نشر موقع “العراق اليوم” القصة التالية:
هذه قصة عجيبة من قصص الدولة العميقة، أو دولة العلاقات القرائيبة التي ترتب المسؤوليات والمواقع حسب الولاء الحزبي او القرابي أو المنافع المتبادلة، انها قصة من قصص بناء امبراطوريات سلطوية، لم تنتج للأسف شكل الدولة المحترمة التي تضع الشخص المناسب في المكان المناسب، بل نلحظ أننا ازاء استفحال ظاهرة المحسوبيات التي أدت الى دمار حقيقي في مؤسسات الدولة، فاليوم نستكمل ما يجري في مؤسسة مهمة من مؤسسات الدولة، وواحدة من أهم المفاصل التي جرى للأسف إدارتها بشكل عشوائي، بعيداً عن التخطيط والبناء الاستراتيجي الذي من شأنه أن ينتج نهضة عمرانية شاملة، لو جرى وضع المختصين في إماكنهم الطبيعية، لكن المنصب وقع للأسف ضحيةً للصلات القرابية والعلاقات الشخصية كما أسلفنا، أو في أفضل الأحوال حسب الولاء الحزبي، أو المنفعي. أنه ملف وزارة النقل العراقي، الذي كان قد دمره من قبل المخبول كاظم فنجان الحمامي، ثم جاء الوزير الجديد الفاسد عبد الله لعيبي ليجهز على ما تبقى من بقاياه. ان هذه الوزارة التي تعادل بقيمتها وقدراتها وزارة النفط لو استثمرت مواردها الهائلة في تعزيز موارد الدولة غير النفطية، هي اليوم للأسف بيد ” الزعاطيط” والفاسدين امثال حسام وسماهر وزيد وكريم المالكي وهلم جرا، يتحكمون بها، ويتلاعبون بمقدراتها، يساعدهم في دلك وزير فاسد حد النخاع، فهذه الوزارة تعاني بشهادة تقارير الجهات الرقابية كمجلس النواب وهيئة النزاهة، والرقابة المالية تعاني من مشاكل بنيوية بل واخلاقية تعيقها في إستكمال مشروعها الاستراتيجي. و”العراق اليوم” الذي بضع يده على اكثر من مائة وخمسين وثيقة دامغة، سيفتح عبر عشر حلقات متتالية، ملف وزارة النقل، المثقل باطنان المفاسد والجرائم المالية والوظيفية ولن يتوقف عن نشر الغسيل الوسخ لأركان الفساد في هذه البؤرة حتى يكشف كل المخفى، والمغطى، والغاطس من خفايا هذه الوزارة. علماً بأن هناك تداخلاً وتشابكاً عجيباً في الفساد بين وزارة النقل وإدارة شركة سومو وشركة تاج البحر وان هذا التشابك يسبب خسائر مالية تقدر بملايين الدولارات تمضي الى جيوب المسؤولين في هذه الدوائر والشركات الفاسدة، وسنفضحهم جميعاً بالاسماء والوثائق!
كيف وصل لعيبي الى سدة الوزارة ؟
في هذا المفصل، سنورد على لسان مصادر مطلعة وقريبة من مصدر القرار السياسي في البلاد، كيف اسندت الوزارة بدورتها الحالية الى المهندس عبد الله لعيبي الذي بدأ مشواره الوظيفي مهندساً في أمانة بغداد مسؤولاً عن صيانة البنى التحتية الصغيرة، والمهمات الفنية البسيطة كترميم بعض التخسفات، ومعالجة المنهولات والأرصفة المثلومة وغير ذلك من الواجبات اليومية، وواصل عمله في الامانة الى أن تم نقله الى وزارة النقل، بوساطة من شقيقه كريم لعيبي الذي كان يشغل منصب وزير النفط في وزارة المالكي الثانية، وقد تمكن عبد الله من الحصول على منصب مدير عام نقل المسافرين في وزارة النقل رغم ان الموقع اختصاصي مهم، لكنه شغل المنصب، وأستمر فيه لغاية استيزاره عن تحالف الفتح بدعم من رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وواسطة من النائب ياسر صخيل وكريم لعيبي اللذين رتبا له تدرجاً