الكاظمي: لا نملك عصا سحرية لتغيير الواقع وأوجدنا أجواء حوار إيجابي بين ايران والسعودية لم يعلن عنها الكثير

أكد رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، أن الحل الوحيد لمعالجة الانسداد السياسي في البلاد هي محاولة استعادة الثقة بين القوى السياسية بالاستناد إلى الدستور والقوانين والثوابت الوطنية ومؤسسات الدولة، مشيراً إلى أنه “أوجدنا أجواء حوار إيجابي بين ايران والسعودية.. الكثير منها لم يعلن عنه”.

وقال الكاظمي في مقابلة اجرتها معه جريدة “الصباح” الرسمية حول الانسداد السياسي والتعقيدات التي عقبت الانتخابات إن “الانسداد الحقيقي هو في عدم تطوير العملية السياسية التي تشكّلت على أساس توازنات ورؤى ليست بالضرورة صالحة لكلِّ وقت، لكنَّ بعضها خلقته ظروف البلد. وسبق أنْ تحدثت عن أنَّ الأزمة الحالية هي في جوهرها (أزمة ثقة)، لأن القوى السياسية بإمكانها الخروج من الانسداد السياسي الحالي وتقديم تضحيات أو تنازلات هنا أو هناك، لو كانت هناك ثقة مشتركة تؤطر الوضع السياسي العراقي، لذا أعتقد أن الحل لا يكون في الخطابات السياسية، وإنما في محاولة استعادة الثقة. والثقة هنا لا تعني ضرورة المشاركة أو تشكيل الحكومة من عدمها، بل إن استعادة الثقة تعني أن كل من في الحكومة أو في المعارضة يعد أن الدستور والقوانين والثوابت الوطنية ومؤسسات الدولة هي المرتكزات الأساسية التي يستند إليها”.

وعن تداعيات تغيير سعر صرف الدولار في الإصلاحات الاقتصادية أشار الكاظمي إلى ان “موازنة عام 2021، على سبيل المثال، وبالتزامن مع تغيير سعر صرف الدولار، قمنا برفع مخصصات الرعاية الاجتماعية في قانون الموازنة العامة إلى 3 ترليونات دينار، وهذا الرقم خُصِّص للفئات التي توقعنا أن تكون الأكثر تضرراً بناءً على دراسات متخصصة، ولم نكن نزايد على أحد، لكننا كنا نعالج الآثار السلبية لارتفاع سعر الصرف وتحسين الأوضاع المعاشية لمحدودي الدخل. لكن الأخوة في مجلس النواب السابق رفضوا الاستماع إلى دفوعاتنا بهذا الخصوص وقاموا بتقليص المبلغ إلى أقلّ من 700 مليار دينار فقط. كما خفضوا في الوقت نفسه الموازنة الاستثمارية التي كان هدفها إنعاش سوق العمل وتحريك المشاريع وتدوير عجلة الاقتصاد المحلي وتفعيل دور القطاع الخاص”، مضيفاً أن “البلاد لا يمكن لها أن تتقدم من دون بناء الثقة على جميع المستويات، ولا سيما في العلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية لتحقيق الانسجام في خطوات الإصلاح ومنع التصادمات أو الاجتهادات التي قد تكون لها نتائج سلبية”.

ونوه إلى ان “تغيير سعر الصـرف لم يكن قراراً كيفياً ولا قرار هذه الحكومة، بل سبقته دراسات استمرت سنوات، وتمت مشاركة كل القوى السياسية ومجلس النواب قبل اتخاذه، بناءً على حقيقة أن أسعار النفط قد لا تُلبي في أوقات الأزمات الحدود الدنيا من متطلبات شعبنا، وأننا بحاجة إلى العمل معاً لتقويم الاقتصاد العراقي”.

وتحدث الكاظمي خلال اللقاء عن جهود الحكومة في التصدي للسلاح المنفلت موضحاً أن هذا الملف “شائك ومعقد ويحتوي على أبعاد سياسية واجتماعية ودينية، وعلى الحكومة مواجهته بمستويات عدَّة وبرؤية صبورة وتراكمية في الفعل الأمني، ومن يراجع الظروف عام 2020 بمصداقية وبعيداً عن أجواء الانتهازية والاستعراض، لا بدَّ له أنْ يعترف بحصول تطور كبير في الملفِّ الأمني على كلِّ المستويات، ابتداءً من إعادة ضبط مخرجات الأزمة الاجتماعية التي أفرزتها التظاهرات الشعبية بين عامي 2019 و2020، ومن ثمَّ استعادة الثقة التي كانت مكسورة بين الشعب والمؤسسات الأمنية، وبتجفيف منابع الإرهاب وكسر شوكته ومحاصرة الخارجين عن القانون والعمل على تطبيق القانون على الجميع من دون استثناء”.

