(بيروت) –
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن قوات الأمن في جميع أنحاء العراق تستخدم القوة القاتلة ضد المتظاهرين رغم الأوامر بالتوقف عن ذلك. الأوامر بوقف استخدام الذخيرة الحية صدرت عن عادل عبد المهدي، الذي استقال من منصبه كرئيس للوزراء في 29 نوفمبر/تشرين الأول ولكنه ما زال في حالة تصريف الأعمال. ينبغي للجهات المختصة اتخاذ تدابير عاجلة لمنع قوات الأمن من استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين.
في 1 ديسمبر/كانون الأول، قبل البرلمان العراقي استقالة عبد المهدي بسبب المظاهرات المستمرة. التناقض بين أقواله و استمرار ارتفاع عدد القتلى، لا سيما في المدن الجنوبية، يثير مخاوف من أن تكون الحكومة غير قادرة على السيطرة على القوات المنتهِكة، بما فيها الجماعات التي هي رسميا تحت سيطرة رئيس الوزراء.
قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “ينبغي للحكومة إنهاء القتل خارج القانون، وتفسير عدم قدرتها على السيطرة على قواتها. التناقض بين تصريحات الحكومة وما تقوم به قوات الأمن على الأرض يوحي بأن القائد الأعلى للقوات العراقية لا يسيطر على قواته”.
قال متحدث باسم “مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان” في 29 نوفمبر/تشرين الثاني إن 354 شخصا على الأقل، وفقا لتقديراتها، قتلوا وجُرح 8,104 منذ بدء الاحتجاجات في 1 أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن المجموع الفعلي يُرجَّح أن يكون أعلى. في بيان صدر في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش استخدام قوات الأمن الذخيرة الحية ضد المتظاهرين.
شملت عمليات القتل الأحدث ما لا يقل عن 16 متظاهرا في النجف في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، وثلاثة آخرين في اليوم التالي. فتحت قوات الأمن النار غالبا على محتجين أمام مرقد شيعي، مرقد آية الله محمد باقر الحكيم، ومجددا بعد أن أحرقوا القنصلية الإيرانية في النجف. قال صحفي عراقي كان في المرقد لـ هيومن رايتس ووتش إن 300 متظاهرا احتجوا في 29 نوفمبر/تشرين الثاني أمام ضريح الحكيم ذلك اليوم، وأطلقت النار قواتٌ تحمي الضريح، معظمها في زي مدني كانت تحمي الضريح وبعضها تمركز على السطح: “لم أرَ مثيلا له على الإطلاق، والرصاص كانت تسقط في جميع الاتجاهات”.
أكد مسعف كان متواجدا هناك رواية الصحفي، وقال إنه عالج 25 متظاهرا على الأقل أصيبوا بالرصاص في الساقين، والعنق، والصدر. وقال إن المستشفى استقبل 16 قتيلا تلك الليلة، وثلاثة آخرين في اليوم التالي.
بعد سقوط هؤلاء القتلى حث محافظ النجف لؤي الياسري الحكومة الاتحادية على إنهاء “سفك الدماء” في النجف، ومعاقبة القوات المسؤولة. وحدد أنها “سرايا عاشوراء“، وهي وحدة من “قوات الحشد الشعبي”، التي تخضع رسميا لسلطة رئيس الوزراء.
أيضا في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، أطلقت “قوات الرد السريع” التابعة لوزارة الداخلية النار على المحتجين غير المسلحين بمعظمهم في ساعات الصباح الباكر في اعتصام الناصرية، فقتلت 25 شخصا على الأقل وأصابت 160 آخرين، وفقا لتقرير صادر عن مكتب محافظ ذي قار، و”قيادة العمليات المشتركة” لقوات الأمن العراقية، و”منظمة العفو الدولية“. قال متظاهر كان حاضرا هناك إنه ظل سلميا رفقة متظاهرين آخرين، رغم أن بعض المتظاهرين رشقوا قوات الأمن بالحجارة. قال إنه رأى قوات “السوات”، بالإضافة إلى آخرين يرتدون زيا أسود دون شعارات، أطلقوا النار وقتلوا أربعة متظاهرين كانوا بجانبه: “عندما أطلقت الشرطة النار علينا، شعرت كما لو أن السماء تُمطر رصاصا”.