وظيفياً سريعاً لم يحدث مع غيره من قبل مطلقاً، إذ شغل منصب مدير عام الشركة العراقية للملاحة لمدة أربع ساعات فقط، ثم أصبح وكيلاً فنياً للوزارة لأيام معدودة، وقد جرى كل ذلك بشكل سريع من أجل تأهيله لشغل منصب الوزير لاحقاً، ومن الجدير بالذكر أن الأمر قد تم مقابل صفقة جرت، كان أحد إطرافها النائب ياسر صخيل، حيث سيتضح كل ذلك لاحقاً بحسب مصادرنا الموثوقة. وتفيد المعلومات المتوفرة لدينا أن ” الوزير عبد الله لعيبي واجه مشكلة كبيرة منذ توليه هذا المنصب، وهي وجود ملفات تدينه في هيئة النزاهة كان قد كشفها المفتش العام اللاحق في الوزارة القاضي بشار عقراوي، وأيضاً المفتش اللاسبق قيصر أحمد، وقد احيلت هذه الملفات للنزاهة ابان شغل لعيبي لمنصب مدير عام نقل المسافرين، وهذا الأمر كان ولم يزل يهدد الوزير لعيبي بالإطاحة في مجلس النواب على الأقل عبر استجواب منتظر، سيكون مفاجئاً من حيث الاسئلة وكم المخالفات والخروقات كما يقول النائب محمود الملا طلال”. وبحسب المصادر ايضاً، فأن اغلاق ملفات عبد الله لعيبي السابقة حين كان مديراً عاماً لشركة المسافرين، وضمان عدم فتح ملفات جديدة اثناء عمله وزيراً للنقل، وتنظيم صفقات، وعمليات تجارية جديدة، تتطلب اجراء ترتيبات إدارية معينة، من بينها الإتيان بفريق عمل كتوم ومخلص، ذي خبرة قانونية وفنية خاصة، قادر بمهارته وحذلقته على إغلاق الملفات الكبيرة التي لاتزال موجودة في مكتب المفتش العام في الوزارة، وطبعاً فإن ذلك لن يتم من غير استبدال سريع لمنصب المفتش العام مع مديري المكتب العام والخاص وبقية المواقع القريبة والمهمة في الوزارة، وسيكون مفيداً جداً الإتيان بأشخاص مقربين من الوزير، أو من عائلته، فكان لزوماً هنا الإستفادة من خبرة شقيقه وزير النفط الأسبق كريم لعيبي، والإستعانة بمن كان يعمل معه في تلك الوزارة، لشغل منصب المفتش العام أولاً، وتسوية الملفات الاخرى بشكل يضمن إغلاقها وعدم المساس بموقع الوزير”.
ولم يكن أمام عبد الله لعيبي الا أن يسمع نصيحة شقيقه كريم لعيبي، ويتحرك نحو موظفة تحمل شهادة الدكتوراه بالقانون لنقلها من ملاك وزارة النفط، وتعيينها مفتشاً عاماً لوزارة النقل، وهذه الموظفة تدعى سماهر محمد علي، كانت تعمل في مفاصل مهمة من وزارة النفط، ومحل ثقة وزير النفط الأسبق كريم لعيبي الذي كان يعتمد عليها كلياً في إدارة شؤون العمل ابان شغله منصب المفتش العام قبل استيزاره، حتى أنه أسند اليها منصب مدير التحقيقات في مكتب المفتش العام، وهو منصب أهم وأخطر من منصب المفتش العام نفسه. وللزيادة في تأكيد (العلاقة) بينهما، نورد هنا هذه المعلومة التي تفيد أن كريم لعيبي أوفد موظفته “سماهر ” الى لندن على نفقة الوزارة لأكثر من سنة لغرض إكمال دراستها العليا، وبالفعل فقد نالت شهادة الدكتوراة، لكنها أبعدت من مكتب المفتش العام بعد مغادرة لعيبي لكرسي الوزارة، وسبب إبعادها كما قيل وقتها، جاء (لعلاقتها) مع الوزير كريم لعيبي، ولتعمل بعدها في الدائرة الاقتصادية لوزارة النفط بدرجة رئيس قسم حين كان علاء الياسري مديراً للإقتصادية. وطبعاً فإن الشاطرة سماهر ربطت فيشتها بسرعة مع علاء الياسري، المعروف بنزقه ومراهقته وجوعه العاطفي، فكان الثمن إن