أكد رئيس تيار الحكمة، عمار الحكيم، الحاجة للجلوس إلى طاولة الحوار اليوم أكثر من أي وقت مضى، مخاطباً الكورد في إقليم كوردستان لأن يكونوا سبباً حقيقياً في معالجة الإنسداد السياسي بالعراق.
جاء ذلك في كلمة ألقاها الحكيم في الذكرى الخامسة لرحيل رئيس جمهورية العراق الأسبق جلال طالباني، الإثنين (3 تشرين الأول 2022) عبر تقنية الفيديوكونفرانس.
وقال إن “الإتفاق على اختيار مرشح رئاسة الجمهورية لايقتصر على تلبية استحقاق المكون الكوردي فحسب وإنما يمثل حاجة وطنية ملحة لمنع إنزلاق البلاد نحو نفق مجهول”.
رئيس تيار الحكمة، دعا إلى الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاهم والإنسجام”، مبيناً أنه أمر “نحتاجه اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى”.
واستدرك، أنه في الوقت ذاته “يجب أن لا نتهاون في مواجهة التحديات بروح القانون والدستور، والإلتزام بالسياقات الدستورية في حفظ الدولة وسيادة مؤسساتها”.
وأدناه نص كلمة الحكيم في الذكرى الخامسة لرحيل رئيس جمهورية العراق الأسبق مام جلال طالباني:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمـد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين.
السيدات والسادة الحضور..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
فــي الــظروف والمــسارات الــصعبة الــتي تــمر بــها الأمـم.. تســتذكــر الشعوب مــواقــف قــادتــها ورمــوزهــا.. مسـتلهمة مـنهم الـعزيـمة والـصبر والإيـثار.. والمسارات الـصحيحة بـما يـتسق مـع المـبادئ والقيم التي ضحى من أجلها أولئك القادة الكبار..
-تمر علينا الذكرى الخامسة لرحيل الزعيم الوطني مام جلال طالباني رئيس جمهورية العراق الأسبق رحمه الله ، بمرارة كبيرة وألم عميق ، لفقده و غيابه عن الساحة العراقية وعن شعبه الكردي في هذه الظروف الحساسة من تاريخ البلاد.
-إن وجود القادة الكبار ضرورة و غيابهم خسارة و ذكراهم ذخيرة ، أينما حلوا ومتى ما آستذكروا في أي زمان ومكان ، فطبيعة تفكيرهم و حراكهم و سلوكهم يدفع شعوبهم و أتباعهم و محبيهم لتجديد العهد معهم ومراجعة سيرهم وتجاربهم ومبادئهم ليكملوا المسيرة ويأخذوا منهم الدروس والعبر الناجحة ويعززوا المواقف ويواصلوا الطريق.
-إن شخصية الراحل مام جلال طالباني كانت فريدة و مؤثرة في الساحات الكردية والعراقية والدولية وقد تمكن بتفكيره المتقدم أن يتجاوز أحلك الظروف و أخطرها و أن يؤسس لمراحل مفصلية في تاريخ العمل السياسي العراقي .
-فعلى المستوى الكردي كان زعيما ملهما و محبا لأبناء جلدته ، و متفانيا في الدفاع عنهم في سوح الجهاد و معارضة النظام الإستبدادي العنصري الذي إستهدف أبناء شعبه بكل صنوف العنف و القسوة و التهميش ، و لكنه لم يتخل يوماً ، عن كونه قائدا عراقيا إتسعت رؤيته لتشمل جميع العراقيين بكافة إنتماءاتهم القومية و الدينية و المذهبية والسياسية.
-إن الحفاظ على هوية ( العراق و الكرد) معا ، كانت من شواخص تجربته التي جعلت منه قائداً عراقيا بإمتياز .
-مام جلال طالباني لم يتخل يوما عن الحقوق المشروعة لأبناء جلدته الكرد بشهادة أصدقائه و منافسيه ، و لكن ذلك لم يجعله يغفل يوماً عن كامل الجغرافيا العراقية و تنوعاتها ، وقد أنشد فيه الجواهري الكبير قائلا ( شوقاً جلال كشوق العين للوسن / كشوقِ ناءٍ غريب الدَّار للوطن / شوقاً إليك وأنت النُّور مِنْ بصري / وأنت مني محلَّ الرُّوح في البدن). ليصور عمق العلاقة و العاطفة بين مام جلال العراقي الكردي وبين الشاعر العراقي العربي الراحل محـمد مهدي الجواهري.
