علي عبدالأمير عجام*
يثير القصف الأميركي لقواعد “كتائب حزب الله” في منطقة القائم، وهي مجموعة مسلحة موالية لإيران أسسها أبو مهدي المهندس 2007 لتتولى مهاجمة القوات الأمريكية الغازية، مجموعة من التداعيات الخطيرة على مستويات عدة أبرزها:
1 الانتفاضة العراقية وتوجيه الاهتمام بعيداً عنها؟
2 عموم القضية العراقية المأزومة منذ أشهر؟
3 مستقبل الوجود الأميركي في العراق؟
وفي سياق المستوى الأول، ثمة من يتساءل “لماذا يأتي هذا التصعيد بهذا التوقيت”؟ حيث:
*كثفت المجموعات العراقية الموالية لإيران قصف المواقع الأمريكية في البلاد (نحو خمس هجمات رئيسة ومثلها تقريبا ثانوية خلال الشهرين الماضيين) طالت مواقع عسكرية في التاجي، معسكر قرب مطار بغداد، قاعدة “عين الأسد” حيث المقر الرئيس للقوات الأمركية غرب البلاد، وأخيرا وليس آخرا السفارة الأمريكية ببغداد ولمرات عدة. *جاءت تلك الضربات في حين باتت الانتفاضة الشعبية السلمية هي من يوجّه الأحداث ويضغط بقوة على الحكم في بغداد الذي ترك الكثير من مفاصل المواجهة الدموية للانتفاضة بيد مجموعات موالية لإيران، وتعرض الأخيرة لهزيمة شعبية بين العراقيين.
* بدا الإيرانيون بحاجة لـ “صرف الأنظار وحرف الاهتمام بالثورة العراقية وتحويلها لحدث آخر” وهو ما ينوه إليه الصحافي العراقي سنان الخالدي.
*على الفور، وبعد وقت قصير على الضربات الأمريكية توجّه المتوجسون من الانتفاضة العراقية السلمية (كتاب مرتبطون بأحزاب السلطة وميليشياتها) وسياسيون بسؤال ينضوي في الثنائيات العراقية القاتلة: الحشد الشعبي أم أمريكا؟ في استعادة لثنائيات مثل: إيران أم أمريكا؟ وقبلها صدام أم أمريكا؟ وهو تساؤلٌ لا يخفى المقصود منه الا وهو اتركوا الساحات الآن وتعالوا للاصطفاف مع الحشد الشعبي الذي دافع عنكم.
*لكن هذا التوجه لم يقبل به ناشطون من وسط ساحات الاحتجاج المقاتلون، لا بل أن هناك من حلل الموقف على نحو فيه الكثير من الدقة والموضوعية فكتب الناشط والكاتب سلام الحسيني “الذين سقطوا شهداء هم عراقيون، الأرض التي قُصفت عراقية، الأضرار التي لحقت نتيجة الإعتداء (الأمريكي) تضرنا نحن وليس سوانا، مالذي يدعوني مثلاً لأسكت”؟
ويستدرك الحسيني “الخلط بين تصرفات بعض المجاميع المسلحة المنفلتة والمفهوم العام لسيادة بلد وأرواح عراقيين يحتاج لتفكيك ذهني عاقل وليس عاطفياً مبنياً على معادلة الكره والحب. أمريكا وإيران تخوضان صراعاً بدم شبابنا وعلى أرضنا وكلاهما أقطاب الفشل والدمار والخراب وبوابة الموت التي يجب أن تُغلق، إنها لعبة حقيرة خادعة بعنوانها وشعارها للكثير، فهل عرفتم لماذا إنتفاضة تشرين تريد وطن”؟
هنا ثمة إجماعٌ على أن قصف المجموعات المسلحة الموالية لإيران والذي تواصل بكثافة خلال الانتفاضة السلمية كان وسيلةً لجرّ الأمركيين إلى الرد وبالتالي تحويل بوصلة الأحداث في البلاد نحو المواجهة مع الولايات المتحدة والمواقف المعتمدة على الثنائيات القاتلة لجهة مع من تقف: الحشد الشعبي أم أمريكا؟ وبالتالي إسكات الانتفاضة الشعبية بل إخمادها.
أما على المستوى الثاني، فالضربات الأمريكية وقبلها الضربات الإيرانية (بالوكالة) أكدت:
*هشاشة الحكم العراقي، حتى أن مسؤولين كبار إشاروا ضمنياً في مواقفهم إلى أن سبب هذه الأزمة المتفجرة (القصف الأمريكي) عائدُ إلى تهاون الحكومة العراقية في ضبط السلاح وبقائه منفلتاً في إشارة إلى المجموعات المسلحة التي تزايدت قوتها في العامين الماضيين وتحديداً منذ استلام حكومة عادل عبدالمهدي السلطة.