أخذها معه الى شركة سومو حين اصبح مديراً عاماً لهذه الشركة العملاقة، ولتنال سماهر بفضل (صاحبها الجديد) علاء الياسري منصب معاون مدير عام شركة سومو برمتها، وبذا فأن هذه الموظفة ترقت خلال هذه الفترة، وستشغل مناصب مهمة وحساسة في وزارة النفط، وتكتسب خبرة واسعة ومتنوعة في الملف النفطي، لذا كان محقاً وزير النفط ثامر الغضبان حين رفض نقلها لوزارة النقل بمنصب مدير عام، فهو يرى ان وزارة النفط أحق بخبرتها القانونية والعلمية التي حصلت عليها بفضل دراستها على نفقة وزارته، وبفضل تدرجها وتمرسها الوظيفي في مفاصل النفط، والغضبان يرى ايضاً أن في نقلها أهداراً لثروات وزارته البشرية المؤهلة، لذا لجأ الوزير كريم لعيبي وشقيقه وزير النقل إلى تمريرها هذه المرة عبر ممارسة شكلية لتتحول الى مفتش عام لوزارة النقل بدلاً من نقلها بمنصب مدير عام، وهو أمر لن يقدر الغضبان على رفضه بإعتبار ان تعيينات المفتشين العامين هي من اختصاص هيئة النزاهة وليس لأحد في الوزارات سلطة عليها! وكي يتم اجتيازها لاختبار المفتشين في هيئة النزاهة، رتبن لها مقابلة شكلية مع كذبة مفادها ان رئيس الوزراء يدعم ترشيحها لمنصب المفتش العام، فمررت دون ان تقابل اللجنة المكلفة بهذا الشأن، بل أن ثمة وساطات فاعلة ومؤثرة استخدمت لتمريرها ولتصل لهذا المنصب.
مثلث الفساد والشر الأكبر
بحسب المصادر ذاتها، فأن مثلثاً خطيراً تشكل بعد تعيين سماهر مفتشاً عاماً في وزارة النقل يضمها مع مدير عام شركة سومو علاء الياسري، ومدير الشحن في سومو محمد سعدون من جهة، حيث يرتبطون بعلاقة تحيطها شبهات فساد ورشى مع شركة تاج البحر (سي كروان) المتعاقدة مع سومو، مع الركن الثالث في مثلث الفساد، ونقصد به شركة النقل البحري – التابعة لوزارة النقل -لذا عمل اطراف هذا المثلث على محاربة شركة الناقلات بكل الوسائل القانونية وغير القانونية، وتقليص عقود وصلاحيات وامكانات هذه الشركة، رغم تبعيتها لوزارة النفط، وتهميشها يأتي لصالح شركة النقل البحري التابعة لوزارة النقل، والمرتبطة بعقود شراكة كاملة مع شركة تاج البحر (سي كروان).
كيف جرى اختيار الوزير ؟
إستكمالاً للحديث السابق، تكشف المصادر، أن ” تسمية عبد الله لعيبي لوزارة النقل جاء بوساطة من قبل شقيقه وزير النفط الأسبق كريم لعيبي مع رئيس تحالف البناء هادي العامري الذي تربطه مع لعيبي علاقة زمالة حينما شغل الرجلان منصب وزيرين في حكومة المالكي الثانية 2010-2014، وكذلك فأن لعيبي توسط لدى نوري المالكي الذي تربطه به علاقة عمل وقرابة عشائرية لغرض تمرير شقيقه في هذا المنصب، وبالفعل جرى الاتفاق على وزارة النقل وتم تمريره كما أوضحنا، وهذا مر بعملية تأهيل سريعة، حيث استحدثت شركة عامة للملاحة شغلها لعيبي، ومن ثم شغل منصب وكالة الوزارة للشؤون الفنية، وجرى تمريره للوزارة أيضاً بشروط أخرى من قبل النائب ياسر صخيل الذي يرأس منصب رئاسة حركة البشائر التابعة لدولة القانون، ومن بينها اشتراط النائب صخيل تعيين مدير مكتبه زيد الأسدي، بمنصب مدير مكتب وزير النقل، ومن ثم يتم تمريره لاحقاً للعمل كوكيل لوزارة النقل”…
يتبع في الحلقة القادمة موضوع زيد الاسدي، وأدوار حسام وسماهر وعلاء والكابتن سعد..فإنتظرونا.