أكد زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، أن “السيادة والزعامة بحاجة إلى نماذج ناجحة وراشدة، بعيداً عن استعراض العضلات”، مشيراً الى أن “تغيير أعضاء المفوضية والقانون الإنتخابي لم يؤديا الى مشاركة أوسع للناخبين”.
وقال الحكيم، في كلمة له خلال مشاركته بأعمال منتدى السلام والأمن للشرق الأوسط المقام في الجامعة الاميركية في محافظة دهوك، إن “التفكير في سبل إرساء الأمن والسلام المستدام في العراق والمنطقة والعمل على ذلك، يمثل جهداً واعياً يستحق التقدير”.
واضاف أن “شعوب المنطقة لا تزال تعاني من ثلاثية: (التوتر وعدم الإستقرار الداخلي، والخشية من المستقبل، وعدم الرضا بالحلول والمعالجات المطروحة تجاه الأزمات المتكررة)، وهي تتطلع إلى النخب وأصحاب القرار، لتقديم وصفات أكثر جدية وواقعية وعملية، تضمن لهم حاضراً آمناً ومستقبلاً واضحاً وإستقراراً دائماً وهي عناصر أساسية لأي نهوض وتطور وبناء، كما إنها دوافع ضرورية لإيجاد بيئة مطمئنة وباعثة على الأمل والنشاط”.
“كثرة الأزمات وتراكم التوترات وتراجع الثقة بالحلول تمثل موانع رئيسة في طريق الأمن والسلام المستدام الذي لا يتحقق الا بسلسلة طويلة من الخطط والمشاريع وهو ما يتطلب تعاوناً وتضامناً داخلياً على مستوى الأوطان وخارجياً على مستوى المنطقة ودول الجوار”، وفقاً للحكيم.
ورأى زعيم تيار الحكمة أنه “بإمكاننا تلخيص الخطوات الداخلية على مستوى الأوطان الى الثنائية التالية لتحقيق الأمن والسلام المطلوبين ببناء الهوية الوطنية الجامعة المعبرة عن طموحات وأحلام ورؤى وإنتماءات أبناء الوطن الواحد نحو تحقيق السلم المجتمعي وتوحيد الجهود والصفوف في مواجهة التحديات وإستثمار الفرص المشتركة من قبل الجميع”، مؤكداً الحاجة الى “مشروع واضح في إدارة التنوع القائم في دولنا وجعله نقطة القوة للوصول الى إستقرار النفوس والقناعات في إطار عقود إجتماعية وسياسية مطمئنة للجميع”.
وأكد أن “تضارب المشاريع والرؤى التي تقدمها النخب وأصحاب القرار مازالت معرقلة لهذه الولادة الحتمية والمرجوة في مسار الإستقرار”، لافتا الى أن “معالجة جذور الفجوة بين الدول ومواطنيها على صعيد بناء المؤسسات الرصينة والإجراءات العادلة والثقة المتبادلة وهي ثلاثية بحاجة الى الكثير من العمل والجهد والمصداقية ولانزال بعيدين عن تحقيقها”.
“نرى هذا الأمر بوضوح على المستوى الداخلي العراقي اليوم، فالمشاركة الإنتخابية المتدنية، والشكوك الواضحة بمصداقية العملية الإنتخابية، وعدم الرضا الواسع من النتائج والواقع السياسي، والتشكيك بمصداقية مؤسسات الدولة وإجراءاتها، والشعور بغياب العدالة والكرامة والمواطنة، والإحباط المستمر، والقلق الواضح من الحاضر والمستقبل، كلها أمور مقلقة وخطيرة بحاجة الى معالجات جذرية”، وفقاً للحكيم، الذي نوه الى أن “سياسات فرض الأمر الواقع السياسي على حساب ثقة المواطن ومشروعية النظام ومصداقية الدولة وشرعية الممارسة السياسية في عملية بناء الدولة، هي أمور لا تأتي بخير ولا تطمئن العقلاء والحكماء والنخب”.
واضاف أن “سياسات التعميم والتعويم والتشويش والترهيب والتحبيط ضد المواطن العراقي تجعل جميع النخب وأصحاب القرار أمام مسؤولية تاريخية ثقيلة، طالما حذرنا من عواقبها منذ عشر سنوات وسنبقى نحذر منها، معولين على الوطنيين الشرفاء والنخب الحكيمة لتجاوزها وتوفير البديل الآمن”.