وفي هذا السياق قال رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي “في الوقت الذي نطالب فيه الجميع بضبط النفس، نجدد دعوتنا بأن تكون جميع القوات تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة” في إشارة واضحة إلى ان المجموعات المسلحة ظلت تستخدم سلاحها خارج الدولة، وهي إشارة كررها إئتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي حين شدد ائتلاف على “ضرورة إلزام جميع الوجودات العسكرية العراقية بأوامر القيادة العامة والتزامات العراق الرسمية وعدم جرّ العراق إلى إتون الصراعات الاقليمية الدولية، فأمن واستقرار العراق قيمة عليا لا يجوز التفريط بها لصالح إية دولة”.
*غياب الصدقية عن الحكم، فهو يؤكد عبر بيانات رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي على تعاونه مع الولايات المتحدة في قضايا الأمن والاعمار والتحالف المتواصل ضمن “الحرب على داعش”، لكنه في الوقت ذاته لم يستنكر العمليات التي استهدفت “الحليف” وبالطبع لم يسم أي طرف قصف مواقع وقوات أمريكية.
*سيادة وطنية “وان واي”، وهو طريق التأكيد على السيادة العراقية متى ما تعلق الأمر بالانتهاكات الأمريكية، وغضّ النظر حدّ العماء التام حيال الانتهاكات الإيرانية، بل التأكيد الدائم على أن إيران كانت “الحليف المؤتمن الذي ساعد العراق على هزيمة الإرهاب”.
وبخصوص المستوى الثالث، فالضربات التي نفذتها إدارة الرئيس ترامب، طرحت سؤالاً عن مصير القوات الأمريكية في العراق، لا سيما:
* ان القوى الشيعية بأحزابها ومجموعاتها المسلحة، فضلاً عن القيادات السنية التي باتت تبزً نظيرتها الشيعية بموالاة إيران وانتقلت من مرحلة “سنة المالكي” إلى “سنة سليماني”، استغلت الحدث للمطالبة بإخراج القوات الأمريكية من البلاد.
* مثل هذه المطالبات لطالما تكررت مع كل أزمة سياسية خانقة كانت تحاصر القوى المتنفذة في البلاد، ولا يبدو أن الأميركيين في وارد الاهتمام بها طالما ظلت “الاتفاقية الأمنية الاستراتيجية” الموقعة بين بغداد وواشنطن 2010 سارية المفعول.
*تؤكد واشنطن على أن الضربات الأخيرة هي “ضربات دفاعية في العراق وسوريا ضد خمس منشآت لكتائب حزب الله رداً على الهجمات الأخيرة ضد قوات التحالف”، كما قال جوناثان هوفمان، مساعد وزير الدفاع الأميركي في تغريدة على تويتر، وبالتالي فهي “لم تقم بعمل يناقض سيادة العراق”.
*ثمة شعور متزايد في واشنطن مفاده أن “خطر الفصائل الموالية لإيران في العراق على الجنود الأمريكيين بات أكبر من التهديد الذي يشكله تنظيم داعش، والذي نشرت واشنطن على إثره آلاف الجنود في البلاد لمساعدة بغداد على مواجهة التنظيم المتطرف بعدما سيطر على مناطق واسعة في 2014″.
*تعاظم الضغط الإيراني على بغداد لإنهاء تواجد القوات الأمريكية فقد “دان المتحدث باسم الخارجية الايرانية عباس موسوي بشدة العدوان العسكري الأمريكي على الأراضي العراقية”، معتبراً “تواجد القوات الاجنبية في المنطقة بان من شأنه ان يزعزع الامن واثارة التوتر والازمة فيها وعلى أمريكا انهاء تواجدها الاحتلالي”.
بمقابل ذلك قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن كبار مستشاري الأمن القومي الأميركي أبلغوا الرئيس دونالد ترامب بالهجمات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة على ما وصفه مسؤولون أميركيون بجماعة ترعاها إيران في العراق وسوريا. وأضاف بومبيو في تصريحات للصحافيين بعد إطلاع ترامب على الهجمات “لن نتغاضى عن قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتصرفات تعرض الرجال والنساء الأمريكيين للخطر”.
* الغارة الأميركية اعتبرها مراقبون رسالة تحذير إلى الحكومة العراقية أيضا، فقال المحلل السياسي العراقي، رعد هاشم، في تصريح صحافي إن “الضربات الأميركية بمثابة تحذير لبغداد بأن اضبطوا فصائلكم المسلحة، وأوقفوهم عن تبني الاستفزازات الإيرانية ضد المصالح الأميركية”.
ويرى المحلل السياسي العراقي هاشم رد فعل طهران القادم، هو ما “سيوضح إن كانت وتيرة الصراع بين طهران وواشنطن ستشتعل أم لا، فالنظام الإيراني عرف أن الولايات المتحدة لا تتهاون مع أمنها القومي تحت كل الظروف”.
*كاتب وصحافي عراقي