وفي السياق أكد رئيس الوزراء العراقي انه “لا نملك العصا السحرية لتغيير الواقع بضربة واحدة، لكننا وضعنا أسس الحياة الطبيعية، وهذه الأسس تحققت بعد خطوات كثيرة ومحاسبات قانونية عدَّة. هنالك اليوم ضباط ومنتسبون وموظفون محكومون بالإعدام أو المؤبد بعد أن طبِّق عليهم القانون، وهنالك مجرمون تجري محاكمتهم بسبب تجاوزهم على القانون كما هي الحال مع فرق الموت في محافظة البصرة وقتلة هشام الهاشمي وعصابات الجريمة المنظمة وغيرهم كثير، ناهيك عن الإرهاب المتربّص”.

وبشأن عدم انخراطه في السياسية مجدداً قال: “عارضت ورفضت كلَّ الطلبات التي كانت تريد مني المشاركة في الانتخابات، وبعضها كان من فريق العمل الخاص بي، ومن قوى سياسية ونواب. وكان الجميع يعتقد أنَّ السياق الطبيعي هو مشاركة رئيس الحكومة في الانتخابات وتحقيق فارق في مقاعد البرلمان، ولكن قلت في حينها وأكرِّر ذلك اليوم، إنني كُلّفت بتشكيل حكومة في ظلِّ أزمة اجتماعية وسياسية واقتصادية طاحنة هدَّدت كلَّ العراق، وكان الهدف الوصول إلى خارطة طريق خاصة تقود إلى انتخابات عادلة وشفافة وتقود البلد إلى برِّ الأمان، والقرار الذي اتخذته في لحظة التكليف بأنْ تكون هذه الحكومة منظمة للانتخابات وليست طرفاً فيها. ولو كنت شاركت في الانتخابات، لكنت قد نكثت العهد أمام الشعب، وأزعم أنني لا أنكث العهود”.

وبشأن العراقيل التي تواجه الحكومة المتعلقة حول إعداد موازنة 2022 نوه رئيس الوزراء إلى أنه “الأفضل لو كانت هناك حكومة كاملة الصلاحيات تقدم مشروع قانون موازنة عام 2022 بالشروط والمواصفات التي يتطلبها مشـروع الإصلاح الاقتصادي والتحولات والتحديات السياسية والاقتصادية الحاصلة في العراق والعالم. أما بخصوص ترحيلها إلى الحكومة المقبلة فإنَّ الأمر يعتمد على سرعة تشكيل تلك الحكومة، وهناك حلول قانونية آنية يمكن من خلالها تجاوز الأضرار التي تحصل بسبب غياب الموازنة”.

وفيما يخص قانون الأمن الغذائي، ودعم رئيس الوزراء لها كونه يغطي غياب موازنة 2022، أوضح الكاظمي أن “الحقيقة أن إعداد هذا القانون، وتقديمه إلى مجلس النواب كان بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي سبّبتها الحرب بين روسيا وأوكرانيا وارتفاع أسعار النفط، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات عالمياً وعدم القدرة على تشريع الموازنة في الوقت الراهن، ولهذا فإن قانون (الأمن الغذائي)، سيمكن الحكومة من تجاوز معوّقات الأزمة الحالية وتوفير الغطاء لدعم الطبقات الفقيرة ودعم البطاقة التموينية وتمويل العديد من المشاريع الستراتيجية المهددة بالإيقاف بسبب نقص التمويل”.

وعن العلاقات التي العراق الجديدة مع عدة دول مهمة بالنسبة للعراق أكد الكاظمي انه “لا يمكن لدولة أن تنمو بشكل طبيعي بعيداً عن جيرانها، وكل دول العالم لا بد لها من أن تمتلك علاقات جيدة وسليمة مع الجميع، العراق بموقع جيوستراتيجي مهمّ في المنطقة والعالم، وهذا الموقع يوجب علينا أنْ نكون نقطة التقاء وليس نقطة تقاطع، ولكن للأسف كنّا نقطة تقاطع لعقود طويلة قبل عام 2003، ووصلنا إلى حدود خطيرة بتهديد العراق بأنْ يكون ساحة لحرب مباشرة بين دول مختلفة، لذلك حاولنا تكريس مفهوم التلاقي”، مضيفاً أن “العمل لا يزال مستمراً في ملف العلاقات الخارجية وهو يحتاج إلى المزيد من الجهد لإكمال ما بدأنا به”.

الكاظمي تحدث عن الوساطة فيما يخص التقارب بين السعودية وإيران، مؤكداً أن “العراق لديه مصلحة مباشرة في تحقيق تفاهمات بين دول المنطقة وتحقيق الاستقرار الإقليمي، ولأننا نمتلك علاقات جيدة مع الطرفين ومع أطراف إقليمية ودولية متباينة، تمكنّا من إيجاد أجواء حوار إيجابي على أرض العراق، الكثير منها لم يعلن عنه، فالإخوة في المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية يتعاملون مع ملفِّ الحوار بمسؤولية عالية ومتطلبات الوضع الحالي للمنطقة، ونحن واثقون بأنَّ التفاهم بات قريباً، وهناك انفراجة حقيقية واسعة في العلاقات بين كلِّ دول المنطقة، مدعومة بقناعة راسخة ونيّات سليـمة بأنَّ مستقبل المنطقة يعتمد على البدء بالنظر إليها كمنظومة مصالح متلاقية وليست متقاطعة”.