(بيروت) –
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن حكومة إقليم كردستان تمنع حوالي 4,200 من العرب السنة من العودة إلى ديارهم في 12 قرية شرق الموصل. بعد أكثر من ثلاث سنوات من استعادة قضاء الحمدانية من تنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضا بـ “داعش”)، في إحدى المناطق سمحت سلطات حكومة إقليم كردستان فقط للسكان الأكراد والعرب الذين تربطهم علاقات بحكومة الإقليم بالعودة، في انتهاك للقانون الإنساني الدولي.
كانت العائلات العربية التي تسعى إلى العودة إلى ديارها قد هربت بالدرجة الأولى إلى الموصل الخاضعة لسيطرة داعش خلال القتال في 2014. يقيم حوالي 3,400 من العرب السنة في مخيمات النازحين التي تعاني من الخدمات المتناقصة، وفقا لعمال الإغاثة. قالت الأسر المتضررة إنها قد مُنعت من العودة إلى منازلها وأراضيها الزراعية وغير قادرة على كسب العيش. في رسالة إلكترونية إلى هيومن رايتس ووتش، كتب مسؤول في حكومة إقليم كردستان أن السكان أحرار في العودة إلى ديارهم، لكنه زوّد هيومن رايتس ووتش بقائمة من قرى نينوى التي كان من الصعب العودة إليها، وحدد ست قرى من الحمدانية على أنه “يُمنع” العودة إليها.
منزل مدمّر قرب قرية أش قلعة الصغير في الحمدانية، يوليو/تموز 2019. يظهر مخيّم حسن شامي في الخلفية
قالت لما فقيه مديرة قسم الشرق الأوسط بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: “تمنع حكومة إقليم كردستان آلاف القرويين العرب من العودة إلى ديارهم دون سبب قانوني. تسمح حكومة إقليم كردستان للأكراد والعرب المتنفذين بالعودة مما يشير إلى أن هؤلاء القرويين يعاقبون دون وجه حق”.
أجرت هيومن رايتس ووتش ثلاثة تحقيقات في منع حكومة إقليم كردستان العودة إلى قضاء الحمدانية منذ 2016، وآخرها في يونيو/حزيران 2019، عندما قابلنا 11 من السكان العرب في مخيم حسن شامي من قرى حسن شامي ومنكوبة وشيركان وتل أسود.
كتب منسق التواصل مع المنظمات الدولية في حكومة إقليم كردستان، د. دندار زيباري، في 10 أغسطس/آب، في رد على رسالة هيومن رايتس ووتش، إنه في القرى الـ 15 التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش، أظهر تعداد السكان أنه لم يكن هناك سوى عدد قليل من العائدين أو لا عائدين إلى ست من القرى وعدد قليل من العائدين إلى اثنتين منها. في أربع قرى، عاد حوالي نصف السكان. في ثلاث قرى فقط عاد جميع السكان أو جميعهم تقريبا. قال السكان الذين مُنعوا من العودة إن هذه القرى الثلاثة كانت إما ذات أغلبية كردية أو فيها سكان عرب لهم علاقات قوية بحكومة إقليم كردستان.
تطابقت معلومات زيباري مع تحليل صور الأقمار الصناعية من 2016 إلى 2019 التي بينت مظاهر إعادة الإعمار والحاجة إلى ترميم العديد من المباني في المنطقة.
شكك السكان العرب السنة وعمال الإغاثة في مزاعم بأن السلطات كانت مستعدة للتحقيق في حالات منع العودة. بعد أن استعادت القوات المناهضة لداعش الموصل في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وأنشأت حكومة إقليم كردستان نظاما للأمن والإدارة المدنية في المنطقة، سعى السكان السابقون إلى العودة إلى قضاء الحمدانية. مع ذلك، أعادت القوات العراقية توجيه النازحين إلى مخيم حسن شامي القريب. بعد شهر واحد من وجودهم في المخيم، أبلغتهم قوات الأمن التابعة لحكومة إقليم كردستان، “الأسايش”، دون توضيح، بأنه لا يُسمح لهم بالعودة إلى ديارهم. قالت العائلات وعمال الإغاثة إنه في أواخر 2017، كرر الأسايش التأكيد على عدم السماح لهم بالعودة إلى ديارهم، لكنهم سمحوا لهم بمغادرة المخيمات للانتقال إلى منطقة الموصل أو إلى أربيل التي تسيطر عليها حكومة إقليم كردستان، مما دفع بعض العائلات إلى مغادرة المخيمات.