-لقد كان يعتقد أن قوة العراق تـكمن فـي تـنوع مكوناته.. وأن إحـترام خـصوصـية تـلك المـكونـات لا يـلغي وحدتها وتماسكها ضمن مشتركات الوطن الواحد.. ومصير الأمة الواحدة.
و لـذا تـوحـدت عـليه قـلوب الـعراقـيين.. كـما تـوحـدت لـديـه هـموم الـعراقـيين وتـطلعاتـهم.. فـعاش رمـزا ومـات رمـزا وطنيا تفتخر به الأجيال عبر التاريخ..
-وهذا ما انعكس بشكل جلي على طبيعة علاقته مع المكون الإجتماعي الأكبر في البلاد من خلال صلته المباشرة بالنجف الأشرف و حوزتها و مرجعياتها و أسرها العلمية إلى جانب علاقاته الوثيقة بالعشائر العربية في الفرات الأوسط و الجنوب .
فكان و لايزال محط إحترام و تكريم المكونات العراقية وفي مقدمتها المكون الشيعي الذي يتذكر مواقفه الوطنية في الدفاع عن المرجعية والمكون الأكبر وحقوقه في المحافل و المحطات الوطنية و الدولية.
– ولايمكن أن نغفل بشكل خاص عمق علاقة الراحل بأسرة آل الحكيم خلال عقود طويلة من الزمن ، منذ النضال المشترك مع شهيد المحراب الخالد آية الله العظمى السيد محـمد باقر الحكيم (قدس) في ساحات المعارضة الملتهبة ، والتعاون و الشراكة في التأسيس السياسي لمرحلة ما بعد سقوط الدكتاتورية مع والدنا الراحل سماحة السيد عبدالعزيز الحكيم (رحمه الله) ، والتراكم و الإستمرار في علاقته الوثيقة معنا شخصيا ، حتى وفاته المؤلمة .
-لايمكن أن ننسى هذا التاريخ المشترك و هذا الإرث الثمين وتلك المواقف المفصلية أبدا ، وسيبقى مام جلال حاضرا في قلوبنا و عقولنا و وجداننا ما حيينا و سنبقى نذكر لأبي شلال مواقفه المشرفة أينما كنا وكلما حانت الفرص والمناسبات.
-إنني أناشد إخوتي و أخواتي من أبناء شعبنا الكردي الأبي ، كما أناشد أبناء مام جلال ورفاقه ومحبيه في الإتحاد الوطني الكردستاني ولا سيما رئيس الإتحاد الوطني الكردستاني الأخ العزيز الأستاذ بافل طالباني وحلفاءه في الحزب الديمقراطي الكردستاني والقوى الوطنية والكردستانية الأخرى أن يعقدوا العزم على مواصلة منهجه و مبادئه و مسيرته الوطنية الغراء ، في الوحدة و التكاتف والتمسك بمشروعه ، والمضي بالمعادلات التي رسمها الراحل الكبير في حياته والحفاظ عليها وتقويتها وتأكيدها.
فعراق اليوم بحاجة ماسة الى المزيد من الإعتدال و العقلانية و الحوار والإنفتاح و الوحدة و الإنسجام بين العراقيين جميعا ، وقد كنتم ومازلتم من أعمدة هذا المنهج القويم الذي يجب أن يستمر بقوة تكريما لذكرى مام جلال و القادة الوطنيين كافة .
السيدات والسادة الكرام..
حري بنا أن نستلهم مـن هـذه المناسـبة الـوطنية الـعزيزة عـلى قلوبنا.. تـوحيد المـواقـف والمـسارات الـمطلوبـة، ولاسـيما مع ما يمر به بلدنا من لحظات حاسـمة في تـاريخه الحديث.. وإني عـلى ثـقة بـأن روح الراحل مـام جلال تـتوق ليأخذ كــل مــنا تــلك الـمـواقــف الــوطــنية الــحاســمة فــي حـلحلة الخلافــات بــروح الإيــثار وتــغليب المصالح العليا للبلد.
