية الاجتماعية بسبب شعوره بالاستبعاد واتهامه بالتسرع ، يمكن ان نلخص الصراع بين ارادة “المرجئة” واتخاذ اسلوب الوسطية من قبل الكبار، في حين الاندفاع والثورية والحركة ” من قبل الجيل الحالي، المشكلة الاكبر ان هناك ثقافة شاعت كذلك قبل سنوات حول المرجعيات الدينية، حتى وصل الامر ان تطالها السخرية والتشكيك احالها أن يختلف حولها الجميع الان بمنطق يمكن ان نسميه” خلاف التنزيل والتاويل” فخطب المرجعية على سبيل المثل تقتطع بانتقائية وتفهم بمنطق”نؤمن ببعضه ونكفر ببعض”-
الحرب والاقتتال الداخلي ليس مشكلة بحد ذاته، المشكلة في الانقسام الذي يسبق الاقتتال لا سامح الله، لان الانقسام المجتمعي نواتجه ليس الاقتتال فقط ، بل ضياع مفهوم الدولة ،خصوصا وان تلك الدولة ذبحت اكثر من مرة على يد الحكومات المتعاقبة منذ تاسيسها عام 1920 ولحد الان.
المرحلة الحالية هي الاخطر نوعيا، فالسلاح مبتذل وهو خارج السيطرة والجميع يحمله ضد الجميع، والشعرة التي بدات تتقطع سيلحقها احتراق شامل . هل في ضل ظروف كتلك يمكن ان تنتج دولة بمفهوم جديد خارج عن السياقات البالية التي خلفها برايمر، او خلفتها قيم الحروب والحصار والتهميش والاستبعاد والاجتثاث والتخوين وبيع الضمائر وضياع الانسان وتشوه مفهوم المواطنة، نعم ممكن جدا، ولعلنا نواجه اختبارا من نوع فريد تكون نواتجه اما ضياع وهلاك الجميع او العودة للعقلانية والتصرف الرشيد نحو بناء منظومة وطنية ودولة، شرط ان نفكر بالمستقبل ونتخلى عن الانانية” ونحتكم لكلمة سواء” ابليس لم يخدع ادم ألا عندما قال له ” ستكونا ملكين” عندما تاكلا الشجرة، هذه هي مشكلتنا، مشكلتنا اننا نتبادل القلق والخوف وليس الافكار والتفهم والحكمة.
ليس عيبا ان يستمع بعضنا للبعض وليس عيبا ان ننتج مجتمع ودولة وقانون ودستور يضمن لابنائنا حسوني الذي تركناه يواجه العالم لوحده وغيره الكثيرون
ان نضمن لههم مستقبلا يعيد مفهوم الانتماء والمواطنة في اذهانهم بخارطة من ادراك مستقر وامل بحياة كريمة ، العيب ان انتجنا بنية هشه لابنائنا ولم نفلح في تشكيل شخصياتهم وانماط تفكيرهم ، ولا زالت الفرصة الفريدة قائمة ، فقط عندما ننسلخ من الانانية والتكبر ونبحث عن انتاج الانسان.

*تدريسي كلية التربية الاتساتية- مدير الجودة/ جامعة ذي قار- مدير التعليم والتطوير- عميد التربية الاساسية والمقالة من صفحته في الفيسبوك

Related Posts