قال قروي عربي (69 عاما) من منكوبة: “أصبحت أسر مثل أسرتي ضحية سوء المعاملة لأننا ذهبنا إلى الموصل عندما جاء داعش، بدلا من الفرار نحو الأكراد. نُعاقَب الآن لأننا لم نذهب إلى كلك [الخاضعة للسيطرة الكردية].”
قدم مسؤولو حكومة إقليم كردستان، من خلال تواصلهم مع السكان وعمال الإغاثة وهيومن رايتس ووتش، خمسة أسباب لمنع عمليات العودة إلى المنطقة: الخدمات غير الكافية، والذخائر غير المنفجرة، والألغام الأرضية غير المزالة (بما في ذلك اليديوة الصنع)، وتدمير الممتلكات؛ النزاعات الاجتماعية وقضايا الملكية وحيازة الأراضي، والمخاوف بشأن هجمات القرويين الذين انضموا إلى داعش وقضايا أمنية ناشئة عن استفتاء حكومة إقليم كردستان في سبتمبر/أيلول 2017 حول الاستقلال، مما يجعل المنطقة خط مواجهة إذا ما حصل قتال مستقبلي بين القوات الكردية والعراقية.
بموجب القانون الإنساني الدولي، يُحظر التهجير القسري للمدنيين إلا عند الضرورة لحماية المدنيين أو لأسباب عسكرية قاهرة، ثم لفترات فقط حسب الحاجة. الأعمال العدائية المحتملة في المستقبل ليست أساسا قانونيا. بموجب “نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية” يعتبر الأمر بالتشريد غير القانوني للمدنيين جريمة حرب. كما لا يجوز معاقبة الأشخاص إلا على الجرائم التي يتحملون مسؤوليتها، بعد محاكمة عادلة لتحديد الذنب الفردي. ينتهك فرض عقوبات جماعية على الأسر أو القرى أو المجتمعات القانون الإنساني الدولي ويرقى إلى جريمة الحرب.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الإجراءات المفروضة لأسباب أمنية يجب أن تكون وفقا للقانون وأن يكون لها هدف مشروع. كما وجدت هيومن رايتس ووتش أن مخيمات النزوح تقع أيضا فيما يسمى بمنطقة “خط المواجهة”، وأن حكومة إقليم كردستان سمحت لبعض السكان بالعودة إلى قرى معينة في المنطقة. فيما يتعلق بالألغام الأرضية، أجرت منظمات دولية معنية بإزالة الألغام نشاط مسح وتطهير كبير في المنطقة المجاورة منذ 2016، وإذا ظلت الألغام تشكل تهديدا حقيقيا، فلا ينبغي السماح لأي قروي بالعودة.
يُظهر تحليل صور الأقمار الصناعية أنه منذ 2016، قامت القوات العسكرية لحكومة إقليم كردستان، البشمركة، بنشر وبناء بنية تحتية عسكرية كبيرة في أربع من القرى، لم يعد عدد كبير من السكان إلى أي منها. قالت هيومن رايتس ووتش إن على حكومة إقليم كردستان إزالة جميع القيود التي تمنع عودة السكان فورا في حالة عدم وجود ضرورة عسكرية للقيام بذلك والتحقيق مع المسؤولين الحكوميين الذين كانوا يمنعون عمليات العودة القانونية.
قالت فقيه: “ينبغي ألا تمنع سلطات حكومة إقليم كردستان العائلات من العودة إلى قراها لأنها تريد معاقبة المجتمع. لهؤلاء القرويين الحق في العودة إلى أراضيهم ومنازلهم”.
