وزير الموارد المائية: سدود العراق آمنة ولا مخاطر من انهيارها بسبب تداعيات زلزال تركيا

أكد وزير الموارد المائية العراقي عون ذياب، في مقابلة مع “العربي الجديد” أن سدود المياه بمأمن من تداعيات الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية وأنه لا مخاطر من انهيارات تمهد لكوارث وفيضانات، مشيرا في الوقت نفسه إلى إجراءات للحد من شح المياه.

وإلى نص المقابلة:

ـ هناك قلق من تداعيات الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية على سدود المياه، فما تعليقكم على وضع السدود؟

الهزات الارتدادية التي تعرض لها العراق على خلفية الزلزال الأخير في تركيا كانت بمستويات متوسطة وأقل من 5 درجات على مقياس ريختر وسدودنا مصممة لتحمل مستويات زلزالية أعلى بكثير، وعموماً فإن تصميم السدود في دول المنطقة والعالم يجري وفق مُعادل أمان عالٍ جداً لأن انهيار السد يخلف آثاراً كارثية وهذا يستدعي تنفيذها بأعلى المعايير ومستويات الأمان ويُفسر كذلك كلف إنشاء السدود العالية.

تواصلنا مع نظرائنا في تركيا وأبلغونا أنه لم تحصل مخاطر على السدود الرئيسية المؤثرة، وخاصة سدي أتاتورك على نهر الفرات وأليسو على نهر دجلة، وكذلك كانت لدينا اتصالات مع الجانب السوري (نظام بشار الأسد) وطمأنونا بأن وضع السدود لديهم في المناطق التي تعرضت للزلزال ومن بينها سد الطبقة آمن ولم تحدث أي أضرار تستدعي القلق.

كذلك بودنا أن نوضح أنه لا صحة لما جرى تناوله على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام بأن تركيا سمحت بتدفق كميات مياه كبيرة من سدودها نحو العراق بسبب مخاطر انهيارها.

ـ وما آخر المستجدات بشأن الحوار مع دول المنبع (تركيا وإيران) حول حصص العراق من المياه؟

نتواصل بشكل مستمر مع البلدين للوصول إلى حلول واتفاقات مُحددة بشأن هذه الحصص، ولدينا بروتوكول ذو نصوص جيدة مع الجارة تركيا، وطلبنا بعد تولينا مسؤولية الوزارة عقد لقاء ثنائي على المستوى الوزاري وكانت هناك استجابة لعقد لقاء بداية فبراير/ شباط الجاري لكن حدثت تطورات سياسية ومن بينها ملف الانتخابات هناك أخرت موعده، ومن ثم جاءت كارثة الزلزال لتجعل عقد أي مباحثات في الوقت الحالي أمراً غير مناسب، وننتظر تحديد موعد جديد في وقت لاحق، فاللقاءات الفنية على المستوى الوزاري من الممكن أن تمهد لتفاهمات تخدم الطرفين.

وملف المياه حالياً يحظى بأولوية لدى الحكومة وهنالك إسناد من رئاستي الجمهورية والنواب وعلى المستوى السياسي لدعم جهود الحكومة في التوصل إلى تفاهمات مرضية مع دول المنبع تخدم العراق.

أما في ما يتعلق بإيران، فإنها تؤثر على تدفق مياه روافد الجانب الشرقي للعراق كنهر الزاب الأسفل وسيروان وعدة أنهار وتفرعات أخرى، وهناك إجراءات اتخذت في تحويل مجرى بعض الروافد والأنهار في مدن إيرانية لها حدود مع العراق وأثرت بشكل حاد إذ تسبب ذلك بموجة جفاف في محافظة ديالى (شمال شرق بغداد) على وجه الخصوص.

للأسف وعلى مدار أكثر من سنتين لم تحدث أي لقاءات مع نظرائنا الإيرانيين، ومؤخرا وصلتنا دعوة لحضور مؤتمر (المياه الحضري) في طهران يومي 23 و24 فبراير/شباط الجاري وسنلتقي مع وزير الطاقة المسؤول عن إدارة المياه وسيجري الحديث عن الموضوع للوصول إلى صيغة تعاون تصب في مصلحة البلدين وسنقترح إنشاء سدود مشتركة بين البلدين على الحدود تستغل المياه الموجودة أو الذهاب نحو توسيع الطاقة الخزنية للسدود الحالية.

