شهران فقط فصلا بين إعلان رئيس الوزراء عن عزم العراق توجيه دعوة لوزراء نقل دول الجوار لعقد مؤتمر في بغداد لمناقشة طريق التنمية وبين عقد الاجتماع الموعود.
فقد جاء الإعلان من أنقرة عن “مشروع النهضة الجديد” وعن المؤتمر الإقليمي لمناقشته في الحادي والعشرين من مارس آذار الماضي ثم جاء الاجتماع الذي رأسه السوداني في السابع والعشرين من مايو أيار الماضي ليؤكد على اهتمام رئيس الوزراء العراقي بسرعة إتمام هذا المشروع العملاق الذي سيربط بين اسيا وأوروبا.
وتلك الدائرة المستديرة التي جمعت رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وفود من السعودية وتركيا وسوريا والأردن والكويت وقطر والامارات وايران دلت على عزم العراق أن يكون اجتماع طريق التنمية نواة لتشكيل كتلة اقتصادية إقليمية تسير بالدول المشاركة على درب مشترك نحو تنمية مستدامة.
-“بهذا المشروع الواعد، سينطلقُ العراق نحو شراكة اقتصادية معكم، تجعل بلداننا مصدّرة للصناعات الحديثة والبضائع، وسنعتمد في كلِّ هذا على الممرّات متعددة الوسائط، وأكثر من (1200) كم من السكك الحديدية، وتشغيلها البيني المشترك، والطرق السريعة، حيث ستيسّر سكك الحديد والطرق السريعة عملية نقل البضائع، والوظائف التي ستخلقها هذه المشاريع ستكون بصمةً إيجابيةً تنقل شعوب المنطقة إلى مرحلة من التكامل والاستقرار ومواجهة للتحدّيات”.
السوداني / رئيس الوزراء العراقي
هذا الاجتماع لم يكن لير النور ولا حتى يمكن التفكير به لولا حرص السوداني على تخطي عقبة الخلافات السياسة والتركيز على التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة.
فمشروع بهذا الحجم يلزمه انخراط الجميع في كل مراحله بدءا بالتخطيط مرورا بالتمويل وانتهاء بالتنفيذ وتقاسم المنفعة الاقتصادية بدلا من الخلافات السياسية التي أثبتت التجربة انها لن تعود بالنفع على أي من شعوب هذه المنطقة.
مشروعٌ عملاق
وهذا الطريق الذي سيتكلف ١٧ مليار دولار لبناء شبكة سكك حديدية سريعة تبدا من محافظة البصرة في اقصى جنوب العراق مرورا بعشر محافظات وحتى تركيا بطول ١٢٠٠ كيلومتر بالإضافة إلى طريق بري مواز سيحول العراق إلى مركز رئيسي عالمي للتجارة.
ومن المتوقع أن يوفر المشروع ١٠٠ الف فرصة عمل وان تصل أرباحه السنوية الى نحو ٤ مليارات دولار سنويا نظرا لان زمن الرحلة البحرية سينخفض من خلاله إلى ١٥ ساعة بدلا من ٣٣ ساعة.
نحو اقتصاد غير نفطي
ويسعى العراق الى إنجاح هذا الشريان الاقتصادي بكل السبل لعدة أسباب أولها تقليل اعتماده الكبير على عائدات النفط كمصدر للدخل وكذلك إقامة مشاريع استثمارية ومدن صناعية ذكية على طول الطريق فضلا عن تنشيط التجارة الداخلية في العراق وزيادة فرص العمل وتطوير قطاع النقل المتهالك والنهوض بالزراعة والسياحة.
ولن يكون العراق وحده المستفيد من هذا المشروع اذ أن الدول المشاركة في التمويل ستشارك أيضا في جني الأرباح فضلا عن استفادتها من استثمار الطريق في تجارتها وخصوصا في مجال نقل الغاز الى أوروبا التي باتت تبحث عن أقصر الطرق للحصول على الطاقة عوضًا عن روسيا.
ومن هذا المنطلق يحرص العراق على أن تستثمر الدول التي حضرت المؤتمر في انجاز هذا الطريق لأنه سيعود بالفائدة عليها جميعا وسيسهم في تثبيت الحوارات السياسية البناءة التي أدت لعودة العلاقات الدبلوماسية بين ايران والسعودية ولعودة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية بما يعود بالنفع الاقتصادي على شعوب المنطقة.
وليس ادل على قناعة دول الخليج وعلى رأسها السعودية برؤية العراق الاقتصادية في هذا المشروع وغيره من حوار دار بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سالمان وبين السوداني قال فيه ولي العهد للسوداني “أنا ووزرائي مستشارين عندك، ومستعد للإستثمار في العراق من المليار إلى الـ100 مليار دولار”
حيوية اقتصادية
وهذه الرؤية الاقتصادية الشاملة للسوداني هي التي دفعت باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط لأن تقول أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ قبل يومين إن الحيوية الاقتصادية العراق باتت “جلية حقا للمرة الأولى” وهي نفس المسؤولة التي قالت قبل شهر من تولي حكومة السوداني مسؤليتها ان العراق على “شفا الانهيار” ويفصل بين التصريحين تسعة أشهر هيا تقريبا عمر حكومة محمد شياع السوداني.
فمنذ أن تولى منصبه يدفع السوداني باتجاه التقارب بين العراق وبين محيطه الإقليمي والعربي من جهة وبين الحوار بين دول المنطقة وعلى رأسها السعودية وإيران من اجل تحقيق هدف الاستقرار وها هو يطرح هذا المشروع على طاولة تجمع السعوديين بالإيرانيين والأتراك وكأنه يقول “دعونا نسير على هذا الطريق سويا للأمام نحو التنمية”.