في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش في 20 نوفمبر/تشرين الثاني بشأن تقاريرها عن عدد القتلى، ذكرت سفارة العراق في بيروت “لجنة عليا للتحقيق” أسسها عادل عبد المهدي للتحقيق في الانتهاكات ضد المتظاهرين من 1 إلى 8 أكتوبر/تشرين الأول. أوصت اللجنة بإقالة كبار المسؤولين الأمنيين والتحقيق مع كبار المسؤولين في مقتل 149 محتجا وإصابة 5,494 خلال تلك الفترة. لم تتطرق الرسالة إلى أي مدى نفذت الحكومة تلك التوصيات.
لكن في مثال واحد عن هذا الإجراء ردا على مقتل كثيرين حديثا، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، سحب عبد المهدي عن الفريق الركن جميل الشمري صفته رئيس خلية الأزمة في محافظة ذي قار في قوات الأمن العراقية بسبب ارتفاع عدد القتلى في الناصرية في ذلك اليوم. وكان قد عين الشمري قبل 16 ساعة فقط. وأفادت وسائل الإعلام المحلية يوم 1 ديسمبر/كانون الأول أن محكمة في محافظة ذي قار أصدرت مذكرة اعتقال ومنع السفر بحق الشمري.
على حد علم هيومن رايتس ووتش، أُجريت حتى الآن محاكمتان لضباط الأمن. أفادت وسائل الإعلام المحلية في 1 ديسمبر/كانون الأول بأنه حُكم على ضابط شرطة بالإعدام بتهمة قتل المتظاهرين في محافظة واسط، جنوب شرق بغداد، وأن ضابطا عراقيا آخر حُكم عليه بالسجن سبع سنوات. تُعارض هيومن رايتس ووتش عقوبة الإعدام في جميع البلدان وتحت أي ظرف. وقال مسؤول أمني عراقي في 3 ديسمبر/كانون الأول إن السلطات ستُحاكم 43 ضابط شرطة آخرين.
جاء أيضا في رسالة السفارة في بيروت أن عبد المهدي أصدر تعليمات مشددة تحظر استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين في جميع الظروف، وأمر جميع قوات الأمن بالقرب من الاحتجاجات بنزع سلاحها، وطلب منهم “الصبر” في التعامل مع المتظاهرين، وضمان حمايتهم خلال المظاهرات في مناطق محددة. وأعلنت الرسالة عن تشكيل وحدة جديدة “مهمتها التعامل المباشر مع المتظاهرين وحماية الفعاليات الاجتماعية الكبرى”. في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، أكدت الحكومة إنشاء “خلية أزمة” مشتركة عسكرية ومدنية.
يتناقض مضمون الرسالة بشكل حاد مع الحقائق على أرض الواقع في مدن مثل النجف والناصرية، فضلا عن غيرها بما فيها البصرة، والمثنى، وبعض الاحتجاجات في بغداد، حيث أطلقت مختلف القوات العسكرية والأمنية النار على متظاهرين وقتلتهم. قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للحكومة الاتحادية أن توضح لسكان العراق ما اذا كانت قوات الأمن قد تجاهلت أوامر رئيس الوزراء، أو إذا كان قد أصدر أوامر مختلفة، أو إذا أصدر مسؤولون آخرون أوامر متضاربة.
إذا كان إطلاق الذخيرة الحية على المتظاهرين يتناقض مع سياسة الحكومة، فينبغي للحكومة أن تدين القتل غير المشروع للمتظاهرين، بما في ذلك عمليات القتل الأخيرة في النجف والناصرية، وأن تُحيل جميع قوات الأمن المُتورطة إلى القضاء. وإذا أصدر قادةٌ أوامر للقوات بإطلاق النار، ينبغي للحكومة إحالتهم إلى التحقيق والمحاكمة.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للسلطات التحقيق في كل حالة وفاة ارتكبتها قوات الأمن، بمساعدة خبراء دوليين إذا لزم الأمر. ينبغي أن تكون مثل هذه التحقيقات سريعة، وعادلة، ومستقلة عن الذين يتم التحقيق معهم بمشاركة عائلات القتلى. ينبغي أن تُؤدي إلى مقاضاة أي شخص خرق القانون، بما في ذلك القادة.
قالت ويتسن: “اختارت الحكومة أن تختبئ خلف مزاعم بأنها قد أصدرت أوامر بوقف القتل، لكن ذلك ببساطة لا يكفي. طالما أن هذه الحكومة في السلطة، فهي مسؤولة عندما تقتل قواتُها المتظاهرين”.