وإلى ماذا وصلت المفاوضات مع إيران بشأن ترسيم حدود شط العرب في البصرة؟

موضوع شط العرب مرتبط باتفاقية الجزائر لعام 1975 التي وقعها صدام حسين حينما كان نائباً للرئيس العراقي مع شاه إيران محمد رضا بهلوي آنذاك، وهذه الاتفاقية جرى تثبيتها في البروتوكول الملحق بخصوص ملف المياه والأنهار، وإيران تُصر على أن الاتفاقية يجب أن تكون المرجعية لأي مفاوضات تشمل ملف المياه وموضوع شط العرب.

بالنسبة لنا في العراق هناك للأسف اختلاف في وجهات النظر بشأن الاتفاقية، إذ أن هناك جهات تؤيد الاستمرار في تطبيق ما ورد فيها واخرى رأيها متذبذب وأخرى رافضة وهذا يضعف موقف الحكومة التفاوضي صراحةً ويؤخر المضي في مفاوضات تثبيت الحدود النهرية ومن بينها شط العرب وهذا الشيء ليس من صالح العراق لأن هناك زحفا في منطقة الفوهة حيث مصب الشط ويجب أن نوقفه بالعودة لما ورد في اتفاقية 1975 وكذلك التوصل لصيغة تسمح بإجراء تعديلات عليها لضمان حقوق البلدين والبروتوكول المُلحق فيه نصوص من مصلحتنا ويجب أن تستثمر لتحقيق تقاسم عادل.

ـ ما الذي أنجزتموه من أعمال في الأيام المائة الأولى من توليكم المسؤولية؟

تسلمنا المسؤولية ونحن نمر بمشكلة شح مياه، والخزين كان محدوداً جداً في بداية الموسم الزراعي الشتوي وكانت الخطة الزراعية تتضمن ري 1.5 مليون دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع) ثم حدثت وفرة في الأمطار بعد 3 أعوام من الشح مكنتنا من تحقيق زيادة على مستوى العراق ككل، بمساحة الخطة ارتفعت إلى 2.5 مليون دونم.

واستثمرنا مياه الأمطار في إنعاش الأهوار وإعادة الحياة فيها وإيقاف هجرة أهاليها الذين يعتمدون في أرزاقهم ومعيشتهم على صيد الأسماك ورعاية الجاموس والأبقار والاستفادة من حليبها وكذلك لحومها، لأن الجفاف أضر بهذه الحياة وتسبب بنفوق الكثير من الحيوانات والأسماك.

كذلك ولمعالجة آثار الشحة السابقة، توجهنا للاستعانة بالمياه الجوفية أي مياه الآبار واستهدفنا 4 ملايين دونم، وهذه بالإمكان القول إنها أبرز الأعمال المُنجزة.

ـ وما الذي نفذته الوزارة من أعمال لتقليل آثار أزمة الجفاف؟

التغير المناخي أثر كثيراً على العراق المصنف كخامس أكثر دول العالم تأثراً، ونعمل في اتجاهين لمواجهة أزمة الجفاف: الأول التخفيف والثاني التكيف. وفي المجال الأول فإن السبب الرئيسي الثالث للجفاف بعد شح الأمطار وقلة التدفقات المائية هو انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون عبر حرق الغاز المصاحب في الحقول النفطية، وما يتسبب به من احتباس حراري ومجلس الوزراء أصدر قراراً في الآونة الأخيرة لإطلاق جولة تراخيص لاستثمار الغاز ونعتقد أن مشاريعها ستقلل الكثير من الانبعاثات.

أما في مجال التكيف، فقد عملنا على تطوير مشاريع الري وتغيير نظم السقي، وتبطين الأنهر لتقليل هدر المياه والضائعات المائية وكذلك تغليف مجراها واعتماد ما يُعرف بالأنابيب المُغلقة.

ـ هل تطوير نظم الري وتبطين المجاري المائية يحصل لتفادي انتقادات دول المنبع التي تتهم العراق باعتماد أساليب قديمة في الري تزيد من الهدر؟

هذه كلمة حق يُراد بها باطل، وهناك من يزيد عليها بالقول إن هناك سوء إدارة، لكن ثمة أسباب وتراكمات خارج إرادة المُخطط والمنفذ هي التي أخّرت العراق في مجال تقنيات الري وتقليل الهدر، والبلد كان سباقاً في المنطقة باستخدام طرق الري الحديثة بالتنقيط أو الرش وإدارة المياه منذ سبعينيات القرى الماضي، وكان الأول في هذا المجال على مستوى المنطقة لكن بعدها حدثت حروب وتطورات سياسية دمرت الكثير من البنى التحتية وعطلت المشاريع الجديدة. حالياً لدينا خطط وخارطة طريق لاستثمار المياه بالطرق المثلى تتضمن مشاريع (أواسط دجلة) و(شرق الغرّاف) ومشاريع أخرى لترشيد استهلاك المياه وسنعتمد شركات رصينة لتنفيذها، والبرنامج الوزاري للحكومة الجديدة داعم بشكل أساسي لملف المياه ونحن ملزمون بتنفيذ ما ورد فيه.