وإسمحوا لي أن أتحدث بصراحة معهودة بين أهلي وإخوتي في إقليم كردستان..
لا أحـد مـنا يـنكر أن هـناك خـللاً بـنيويـا فـي طـبيعة مـسار الـعملية الـسياسـية الـقائـمة الـيوم.. ولا سـيما أنها مرت بظروف إستثنائية منذ التأسيس.. وإن الإســتمرار عـلى قواعد الإستثناء يهدد نظامنا الـسياسـي ويـعرضـه الـى أزمـات خـانـقة ومـتوالـية.. وهـذا مـا نـعانـيه الـيوم مـن إنسـداد سـياسـي لـم ينفع معه حتى خيار الإنتخابات المبكرة.
ولا أحـد مـنا يـنكر أيـضا.. أن دسـتورنـا الإتـحادي بـحاجـة الـى تـطويـر وتـفسير وتـعديـل للعديد من مـواده بما يتناسب مع متطلبات التطور في التجربة السياسية طيلة العقدين الماضيين من عمر التجربة الديمقراطية في العراق.
وحينما لا تـكون الأزمات والمشاكل السياسية هينة أو عادية.. فإن ذلك يتطلب أن يكون دور المعالجة إستثنائيا يتناسب مع حجم المشكلة وضرورة مواجهتها بحزم وحسم ومسؤولية.
وهذا ما يجعلني أنتهز فرصة هذه المناسبة الوطنية الكبيرة في مخاطبة إخوتي من قيادات إقليم كردستان الذين لا أشك في إخلاصهم وحرصهم الوطني .. في النظر نحو بغداد بذات العين التي كان ينظر بها الزعيم الراحل مام جلال إلى بغداد .. وأن يكونوا سببا حقيقيا في معالجة الإنسداد السياسي الذي وصلنا اليه .. لاسيما بعد البادرة الطيبة والموقف المسؤول في إستئناف عمل مجلس النواب.
إن الإتفاق على إختيار مرشح رئاسة الجمهورية لايقتصر على تلبية إستحقاق المكون الكوردي فحسب وإنما يمثل حاجة وطنية ملحة لمنع إنزلاق البلاد نحو نفق مجهول.. وإن الإستعدادات لمعالجة الخلل البنيوي الذي أشرنا اليه سلفا .. يتطلب أولا تشكيل حكومة وطنية مسؤولة وقوية تمهد الطريق لمرحلة الإنتقال الآمن في إجراء إنتخابات مبكرة .. خالية من العيوب والملاحظات والإشكاليات السابقة المعروفة.
وهو مايصعب تحقيقه من دون إنتخاب رئيس جمهورية متفق عليه كرديا ومصوت عليه وطنيا داخل قبة البرلمان ، بما يتناسب مع خطورة المرحلة المقبلة وأهميتها في الإصلاح والمعالجة.
لقد كنا دوما ولا نزال من دعاة الحوار الوطني .. والجلوس إلى طاولة الحوار والتفاهم والإنسجام .. وهو أمر نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى .. ولكننا في الوقت ذاته يجب أن لا نتهاون في مواجهة التحديات بروح القانون والدستور .. والإلتزام بالسياقات الدستورية في حفظ الدولة وسيادة مؤسساتها.
إن أملنا كبير في الإحساس العالي والإستشعار الكبير للمسؤولية الوطنية لدى إخوتنا في إقليم كردستان .. وإن البذرة التي زرعها الزعيم الراحل مام جلال ومن قبله الزعيم ملا مصطفى برزاني (رحمهما الله) قد أتت أكلها .. وسيستمر أثرها بإذن الله ويبزغ خيرها نجماً في سماء العراق.
-نجدد تعازينا الحارة و مواساتنا الدائمة و وقوفنا معكم أيها الإخوة و الأهل والأحبة و نتمنى لكم المزيد من التوفيق و التألق و النجاح و العمل الوطني المشترك ، مؤكدين لكم إعتزازنا و إصرارنا على هذه العلاقة الوثيقة و ترابطنا التاريخي المتين .
رحم الله مام جلال .. ورحم الله شهداء العراق جميعا
رحم الله شهداء البيشمركة .. والحشد الشعبي .. وجميع صنوف قواتنا المسلحة
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته