غادر بابا الفاتيكان، البابا فرنسيس، العاصمة العراقية بغداد، باتجاه روما، بعد اختتام زيارته التاريخية إلى العراق والتي استمرت أربعة أيام.
وكان رئيس الجمهورية برهم صالح، على رأس الوفد العراقي في مراسم توديع بابا الفاتيكان صباح اليوم الإثنين، (8 آذار 2021).
وفي آخر محطة عامة من زيارته التاريخية إلى العراق، ترأس البابا فرنسيس بعد ظهر أمس الأحد قداساً احتفالياً في أربيل شارك فيه الآلاف وسط إجراءات صحية وأمنية، وودّع العراقيين قائلا “العراق سيبقى معي وفي قلبي”.
وبعد ثلاثة أيام حافلة بالتنقلات بالطائرة والمروحية وسيارة مصفحة، قال بابا الفاتيكان في ختام القداس “الآن، اقتربت لحظة العودة إلى روما. لكنّ العراق سيبقى دائماً معي وفي قلبي”.
وأنهى زيارته برسالة أمل قائلاً: “في هذه الأيام التي أمضيتها بينكم، سمعت أصوات ألمٍ وشدّة، ولكن سمعت أيضاً أصواتاً فيها رجاءٌ وعزاء”، قبل أن يحيي الحضور بعبارات “سلام، سلام، سلام. شكراً! بارككم الله جميعاً! بارك الله العراق!”، ثم “الله معكم!” بالعربية.
وكان البابا زار أمس أيضاً، مدينة الموصل حيث صلّى على أرواح “ضحايا الحرب”. كما زار قرقوش، البلدة المسيحية التي نزح كل أهلها خلال سيطرة تنظيم داعش، وعاد جزء منهم خلال السنوات الماضية.
وفي الموصل، أسف البابا لـ”التناقص المأساوي بأعداد تلاميذ المسيح” في الشرق الأوسط. وقال على أنقاض كنيسة الطاهرة السريانية الكاثوليكية، إن هذا “ضرر جسيم لا يمكن تقديره، ليس فقط للأشخاص والجماعات المعنية، بل للمجتمع نفسه الذي تركوه وراءهم”.
وصلّى من الموقع الأثري الشاهد على انتهاكات الجهاديين “من أجل ضحايا الحرب والنزاعات المسلحة”، مؤكدا أن “الرجاء أقوى من الموت، والسلام أقوى من الحرب”.
ثم توجه إلى قرقوش حيث أدى صلاةً في كنيسة الطاهرة الكبرى التي تشهد أيضا على الانتهاكات العديدة لتنظيم الدولة الإسلامية في شمال البلاد.
وقام بجولة بعربة غولف في المدينة وسط حشد صغير رافقه بالزغاريد والتحيات. ويعاني البابا البالغ من العمر 84 عاماً من التهاب في العصب الوركي ويواجه صعوبة في السير.
وأرغم العديد من مسيحيي العراق، بفعل الحروب والنزاعات وتردي الأوضاع المعيشية، على الهجرة. ولم يبقَ في العراق اليوم سوى 400 ألف مسيحي من سكانه البالغ عددهم 40 مليوناً بعدما كان عددهم 1,5 مليون عام 2003 قبل الاجتياح الأميركي للعراق.
واكتست هذه المحطة أهمية كبرى، لا سيما أن محافظة نينوى وعاصمتها الموصل، تشكّل مركز الطائفة المسيحية في العراق، وقد تعرّضت كنائسها وأديرتها التراثية العريقة لدمار كبير على يد التنظيم.
وقال البابا في كلمته من الموصل: “إنها لقسوة شديدة أن تكون هذه البلاد، مهد الحضارات قد تعرّضت لمثل هذه العاصفة اللاإنسانية التي دمّرت دور العبادة القديمة”.
ورأى المسيحيون الذين عملوا منذ أسابيع على ترميم وتنظيف كنائسهم المدمرة والمحروقة، في هذه الزيارة البابوية الأولى في تاريخ العراق، رسالة أمل.
سكان بلدة قرقوش استقبلوا البابا بسعف النخيل، قبل أن يدخل الكنيسة التي أحرقها داعش والواقعة على بعد نحو 30 كلم إلى جنوب الموصل، قبل أن يعاد ترميمها، حيث أدى فيها البابا صلاةً أشار فيها إلى ضرورة إعادة بناء ما دمّرته سنوات من “العنف والكراهية”.
وقال البابا في كلمته “قد يكون الطريق إلى الشفاء الكامل ما زال طويلاً، لكني أطلب منكم، من فضلكم، ألا تيأسوا”.
وتعرّض عشرات الآلاف من مسيحيي نينوى للتهجير في العام 2014 بسبب سيطرة تنظيم داعش، ويثق قلّة منهم حالياً بالقوات الأمنية التي يقولون إنها تخلّت عنهم، ويخشى العديد منهم حتى الآن العودة إلى بيوتهم.
وبالإضافة إلى التحديات الأمنية، تأتي الزيارة وسط تحدٍّ صحي أيضاً مع زيادة بأعداد الإصابات بكورونا حرمت الحشود من ملاقاة البابا وإلقاء التحية عليه.
وقال المتحدث باسم الفاتيكان أتيو بروني إن “هذه رحلة لها طابع خاص نظراً للظروف” الصحية والأمنية. وأضاف “لكنها مبادرة حبّ وسلام لهذه الأرض وهذا الشعب”.
وفي اليوم الثاني من زيارته التاريخية، التقى البابا السبت في النجف المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني الذي أعلن اهتمامه بـ”أمن وسلام” المسيحيين العراقيين.
كما زار مدينة أور التاريخية في ذي قار وعقد فيها حوار الأديان بمشاركة ممثلي الطوائف الدينية.
ووصل بابا الفاتيكان إلى العراق، يوم الجمعة الماضي، حيث اجتمع مع الرئاسات العراقية الثلاث وزار كنيسة سيدة النجاة في بغداد وأقام قداساً فيها بحضور عدد محدود من المصلين.