وحذّر من أنه “لا أمن ولا سلام ولا دولة ولا نظام ولا مؤسسات مستقرة ومتماسكة من دون مراجعة حقيقية لهذا الواقع المعيب والمشوه، ومن دون إيقاف المشاريع والمحاولات الملتوية التي تحاول أن تدافع عن هذا الواقع المؤسف”.
وبيّن الحكيم أنه “لا يمكن أن نتصور سلاماً حقيقياً وأمنا مستداماً للشرق الأوسط من دون إعادة النظر في العلاقات بين دول المنطقة على أساس الإنفتاح والحوار والإحترام المتبادل، فالخلافات في المصالح والرؤى والمشاريع طبيعية ومعقولة، لكن المبالغة بها واعتبارها وجودية والعمل على حسمها بأسلوب الكسر والإنقضاض على الآخر هي أمور غير طبيعية وغير واقعية، فالحوار كالجوار كلاهما أمور قدرية وضرورية للجميع”.
وأردف أن “على دولنا أن تفكك مشاكلها على صور ملفات تخصصية على سبيل المثال: ملف الإرهاب، ملف المياه، ملف الحدود، ملف النفط، ملف التجارة، كلا على حدة وتفسح المجال لتغليب المصالح المتبادلة على أساس الرؤية الفنية لا السياسية الصرفة قبل أي حوار او تفاهم أو قرار، وقد أثبتت التجارب أن كثيراً من سوء الفهم يعالج بالتفكيك والتأني والنظرة الموضوعية للمصالح المتبادلة”.
كما دعا زعيم تيار الحكمة الى “ايقاف صراعات الزعامة والقيادة الإقليمية المدمرة ذات الطابع الأمني والعسكري والإستخباري وإستبدالها بسياسات التنافس والتسابق الإيجابي نحو عمران الأوطان وتحقيق القفزات العلمية والتكنولوجية والإقتصادية، والثورات الإدارية والمؤسسية التي تدفع بالدول نحو فرض تقدمها بقوة المنطق لا بمنطق القوة”، عاداً “مثل هذه الخطوات الإيجابية سوف تحسن من موقع الدول التفاوضية في توسيع رقع مصالحها على مستوى المنطقة وإيجاد مناخات آمنة لتبادلها مع الآخرين”.
وشدد على أن “السيادة والزعامة بحاجة إلى نماذج ناجحة وراشدة، بعيداً عن استعراض العضلات والإمكانيات المتغيرة الوقتية”، منوها الى أن “الشراكات الكبرى على مستوى المنطقة وعلى كافة الصعد العلمية والثقافية والإقتصادية، التي تقرب الشعوب لبعضها البعض وتنمي المصالح وتوسع من رقعها”.
زعيم تيار الحكمة، قال أيضاً في كلمته إنه “على الرغم من النجاحات الملحوظة المتحققة في العراق على الصعيدين الأمني والسياسي، إلا أن التحولات المحيطة في المنطقة من جهة، والتحديات الداخلية من جهة أخرى، ما زالتا تمثلان عقبات كبيرةً أمام عجلة البناء والتغيير المنشود، بما يليق بثقله التاريخي ومكانته الإقليمية والدولية”، مضيفاً أن “التوغل العسكري الأجنبي على الحدود العراقية، والتدخلات السياسيةَ في الشأن الداخلي، ما زالت تهدد وحدة الشعب العراقي، وتؤخرُ حقهُ في السيادة على كامل أرضه ومياهه وسمائه، ولابد من إيقاف هذا التدخل ضمن أولى أولويات السياسة الخارجية للحكومة العراقية المقبلة عبر إجراءات عملية ورادعة، والعراق يمتلك الكثير من الأوراق التي تجعله في موقع القوة والقرار”.
“نحن أمام قنبلة إقتصادية موقوتة لن تقتصر على العراق فحسب، بل ستشمل المنطقة برمتها، فالفقر والحرمان وإنعدام الفرص أمام الشباب تمثل أبرز المغريات التي تستغلها الجماعات الإرهابية المتطرفة في كل مكان من العالم، كما أن أزمة الإحتباس الحراري وشحة الأمطار وغياب السياسات المائية العادلة وما نشهده من تصحر كبير للأراضي الزراعية ولاسيما في العراق، يضعنا أمام كارثة بيئية خطيرة تتطلب إجراءات دولية وإقليمية فاعلة تسهم في إنقاذ الكون”، وفقا للحكيم.
واشار الحكيم الى ان “النظام السياسي في العراق مازال يعاني من أزمات بنيوية عديدة، فعلى الرغم من التمسك بالمسار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، الا أنه ما زال يعاني من التكيف مع المتغيرات الكبيرة مجتمعياً، ومن الفساد المالي والإداري، ويفتقر إلى البُنى التحتية لمواكبة نهضة الإقتصاد والصناعة والزراعة”.
أما بشأن الوضع السياسي في البلاد، ذكر الحكيم أن “العملية السياسية لم تستطع طيلة السنوات الماضية أن تغادر أزمة الثقة أو تتجاوز عقد الماضي، كما أنها لم تنجح في تبني خطط ستراتيجية تنجزها الحكومات المتعاقبة على إدارة الدولةن يضاف الى ذلك الأزمة المتفاقمة تجاه العملية الإنتخابية التي أفرزت كماً غير مسبوق من الطعون والشكاوى حول مصداقية الإجراءات والمخرجات”، مبيناً: “كنا أولى الكيانات السياسية المهنئة للفائزين في إنتخابات 2021، رغم إمتلاكنا العديد من الأدلة والوثائق والتساؤلات التي تطال مجمل العملية الإنتخابية وخروقاتها الواضحة، ولكن ذلك لم يمنعنا من التمسك بالخيار الديمقراطي والإيمان بالتداول السلمي للسلطة ووجوب الركون الى الآليات السلمية والطرق القانونية في الإعتراض وكذلك إحترام خيار الناخبين والمشاركين في العملية الإنتخابية”.
“تغيير أعضاء المفوضية والقانون الإنتخابي لم تؤديا الى مشاركة أوسع للناخبين مما جعلنا أمام أقلية مشاركة، أفضت الى أقلية فائزة، وشكل غير الفائزين أكثرية أخرى تنضم الى قائمة الممتنعين عن أصل المشاركة، وهذه النتيجة ستجعلنا أمام أقلية حاكمة قلقة ذاتيا ومقلقة للأكثرية”، حسب قوله، مضيفا أن “الإنتخابات لم تنتج توازنات سياسية واضحة من حيث أكثرية عددية حاسمة او كتل متقاربة ومتجانسة تشكل أغلبية مريحة ومتفاهمة على منهاج حكومي متين للسنين الأربعة القادمة، ونرى لزاما في هذه المرحلة، صناعة حلول وتفاهمات حقيقية على 3 أصعدة هي إيجاد صيغة تفاهم وتعاون للخروج من الإنسداد السياسي الحاصل لغرض تشكيل حكومة قوية ومستقرة وقادرة على إدارة مسؤولياتها بشكل صحيح، ومعالجة تبعات العملية الإنتخابية الحالية، بمراجعة جادة للقانون الإنتخابي والمفوضية وإجراءاتها، وإعادة الثقة بين الجمهور ونظامه الديمقراطي ومؤسسات الدولة والقوى السياسية”.
الحكيم، دعا الى “مبادرة وطنية سياسية وموسعة تجمع جميع القوى الفائزة (على مستوى المقاعد او الأصوات) وعلى مستوى (المتقبل للنتائج أو المعترض عليها) وعلى مستوى (القوى الكبيرة او القوى الناشئة الشبابية والمستقلة)، لوضع صيغة تفاهم تفضي الى إعادة التوازن للعملية السياسية من خلال إتفاق وطني جامع، متبنى من قبل الجميع، بآليات ونقاط وتوقيتات واضحة وعملية”.
كما طالب الحكيم بـ”ضرورة إلتزام كافة الأطراف بالآليات القانونية والسلمية في الإعتراض والتفاوض، وإعتبار الدم العراقي خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه من قبل الجميع، والإلتزام بالحوار الوطني المستقل بعيدا عن التدخلات الخارجية بكافة أنواعها وأطرافهان وضرورة معالجة جميع المقدمات والمخرجات الإنتخابية في أي إتفاق قادم، ووضع آليات واضحة لحل الخلافات أثناء وبعد تشكيل الحكومة، ورفع الفيتوهات المسبقة وعقلنة سقوف التفاوض من قبل جميع الأطراف، وإبداء أعلى درجات المرونة والإحتواء والتطمين لكافة الأطراف المشاركة في التفاوض، وإحترام خيارات الأطراف التي ترغب بالمشاركة او المعارضة او الممانعة حكوميا او برلمانياً، وتقسيم الأدوار بين الحكومة والبرلمان القادم من حيث تمكين الفائزين في الحكومة كما المعارضين والممتنعين في البرلمان لإيجاد حالة من التوازن السياسي، وأن يتم التصويت على ورقة الإتفاق الوطني كقرار برلماني في اولى جلساته الرسمية”.