حزب العمال الكردستاني.. مسألة شائكة جدا

كان –ولايزال – حزب العمال الكردستاني يشكل إحدى مصادر القلق الاجتماعي للدولة التركية، وقد تصاعد هذا القلق مع اغتيال نائب القنصل التركي في أربيل في تموز – يوليو الماضي.
مع هذا الاغتيال بدأت الحكومة التركية عبر أجهزتها الأمنية والعسكرية المعنية بتتبع عناصر حزب العمال الكردستاني في أربيل وجبال سنجار ومعسكر مخمور التابع له، كما أنها كثفت نشاطها في معرفة منابع تمويل حزب العمال الكردستاني ومكاتبه في السليمانية وأربيل وكركوك وبعض القرى بأطراف سنجار وأطراف جبال قنديل.
ومن المفيد الإشارة هنا، إلى أن قوة حزب العمال الكردستاني تضاعفت بشكل ملحوظ، حيث اتسع حضوره في إقليم كردستان وكركوك، ففي الأخيرة كانت بعض المشاريع في عهد المحافظ السابق لها تكون من نصيب الشركات القريبة منه، وكانت الحكومة العراقية السابقة تخصص رواتب شهرية لبضعة آلاف من مقاتليه، إضافة إلى تزويده بالأسلحة المختلفة، كما يحظى الحزب بتعاطف كردي ذو شقين سياسي في السليمانية، وعسكري في قنديل وسنجار.
وأمام هذه القوة، تعجز الحكومة الاتحادية في بغداد، وحكومة إقليم كردستان على مواجهته، فالحزب أقوى من كليهما، وبالتالي لا تستطيع تركيا أن تعتمد عليهما فقط في أية معالجة إزاء الحزب، وإنما هي بحاجة إلى تعاون استخباراتي مع إيران، وخاصة في منطقة المثلث العراقي التركي الإيراني، في المقابل، أدرك الحزب أن اغتيال نائب القنصل التركي في أربيل سيكون له تبعاته، فقد عمل على تغيير أسلوبه الأمني وطرق تمويله داخل الإقليم وكركوك.
هناك حقيقة لا بد من التأكيد عليها عند التعامل مع حزب العمال الكردستاني، مفادها أن الحزب كلما تمضي به الأيام يزداد قوة في إقليم شديد الاضطراب، فعندما غضت واشنطن الطرف عنه، أو بمعنى آخر عندما ساعدته بشكلٍ ضمني على بنائه، تمكن من تأسيس فروع مسلحة له “بيجاك” في إيران و”قسد” في سوريا و” وحدات حماية سنجار” التي تعتبر الذراع العراقي لحزب العمال الكردستاني التركي، وقد تم تدريب عناصرها من قبل الحزب، وهي تملك ترسانة أسلحة أفضل من المليشيات الأخرى، كما يتلقى عناصرها مرتبات من بغداد شهرياً، كونها تتبع إدارياً للحشد الشعبي، لكن فكرياً وعقائدياً تتبع لحزب العمال الكردستاني.
ومع هذه القوة العسكرية، قد تكون الحلول العسكرية وحدها غير مجدية، بل مكلفة للجميع، أما سياسيًا، فقد استطاع الحزب تأسيس أحزاب سياسية تمثله في دول أخرى، تظن هذه الدول أنها تستخدم الحزب في تهديد هذه الدولة أو تلك، وكأنه ورقة ضغط بأيديهم، لكن الواقع يقول ان الحزب هو من يستخدم تلك الدول لتحقيق مصالحه.
سابقًا، كانت سوريا وروسيا تقدمان للحزب كل أشكال الدعم العسكري والمالي، وكذلك إيران كانت تقدم له الدعم في أوقات متقطعة، وإقليم كردستان أيضًا، باستثناء الدولة التركية التي كانت تسعى منذ نشأته إلى التخلص منه، وفي الوقت الراهن نظرًا لأن الحزب أصبح يشكل تهديدًا أمنيًا للدول التي ينشط بها، وأن “فاتورة” دعمه أصبحت مكلفة جدًا تسعى الدول للتخلص منه.
إن عدم التخلص منه يعني المزيد من بسط سيطرته الأمنية والاقتصادية على القرى الحدودية، فبحسب المتابعين، فإن حزب العمال الكردستاني يمتلك حالياً أكثر من (30) مقراً له في مدينة سنجار وقرى ومناطق أخرى حولها، أبرزها بارة وسنوني وخانة صور وقرطبة وعين فتحي وكرسي وكذلك جبل سنجار، مشيرة إلى أنه يتورط بعمليات تهريب النفط السوري من مناطق حدودية مع العراق، بالتعاون مع مافيات وشبكات تجارة النفط في إقليم كردستان العراق، التي تتعامل بدورها مع جهات تركية وإيرانية.
ويرى المتابعون أيضًا أن هناك أطراف لا تريد من بغداد القضاء على وجود مسلحي الحزب، إذ بإمكان الجيش العراقي سحقه خلال أيام، وإجباره على العودة من حيث أتى بالقصف الجوي والتحرك البري، لكن الإيرانيين لا يرغبون بذلك حالياً، وملفهم تحديداً لدى الحرس الثوري وليس لدى العراقيين”، وتابعوا بالقول أن الأتراك يضغطون منذ سنوات على بغداد لمعالجة هذا الموضوع، ووصل الأمر إلى المساومة على زيادة حصة العراق من مياه دجلة، وسحب المعسكر التركي الموجود في بعشيقة إن قامت بغداد بطردهم، لكن الموضوع يرتبط برغبة جهات داخل إيران في إبقائهم داخل العراق.
وكشفوا عن وجود مناطق كاملة بين دهوك في إقليم كردستان، والحدود التركية خارج سلطة الدولة الاتحادية وسلطة إقليم كردستان، ولا توجد فيها أية قوات عراقية، وتحكمها ميليشيا العمال الكردستاني منذ سنوات، ويوجد مسلحي العمال الكردستاني في الشمال العراقي، وعلى مساحة تتجاوز أكثر من (7000) كيلومتر مربع، وامتلاكه نفوذاً واسعاً في مناطق أخرى خارجها.
تعيش منطقة الشرق الأوسط استقطاب سياسي شديد الحدة نتيجة المحاور السياسية، فكل محور يحاول أن يفرض رؤيته على الإقليم، محور تركي قطري، يقابله محور سعودي إماراتي مصري، فالتناقض بين هذين المحورين ينعكس على رؤية كل منهما في تحديد مصادر تهديد الأمن في الشرق الأوسط، فالأول يعتبر حزب العمال الكردستاني من المصادر الأصيلة في تهديد أمن المنطقة، بينما الثاني لا يرى ذلك، وربما يقدم الدعم الدبلوماسي والمالي والعسكري له، فعملية التخلص من حزب العمال الكردستاني في وسط هذا التناقض مسألة شائكة جدا.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية