لاقت تصريحات وزير المالية علي علاوي بشان تسريح الموظفين بعد عشر سنوات بسبب استمرار الاعتماد على النفط الذي يشكل أكثر من 90% من إيرادات الدولة، ردود أفعال متباينة ما بين مؤيد لها واخر رافض لها وبقوة.
ويرى اقتصاديون ان تلك التصريحات واقعية وتأتي لتحفيز الحكومة على ايجاد بدائل اخرى لتمويل الموازنة بعيدا الى جانب قطاع النفط ، فيما رفضت اوساط سياسية تصريح وزير المالية جملة وتفصيلا داعيا الى معالجة مليارات الدولارات التي اهدرها الفساد المالي والاداري، فيما طرح مراقب للشأن السياسي تساؤلات حول تلك التوقعات وهل هي مجرد اجتهادات شخصية أم هي معلومات مبنية على إحصاءات و كشوفات رسمية متوفرة لدى الحكومة وتدعم هذه التوقعات الخطيرة.
الخبير الاقتصادي ناصر الكناني، اكد ان توقعات وزير المالية بشأن تسريح الموظفين بعد عشر سنوات هي ترجيحات منطقية في حال عدم حصول إصلاحات حقيقية، وهي تمثل تحفيزا للحكومة لايجاد موارد اخرى لتمويل الموازنة الى جانب النفط.
وقال الكناني : إن “تصريحات وزير المالية بشأن تسريح الموظفين بعد عشر سنوات هي تحذير واقعي في ظل المعطيات الحالية وعدم حصول اي إصلاحات حقيقية للواقع الاقتصادي والاستثماري في البلد”، مبينا ان “تصريحات وزير المالية هي محاولة لتحفيز الحكومة على ايجاد موارد أخرى الى جانب النفط”.
واضاف الكناني، ان “هناك بطالة في العراق واغلبها من الشباب الخريجين والذين من الممكن الاستفادة منهم في مشاريع وصناعات صغيرة، من خلال قروض ميسرة لصناعات صغيرة ومناطق زراعية في مشاريع ووحدات سكنية على مستوى المحافظات”.
ولفت الى ان “هنالك مشكلة كبيرة بالترهل الوظيفي المحصورة خصوصا في الرئاسات الثلاث والتي من المفترض تخفيض المخصصات لها بنسبة معينة لتوفير الأموال لخزينة الدولة، اضافة الى ايقاف قضية الايفادات واستيراد السيارات لمدة خمس سنوات التي تسبب هدر في الوقود ودون فوائد اقتصادية للبلد”.
وتابع الخبير الاقتصادي ان “اغلب الايرادات تذهب الى الموازنات التشغيلية مما أثر سلبا على قطاع الاستثمار، ناهيك عن الروتين والبيروقراطية التي تسببت في عزوف الاستثمارات الخارجية عن دخول البلد باستثناء الاستثمارات في قطاع النفط فقط”، موضحا ان “هناك مشاريع تكون على شكل شركات تضامنية لعدد من الاشخاص ويتم منحهم قروض لتلك المشاريع يستطيعون تسديدها مستقبلا بدل منح قروض للزواج او شراء سيارات كما يحصل حاليا ما خلق مشكلة اخرى تضاف الى المشاكل السابقة في تلكؤ تسديد تلك القروض”.
واكد الكناني، ان “هناك قطاعات اخرى من الممكن الاستفادة منها كقطاع السياحة التي من المفترض ان ترفد خزينة الدولة بالاموال بدل تخصيص مبالغ لها بالموازنة فما يجري هو عكس المطلوب والمعمول به بكل دول العالم”، مشددا على ان “العراق بعد عشر سنوات في حال عدم وجود معالجات ليس فقط لن تكون له المقدرة على تسديد الرواتب كما يرجح وزير المالية بل ربما ايضا سيزداد عدد السكان الى ستين مليون دون وجود طرق ومشاريع جديدة للعمل والسكن إضافة إلى التهديدات بجفاف نهري دجلة والفرات بعد قطع حصص العراق المائية من إيران وتركيا”.
المراقب للشأن العراقي يوسف سلمان، اكد ان تصريحات وزير المالية الاخيرة بشأن مستقبل الموظفين بعد عشر سنوات، وكما يبدو فإنها تتجاوز قضية التوقعات الى مستوى رغبة الوزير في استباق الحدث واشارة الى ضرورة وجود معالجات اقتصادية تؤتي ثمارها سريعا وان لا يكون الموظف الضحية الاولى للسياسات الفاشلة للحكومات المتعاقبة.
