مع اقتراب الموعد الذي قطعته امام البرلمان لاستكمال التشكيلة الوزارية، لابد من وضع شعبنا وقواه الوطنية ، وشبابنا المطالب بحقوقه، أمام ما أواجه من تحديات تتطلب من الجميع التكاتف لتذليلها، وما اقوم به من مداولات وحوارات بناءة ومكثفة مع كل القوى السياسية هدفه الوصول الى ما يرضي شعبنا ويعيد الثقة بامكانية تجاوز العملية السياسية للازمة المتفاقمة التي تواجهها وتضع عراقنا أمام مفترق طرق.
لقد تصديت لواجبي واعرف مسبقاً المصاعب التي تقف امامي، والتركة الثقيلة التي ستواجهني على كل الأصعدة وفي جميع الميادين الحيوية التي ترتبط بحياة المواطنين، وأمن وسيادة واستقلال البلاد. مدركاً أن الازمة شاملة وتدخل في نسيج الدولة ومؤسساتها، وتعرقل قوتها الاقتصادية التي تعثرت خلال الفترة الماضية، فلم يتحقق ما من شأنه النهوض الشامل بالامن الغذائي للبلاد، ولا النهوض بالصناعة وتنويع واردات الدولة، وتوسيع الاستثمار، وتأهيل البنى التحتية المتآكلة.
وما زاد من الصعوبات عدم إعادة النظر بجدية في هيكلية انتاج وتسويق النفط والاهتمام بالمشتقات النفطية ، فيما أعيد في المقابل تدوير أزمة الفساد الاداري والمالي، وتفكك الكثير من اجهزة استكمال الدولة ومؤسساتها. وبدلاً من تشجيع الاستثمارات وقطاعات العمل واعادة تشغيل المصانع المتعثرة بتأمين ما تحتاجه لاستيعاب الايدي العاملة العاطلة ، جرى رفع مستوى التضخم الوظيفي في اجهزة الدولة وما ينطوي عليه من استنزاف للموارد وبطالة مقنعة.
كل ذلك جعل التحديات التي تواجه اي حكومة مضاعفة. ومع معرفة كل هذه الصعوبات استجبت لتحمل المسؤولية معتمداً على تفهم الكتل والقيادات السياسية ، وقبل ذلك جمهور شعبنا المبتلى، والمظلوم، والمطالب بحقوقه الطبيعية، لضرورات المرحلة، خصوصاً وأن التدني الخطير في موارد البلاد مع انهيار أسعار النفط يحتم على الحكومة البحث في كل الاتجاهات لإيجاد مصادر عاجلة لتسديد رواتب العاملين في الدولة، وتغطية النفقات الضرورية لتسيير شؤون والتزامات المؤسسات، وفي مقدمتها تامين سلامة المواطنين من جائحة كورونا.
إنني اذ اضع هذه الوقائع امام شعبنا والقيادات السياسية، اؤكد مجدداً ان العراق أكبر من التحديات والازمات والمشاكل مهما بلغت، واننا بحاجة الى التعاون والتظافر مع كل قوى شعبنا من كتل برلمانية واحزاب سياسية وفعاليات اجتماعية وثقافية ، وبتفهم من شبابنا المتظاهرين، بما يمكّن الحكومة القيام بواجبها.
وهذا الدعم مطلوب الآن من الكتل السياسية البرلمانية للمساعدة في استكمال التشكيلة الوزارية عبر التصويت على قائمة المرشحين للوزارات الشاغرة، من اجل المضي في وضع الخطط العملية لانجاز ما أوكل الى الحكومة من مهام المرحلة الانتقالية، والاستجابة للتطلعات المشروعة للمواطنين بتوفير الحد الممكن من الخدمات وسبل العيش الكريم وايقاف الانتهاكات والتجاوزات التي يتعرضون لها، واعادة ابنائهم الذين تعرضوا للاعتقال والتغييب.
ينبغي ان لا يغيب عنا جميعاً اننا نجد أنفسنا بعد سبعة عشر عاماً ، في وضعٍ لا نُحسد عليه، فسيادتنا استمرت منقوصة او منتهكة او معرضة للشكوك، وأراضي بلادنا يراد ان تصبح ميداناً لصراع الاخرين، وأمن مواطنينا مهدد ، لا من استمرار داعش وخلاياها النائمة، بل وايضاً من السلاح المنفلت خارج إطار الدولة ، وكل مظاهر الفساد ونهب المال العام وتبديد الثروات، والمستوى غير المقبول لتصنيف العراق على صعيد التعليم والصحة والخدمات. فيما لم تعد البطالة ظاهرة يمكن إحتواؤها، بل تجاوز عدد العاطلين وخصوصاً من بين الخريجين الى مستويات لم تبلغها في اي ظرف سابق. وبات خط الفقر، يضم امهات وعائلات الشهداء الذين جادوا بارواحهم دفاعاً عن الوطن.
ورغم ان الثروة التي دخلت خزائن العراق على مدار السنوات ال ١٧ الماضية ، كانت تكفي لإعادة بناء البلاد وتأسيس صندوق المستقبل، فان الفساد قد استنزفها، وهُرّب بعضها علناً الى خارج البلاد، ولم أجد وانا أستلم المسؤولية الّا خزينة شبه خاوية!.
لقد وجدت من واجبي في ظل هذه الظروف الصعبة والمعقدة أن أضع شعبنا أمام ما نواجه من صعوبات ، من بينها التناقض بين الوعود العلنية التي أكدت على حريتي في إختيار التشكيلة الوزارية ، وما يدور وراء الكواليس من مناورات وشد من قبل البعض . وهو ما يعرقل ويعطل إستكمال الحكومة لكي تباشر مهامها بحيوية وتظافر في الجهود وصولاً الى الاهداف المعلنة.
رئيس مجلس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي