(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن قوات الأمن العراقية هاجمت مسعفين بسبب تقديمهم العلاج إلى المتظاهرين منذ بدأت الاحتجاجات في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2019، حيث أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية على المسعفين، وخيامهم، وسيارات الإسعاف. تسببت الهجمات في وفاة مسعف على الأقل.
قوات الأمن تحطم نوافذ ومرايا سيارة إسعاف التي كانت تقوم بنقل متظاهرين جرحى الى مستشفى في بغداد 25 تشرين الأول/أكتوبر
قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “أصبح المسعفون ضحية أخرى للقوة المفرطة للدولة. تُظهر هذه الهجمات تجاهلا تاما للحاجة الماسة إلى ضمان تأدية المسعفين وظائفهم الأساسية”.
قال طبيب من بغداد لـ هيومن رايتس ووتش إنه رأى قوات الأمن في ساحة التحرير وعلى ثلاثة جسور في بغداد تطلق قنابل الغاز المسيل للدموع على سيارات الإسعاف خمس مرات على الأقل منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول. في 25 أكتوبر/تشرين الأول، أطلقوا ذخيرة حية أصابت سيارة إسعاف، على حد قوله.
قال مسعف يعمل في ساحة التحرير إنه في 25 أكتوبر/تشرين الأول، حوالي الساعة 6:15 مساء، كان في مؤخرة سيارة إسعاف أبوابها مفتوحة وتُطلّ على جسر الجمهورية، حيث أطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع نحو سيارة الإسعاف. سيارة الإسعاف التي كان بداخلها كانت متوقفة بعيدا عن المتظاهرين عندما أصابته قنبلة الغاز المسيل للدموع: “شيء ما أصاب صدري، كان ثقيلا، لكن لم أرَهُ لأن سيارة الإسعاف امتلأت بالدخان. جميع من كان في داخل سيارة الإسعاف كانت لديهم صعوبة في التنفس”.
قال مسعف في بغداد إنه بتاريخ 31 أكتوبر/تشرين الأول حمى نفسه عندما أطلق رجل أمن على الجسر الغاز المسيل للدموع عليه مباشرة وهو راكع لعلاج متظاهر مصاب على ضفاف نهر دجلة أسفل جسر الجمهورية. تمكن من أن يحتمي، كما قال.
قال مسعف آخر في بغداد إنه كان ضمن فريق من 20 مسعفا يعملون في خيمة طبية مؤقتة على جسر الأحرار، حيث تظاهر البعض منذ أوائل نوفمبر/تشرين الثاني. قال إنه في الساعة 5 مساء 6 نوفمبر/تشرين الثاني، بدأ المتظاهرون باجتياز الحواجز باتجاه قوات الأمن. ثم رأى المئات من الشرطة الاتحادية وشرطة مكافحة الشغب، التي تعرف عليها من علامات المركبات التي تقف خلفها، والقوات الأخرى التي ترتدي بزات وأقنعة سوداء، وهي تفتح النار.
أطلق البعض الرصاص الحي على خيمتهم. فر مع مسعفين آخرين، حيث أطلقت قوات الأمن النار عليهم وهم يركضون. طاردتهم الشرطة الاتحادية، واحتجزت اثنين من المسعفين اللذين قال إنهما ما زالا رهن الاحتجاز، لكنه لا يعلم إن اتُّهِما بارتكاب جريمة.
قال طبيب كان في الخيمة على جسر الأحرار في ذلك الوقت إن المسعف عباس علي، الذي كان هناك أيضا، أخبره أن الشرطة الاتحادية سمحت للفريق بتقديم الإسعافات الأولية للمتظاهرين المصابين على الجسر. قال إن الشرطة الاتحادية وشرطة مكافحة الشغب فتحت النار لاحقا دون إنذار، ما أدى إلى إصابة عدة متظاهرين. قال إن علي خرج لعلاج أحد المصابين.
قال الطبيب الآخر: “بينما كان عباس يعالجه، رأيته يُصاب في يده. رفع عباس يده للإشارة إلى معطفه الطبي. ثم أُصيب برصاصة في رقبته. وضع المتظاهرون عباس في توك توك (وسيلة مواصلات شعبية) ثم في سيارة إسعاف ونقلوه إلى ´مستشفى الكِندي´. تبعته إلى المستشفى لكنه كان قد توفي”.
رأت هيومن رايتس ووتش صورا تُبيّن علي مصابا في رقبته برصاصة على الأرض عند الجسر.
في هجوم آخر، قال عامل في وزارة الصحة يتطوّع مع المسعفين إنه في الساعة 1:30 صباح يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني، إنه مع تصاعد الاشتباكات بين المتظاهرين الذين ألقوا قنابل مولوتوف وشرطة مكافحة الشغب على جسر السنك، دمر حوالي 40 شرطيا خيمتهم الطبية ومعداتهم والأدوية، ثم أحرقوها. قال إنهم أطلقوا أيضا قنابل الغاز المسيل للدموع على سيارة الإسعاف التي كان فيها.
راجعت هيومن رايتس ووتش فيديو لقوات الأمن وهي تحرق الخيمة. في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، قال عامل بوزارة الصحة إنه عاد إلى المنطقة مع ثلاثة مسعفين آخرين للحصول على الأدوية مخزنة في المستودعات عندما فتحت قوات الأمن النار عليهم دون إنذار. أكّد الرجل خلو المنطقة من المتظاهرين وقت الهجوم.