وقال سلمان: إن “تصريحات او نستطيع تسميتها توقعات وزير المالية المثيرة للجدل بشأن لجوء الدولة الى تسريح الموظفين خلال العشر سنوات المقبلة ويبدو ان الوزير اراد بشكل او باخر ان يستبق الاحداث والامور لغاية في نفس يعقوب أراد من خلالها اطلاق تلك التحذيرات”، مبينا ان “لجوء الوزير الى اعطاء نوع من الهالة الاعلامية لوجوده بمنصب الوزير لحقيبة مهمة لها صلة بحياة العراقيين ومعاشاتهم وترتبط بإيرادات الدولة وموازنته فهو يحاول لفت النظر الى خطورة الوضع الاقتصادي خلال السنوات المقبلة نتيجة لبقاء السياسات النفطية هي المورد الوحيد لتمويل موازنة الدولة”.
واضاف سلمان، ان “التحذير هي خطوة مبكرة لكنها لا تخلو من تداعيات سلبية وانعكاسات ستكون أكثر سلبية على السوق المحلية وعلى شريحة الموظفين لا سيما المتقاعدين منهم وهي سياسة يفترض ان لا يتم تحميل الموظف او المتقاعد ضريبتها وان يدفع ثمن الإخفاق الحكومي في معالجة الأزمات الاقتصادية”، لافتا الى ان “الحكومات المتعاقبة يفترض عليها توفير سياسة اقتصادية واضحة المعالم لتدارك ما يمكن تداركه على اعتبار ان العراق والى حد الان لا يزال معتمدا على الصادرات النفطية كمصدر وحيد لتمويل الموازنة وهو امر بحاجة الى وقفة جادة ودراسات يفترض ان تأتي ثمارها على المدى القريب”.
وتابع ان “المعالجات الاقتصادية لجميع الحكومات كانت عقيمة ولم تنهض بالواقع الاقتصادي او تحقق درجة الامان الكافية لمعاشات المواطنين، ففي كل عام نسمع تطمينات حكومية بائسة بان الرواتب مؤمنة للعام التالي ورغم هذا لاحظنا استقطاعات بعناوين مختلفة وجميعها امور تضع تساؤلات على طاولة الحكومة المقبلة بشان الاجراءات التي لديها لمعالجة الاخفاقات الاقتصادية، خصوصا ان التركة ثقيلة ومتراكمة من اخفاقات الحكومات السابقة التي لم تجد حلا للمشاكل ما انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن البسيط”.
وشدد سلمان على ان “ارتفاع سعر الدولار وأسعار النفط عالميا وعودة الاحتياطي العراقي من العملة الى سابق عهدة لا تمثل تطمينات كافية على اعتبار ان هناك ضرورة لإيجاد مصادر تمويل مختلفة للموازنة”.
واكد، ان “الحكومة عليها ان تكون اكثر وعيا في مواجهة المطبات الاقتصادية وأن تكون التوقعات في مكانها الصحيح، على اعتبار ان توقعات علاوي تضعنا أمام منعطف حاسم وهو هل كان الوزير يعلم بهذه الاوضاع قبل تسنمه المنصب ام أنها امر واقع اكتشفه بعد تسنمه المنصب لوجود هكذا كارثة مستقبلية اضافة الى ان الحكومة بكافة مفاصلها معنية بالاجابة عن حيثيات هذه التوقعات وكيف بنيت وهل جاءت باجتهاد شخصي من قبل الوزير أم أنها بفعل احصاءات و كشوفات رسمية متوفرة لدى الحكومة وتدعم هذه التوقعات الخطيرة”.
عضو تحالف الفتح عباس الزاملي، انتقد تصريحات وزير المالية العراقي الذي اشار فيها الى احتمال تسريح الموظفين العراقيين خلال العشر سنوات القادمة، معتبرا هذا الكلام غير منطقي وظلم وتجويع للشعب العراقي.
ودعا الزاملي، في تصريح صحفي، وزير المالية إلى “السعي جاهدا للمطالبة بمحاسبة حيتان الفساد واسترداد أموال الشعب العراقي المنهوبة بدلا من التوجه لارزاق الموظفين الذين يعيلون ملايين النساء والأطفال والشيوخ”.
واضاف الزاملي، أن “المواطن العراقي يستحق ملايين الدنانير حصته من النفط الذي أكد عليه الدستور وأن الوظيفة هي ابسط حقوقه”، مشددا على ان “تصريح وزير المالية هو امر خطير قد يفتح بابا واسعا لتجويع وإفقار العراقيين”.