ـ ما حجم الطاقة التخزينية للسدود العراقية والمشاريع الجديدة ولماذا أوقفتم العمل في سد مكحول؟

لدينا طاقة تخزينية كبيرة في سدودنا، مثلاً في سد الموصل لدينا القدرة على استيعاب 7 مليارات متر مكعب، وفي بحيرة الثرثار نستوعب 39 ملياراً وفي الحبانية وحديثة وسد دوكان نستوعب كذلك عشرات المليارات من الأمتار المكعبة.

وصراحة التوجه الحالي هو عدم الذهاب نحو إنشاء مشاريع سدود كبيرة بسبب كلفها الضخمة ووجوب أن يكون هناك انتشار للسدود وعدم تركيز وجودها في مناطق محدودة، وبالمقابل هناك توسع في إنشاء سدود توليد الطاقة وخزن المياه.

أما في ما يتعلق بسد مكحول، فقد أوقفنا العمل بهِ لوجود مشاكل تحت أسس السد وأيضا توجد في مكانه صخور كبريتية من الممكن أن تذوب بعد ملئه وتؤثر على نوعية المياه وكذلك كلفة الإنشاء العالية التي تصل إلى 3 مليارات دولار والحاجة كذلك لتعويض القرى القريبة من المشروع بأموال مقابل ترك الأهالي لمساكنهم بمبلغ يصل إلى مليار دولار، وأيضاً وجوب القيام بأعمال لحماية الآثار التي تتواجد قربه وهي تكلف كذلك المليارات، وبالتالي اقترحنا في نفس الكلف إنشاء 20 سداً صغيراً لتوليد الطاقة على نهري دجلة والفرات.

ـ وهل أعاد موسم الأمطار الحالي الحياة للأهوار؟

الدراسة الاستراتيجية التي أعدتها الوزارة خلُصت إلى أن استثمار المياه في الأهوار له مردودات اقتصادية أكبر من استثمارها في الزراعة، إذ أنها تسمح بنشاط مائي وفير من ناحية الثروة السمكية وكذلك توفر بيئة لتربية الحيوانات كالجاموس، وما يمكن أن يوفره من لحوم وحليب وألبان وأيضاً توفير مردود مالي للأهالي عبر السياح الذين يتوافدون إليها، ولدينا استشاري إيطالي درس الوضع هناك واقترح أن تضخ لها كميات تعادل 5.8 مليارات متر مكعب سنوياً في حال توافر المياه، تضاف لها 3 مليارات متر مكعب من مياه البزل القادم من مشروع المصب العام، أما في السنوات الجافة فيجب ألا تقل الكميات عن 3.75 مليارات متر مكعب سنوياً للحفاظ على الحياة فيها.

وأكبر مشكلة نعاني منها وتؤثر على وصول الكميات المُرسلة لمياه الأهوار أو الأراضي الزراعية وسط وجنوب العراق هي التجاوزات على مشاريع المياه والتي تقلل التدفقات، وهنالك تعاون مع وزارتي الداخلية والدفاع لمكافحة هذه الظاهرة وتأمين وصول حصص المياه المطلوبة بشكل عادل للجميع، وهذه المشكلة ومعها شح الأمطار تتسبب بهجرة الكثير من العائلات الساكنة في الأهوار وزيادة التدفقات بفضل موسم الأمطار الحالي سمح بعودة الكثير منها.

ـ الكميات التي وفرتها الأمطار الأخيرة هل سدت الحاجة للخطة الزراعية الصيفية القادمة؟

بصراحة الطاقة التخزينية ما زالت محدودة بالنسبة لما نريد أن نوفره للصيف المقبل، ونأمل هطول المزيد من الأمطار هذا الشتاء ونعول كذلك على ذوبان الثلوج في الربيع لتوفير كميات كبيرة من المياه من الممكن استغلالها في تخزين المياه للصيف وكذلك من المهم زيادة التدفقات من دول المنبع لتأمين الحاجة كاملةً سواء للزراعة أو الأهوار أو توليد الطاقة وتأمين مياه الشرب.