الفرار وأثر النزوح
في أغسطس/آب 2014، سيطرت قوات داعش، بعد الاستيلاء على مدينة الموصل، على حسن شامي والمناطق المحيطة بها، والتي كانت تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان منذ 2003. قال السكان إنهم فروا من قراهم بمجرد اندلاع القتال بين داعش والبشمركة. قالوا إن معظم الأسر العربية هربت باتجاه الموصل، لأن داعش أخبرهم أن المدينة أكثر أمانا. إلا أن جميع العائلات الكردية تقريبا فرت باتجاه أربيل، حيث لجأت إلى كلك وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها حكومة إقليم كردستان.
قال رجل (50 عاما) من قرية شيركان إن العائلات الكردية المحلية فرت إلى المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة إقليم كردستان بينما هربت معظم الأسر العربية إلى الموصل. قال: “سمعت في 2017 من أمن المخيم أن البشمركة سمحت للعائلات الكردية الـ 20 من قريتنا بالعودة إلى ديارها”. تحققت هيومن رايتس ووتش من عودة القرويين الأكراد إلى شيركان خلال زيارة في يوليو/تموز. قال إن مسؤولي المخيم أخبروه أنه غير مسموح له بالعودة إلى دياره، دون تزويده بسبب واضح لذلك.
قال رجل (63 عاما) من احصار إن جيرانه العرب فقط الذين تربطهم صلات شخصية بالبشمركة قالوا إنه سُمح لهم بالعودة إلى قريته. عاد ثمانية أشخاص فقط من أصل السكان الأصليين البالغ عددهم 60 إلى احصار، وفقا لتعداد السكان الرسمي لحكومة إقليم كردستان.
هناك ثلاثة مخيمات في منطقتي حسن شامي والخازر فيها حوالي 3,400 نازح من 11 قرية محيطة، وفقا لإدارة المخيمات. قال عمال الإغاثة إن 800 شخص آخرين، بعضهم من قرية أخرى، كانوا يعيشون خارج المخيم في مكان آخر. بعض القرى عربية تاريخيا والبعض الآخر فيها عرب وأكراد. تُدار المخيمات من قبل منظمة غير حكومية مرتبطة بـ”الحزب الديمقراطي الكردستاني”، أحد الأحزاب الحاكمة في حكومة إقليم كردستان، بينما يتولى الأسايش إدارة أمن المخيم. قالت الإدارة في جميع المخيمات الثلاثة إن نقص التمويل خلال العامين الماضيين أدى إلى تعليق وتقليص الخدمات التي تقدمها وكالات الإغاثة إلى سكان المخيم.
قالت معظم العائلات التي قابلناها إن الزراعة كانت مصدر دخلها الرئيسي قبل فرارها من منازلها. قال الجميع إنه منذ 2014 لم يتمكنوا من زراعة أراضيهم، حتى بعد استعادة حكومة إقليم كردستان السيطرة وتوقف القتال. قالت جميع الأسر تقريبا إنها لم تتمكن من العثور على أي عمل مدفوع الأجر منذ الانتقال إلى مخيم النزوح.
قال أحد سكان المخيم السابقين (36 عاما) إنه انتقل إلى الموصل وكان يعيش مع أسرته في مبنى مهجور ويعمل كسائق سيارة أجرة. في قريته كان يكسب حوالي 16 دولارا أمريكيا في اليوم، ولكنه الآن يكسب أقل من 8 دولارات. ابنته (14 عاما) لا تذهب إلى المدرسة لأنه لا يستطيع تحمل تكلفة الحقيبة والكتب والملابس المناسبة لها.
قال عامل (45 عاما) من حسن شامي لم يُسمح له بالعودة، أنه يمكنه رؤية منزله المدمر من خيمته في مخيم النازحين: “أريد العودة إلى قريتي لأننا هنا في المخيم ليس لدينا مستقبل. كم سنبقى هنا؟ لا عمل، تعليم سيء، لا رعاية صحية مناسبة، نحن بلا أمل”.
حدد الاختصاصيون في مجال الصحة الذين يقدمون الدعم النفسي والنفسي الاجتماعي في المخيمات أن الأسر أظهرت علامات على زيادة التوتر النفسي والإحباط بسبب منعها من العودة إلى ديارها، وهي نتائج تتفق مع تقرير نُشر مؤخرا عن الأسر النازحة في العراق.