قال مُسعِفان خارج بغداد إنهما تعرضا للتهديد بسبب إسعافهما للمتظاهرين. قال أحدهما، وهو طبيب في كربلاء تبرّع بالطعام والمال للمتظاهرين ووفر لهم العلاج في الشوارع، إن ممثلا حكوميا أخبره في 5 نوفمبر/تشرين الثاني: “ستُقتَل إن لم تتوقف عن أنشطتك. التحذير التالي سيكون رصاصة في رأسك”.
قال الثاني، وهو مسعِف من البصرة مسؤول عن فريق من ثمانية مسعفين وأربع سيارات إسعاف في ميدان البحرية، إنه في 6 نوفمبر/تشرين الثاني كان فريقه قد عالج 25 متظاهرا على الأقل مصابين بطلقات نارية
عندما، حوالي 10:15 ليلا، تراجعت جميع قوات الأمن في الساحة فجأة. بدأ المتظاهرون الألف بعزف الموسيقى والرقص وإطلاق الألعاب النارية. لكن الطبيب قال إن مجموعة من 40 فردا من قيادة عمليات البصرة بقوات وزارة الداخلية خرجت الساعة 11 مساء من داخل مقر مجلس المحافظة وفتحت النار على الحشود.
قال المسعف: “جاء أربعة منهم إلى سيارة الإسعاف التي كنت فيها، بدأ اثنان بضربي بالعصي الخشبية، وقالا لي إنه عليّ أنا وفريقي مغادرة الميدان فورا. سألا لماذا نُسعف المتظاهرين فوضحت لهما أننا محايدون، وأننا نسعف الجميع، حتى قوات الأمن. شتمانا وأجبرانا على المغادرة، لكن إحدى سيارات الإسعاف لدينا توقفت فحطّما زجاجها ومرآتيها الجانبيتين لأننا لم نحركها”.
قال إن قوات الأمن فتحت النار بعد ذلك على خيمة طبية مؤقتة يديرها متطوعون في وزارة الصحة، وأعادوهم راكضين: “أصيب مسعف تواجد في الخيمة حينها في ظهره، ورأيته ينزف. توسلت إليهم أن يسمحوا لي بأخذه مع متظاهر جريح رأيته مضرجا بدمائه على الأرض إلى المستشفى، لكنهم لم يفعلوا. انتظرت حتى الساعة 2 صباحا متوسلا إليهم للسماح لي بالحصول على المساعدة”. قال إنه غادر أخيرا عندما هدده عنصر بالقبض عليه ولم يعرف ما حل بالجرحى.
قال طبيب في الناصرية لـ هيومن رايتس ووتش إنه في 10 نوفمبر/تشرين الثاني، تجمع حوالي 600 متظاهر بالقرب من بوابة مستشفى الحبوبي التعليمي ظهرا. تصاعدت المصادمات بين شرطة مكافحة الشغب، الذين كانوا يرشقون الحجارة ويطلقون قنابل الغاز المسيل للدموع على الحشود، والمتظاهرين الذين يرشقونهم بالحجارة.
قال: “كنا 15 مسعفا نقف بعيدا عن المتظاهرين عندما سقطت إحدى قنابل الغاز المسيل للدموع بجانبنا، وضع مسعف بطانية على القنبلة لإيقاف الغاز”. أضاف أن الشرطة دفعت المتظاهرين باتجاه المسعفين، الذين دخلوا المستشفى. تبع 100 شرطي المسعفين إلى الداخل حيث أطلق أحد القادة ثلاث رصاصات إلى السقف فوق المسعفين واتهمهم بدعم المتظاهرين. أطلقت الشرطة خلال المصادمات ثلاثة قنابل للغاز المسيل للدموع سقطت داخل المستشفى، حسبما قال، ما هشّم النوافذ وتسبب بمشاكل في التنفس لمريضتين.
تمنع “المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين” قوات الأمن الحكومية من استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، وتدعوهم إلى ضمان توفير المساعدة الطبية في أقرب وقت ممكن لأي شخص يصيبه موظفو إنفاذ القانون.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للحكومة العراقية ضمان إجراء تحقيق مستقل في كل حالة وفاة على أيدي قوات الأمن، بمساعدة خبراء دوليين إذا لزم الأمر. ينبغي للسلطات أيضا التحقيق في مزاعم تدخل قوات الأمن في الخدمات الطبية وضمان حصول أي مصاب على رعاية فورية دون عوائق. يجب تأديب أو محاكمة أفراد قوات الأمن المسؤولين عن استخدام القوة القاتلة غير الضرورية أو المفرطة، بما في ذلك القادة، عند الحاجة.
ينبغي للدول التي تقدم التدريبات والدعم إلى الجيش وقوات الأمن العراقية أن تنهي مساعدتها للوحدات المتورطة في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ما لم تُحاسِب السلطات المعتدين على هذه الانتهاكات وتخفف من حدتها.
قالت ويتسن: “يجب ألا يخاف العاملون في المجال الطبي على حياتهم لمشاركتهم في أعمال بطولية في بيئات خطيرة”.