المطالبة بعودة القرويين
قال العديد من عمال الإغاثة في المخيمات لـ هيومن رايتس ووتش إن كبار مسؤولي الإغاثة كانوا يطالبون كبار المسؤولين في حكومة إقليم كردستان، ورؤساء البلديات، وحاكم نينوى، ووحدة البشمركة المحلية وأعضاء مجلس النواب في بغداد منذ 2018 بعودة 4,200 شخص. في يونيو/حزيران 2018، اتفق رئيس الوزراء آنذاك نيجيرفان بارزاني مع وكالات الإغاثة على أنه ينبغي السماح لجميع الأسر العربية بالعودة وأمر وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان بمتابعة الأمر، على حد قول اثنين من عمال الإغاثة الحاضرين. أبلغ “مركز تنسيق الأزمات المشترك” في أربيل، الذي أنشئ ضمن وزارة الداخلية لحكومة إقليم كردستان في 2014 “لتنسيق جميع المسائل المتعلقة بإدارة الأزمات في إقليم كردستان والاستجابة لها “، الشركاء في المجال الإنساني في سبتمبر/أيلول 2018 بأن وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان وسلطات بغداد قد وافقت على السماح العائلات للعودة. مع ذلك، في أكتوبر/تشرين الأول، قال أحد قادة البشمركة رفيعي المستوى لمسؤولي الإغاثة البارزين إن العودة لن تُسمح إلا إذا كان هناك اتفاق سياسي بين حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية “لضمان عدم وجود أعمال قتالية في المنطقة”، بحسب عمال الإغاثة.
قالت العائلات التي طلبت الإذن بالعودة من حكومة إقليم كردستان ومسؤولي بغداد إن المسؤولين أخبروهم أن القرار “ليس بأيديهم” بل بيد البشمركة.
تلوّث المنطقة بالألغام
في اجتماع عُقد في يوليو/تموز 2018 مع كبار مسؤولي الإغاثة، أثار قائد رفيع المستوى في البشمركة مخاوف من تلوّث قرى قضاء الحمدانية بالألغام الأرضية (بما فيه اليدوية الصنع) والذخائر غير المنفجرة، وفقا للعديد من عمال الإغاثة. كما أشارت رسالة زيباري إلى هيومن رايتس ووتش إلى وجود ذخائر غير منفجرة وألغام أرضية. مع ذلك، لا يبدو أن هذه المخاوف هي السبب في منع سلطات حكومة إقليم كردستان للعائلات من العودة إلى قراها.
زودت ثلاث منظمات لإزالة الألغام هيومن رايتس ووتش بخرائط توضح أنشطة التطهير في المنطقة، مما يدل على أن نشاط إزالة كبير حصل في القرى وحولها منذ 2016. كما لاحظت هيومن رايتس ووتش وعمال الإغاثة رعاة يرعون أغنامهم في أنحاء المنطقة، بما في ذلك في قرى مهجورة، والبشمركة يتجولون في القرى. سمحت سلطات حكومة إقليم كردستان لبعض السكان بالعودة إلى قرى معينة، لذلك من غير الواضح لماذا ستكون العودة آمنة للبعض ولكن ليس للآخرين.
إذا استمرت المخاوف المتعلقة بالألغام الأرضية أو المتفجرات من مخلفات الحرب في بعض القرى التي يُمنع العودة إليها، ينبغي لسلطات حكومة إقليم كردستان توجيه منظمات إزالة الألغام لتوفير توعية إضافية بمخاطر الألغام في المخيمات للعائلات. يجب عليهم التأكد، بالتعاون مع “مديرية نزع الألغام” في الحكومة العراقية التي تشرف على العمل في مناطق العودة، من قيام منظمات إزالة الألغام بمسح المناطق ذات الأولوية العالية وتطهيرها، مثل الطرق الرئيسية والأماكن العامة، ووضع علامات على المناطق الأخرى الملوّثة بالألغام. كما ينبغي لحكومة الإقليم توجيه قوات الأمن لمرافقة سكان المخيمات في زيارات “المعاينة”، ومساعدتهم في تجنب أي ذخائر غير منفجرة أو ألغام أرضية محتملة.