واشنطن- “ساحات التحرير”
في أيار/مايو الماضي، أمر وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو بالإجلاء الجزئي للدبلوماسيين من السفارة الأمريكية في العراق وسط تصاعد التوترات مع إيران. الآن، يقول العديد من مسؤولي وزارة الخارجية إن تخفيض عدد موظفي السفارة سيصبح دائمًيا، وهي خطوة قد تترك السفارة الأمريكية وبعدد الموظفين القليل غير قادرة على القيام بمهام مهمة مثل مواجهة إيران على الجبهة الدبلوماسية، كما تقطعت السبل بمئات الدبلوماسيين في واشنطن الذين أصبحوا غير قادرين على العودة إلى سفارتهم (في بغداد).
هذا ما أفاد به المراسل المتخصص بالشؤون الدبلوماسية والأمنية روبي غرامر في موقع مجلة “فورين بوليسي” (السياسة الخارجية) الجمعة حيث نقل عن متحدث باسم وزارة الخارجية إن هذا التوصيف للانسحاب “غير دقيق”، وقال: “لم يتم اتخاذ قرار بشأن مستويات التوظيف الدائمة، لكن مراجعة ملاك الموظفين جارية”.
لكن ثلاثة مسؤولين آخرين في وزارة الخارجية، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، قالوا إن مستويات التوظيف في سفارة بغداد التي تم التوصل إليها بعد الإجلاء في أيار/مايو الماضي تعامل على أنها إجراء دائم بحكم الواقع لموظفي وزارة الخارجية في العراق.
وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية على دراية بالمداولات الداخلية لصحيفة فورين بوليسي: “لقد اتخذوا بالفعل قراراً سياسياً بعدم إعادة هؤلاء الأشخاص”. وقال المسؤول “لكنهم لا يصفونه في الواقع بانه سحب للموظفين ويقولون انهم يراجعون أمر المغادرة وحسب.”
لا يزال يوجد في السفارة ما يقدر بآلاف الموظفين، لكن جزءاً صغيراً من موظفي السفارة يعملون مباشرة في وظائف دبلوماسية أساسية، بما في ذلك المسؤولون السياسيون والمسؤولون الاقتصاديون وموظفو الدبلوماسية العامة. معظمهم من المتعاقدين أو أفراد الأمن أو مسؤولي الوكالات الفيدرالية الأخرى، بما في ذلك مجتمع الاستخبارات. بعد الإخلاء الجزئي، صرح مسؤولان لـ “فورين بوليسي”، أن السفارة لديها أقل من 15 مسؤولًا من وزارة الخارجية غادروا بعد أن كانوا يعملون مباشرة في مهام دبلوماسية أساسية.
وزارة الخارجية الأميركية تتخلى عن العراق
وقال المسؤول الكبير في وزارة الخارجية الأمريكية، شريطة عدم الكشف عن هويته: “لقد بنينا سفارة قوية كانت تعمل لإبقاء النفوذ الإيراني في مأزق، وأوجدنا مساحة للولايات المتحدة لممارسة نفوذها، لكننا تخلصنا منها”.
وقال مسؤول آخر بوزارة الخارجية، إنه شعر وكأن وزارة الخارجية “تتخلى عن العراق”.
وكان وزير الخارجية بومبيو قد أمر بتخفيض عدد موظفي السفارة الأميركية في منتصف شهر أيار/ مايو بعد ما وصفت إدارة ترامب التهديدات الإيرانية التي تعرض الأفراد الأمريكيين في العراق بأنها “خطر كبير”. ومن بين هؤلاء الذين تم إجلاؤهم حوالي 275 من موظفي وزارة الخارجية.
ولم يؤكد المتحدث باسم وزارة الخارجية أو ينفي عدد الأفراد الباقين. حيث تقضي سياسة وزارة الخارجية بعدم الكشف عن مستويات التوظيف في السفارة لأسباب أمنية.
وعندما اكتملت في عام 2009، كانت السفارة الأميركية الجديدة في بغداد والتي تكلف بناؤها 700 مليون دولار هي أكبر وأغلى سفارة أمريكية في العالم، وبمثابة شهادة على كيفية مركزية العراق للسياسة الخارجية الأميركية منذ ما يقرب من عقدين.
هذا الوضع يتغير، وسط جدل أوسع نطاقًا داخل إدارة ترامب حول كيفية القضاء على تورط الولايات المتحدة في النزاعات المكلفة في الشرق الأوسط وأفغانستان، حتى تتزايد التوترات مع إيران. وناقشت إدارة ترامب خططًا لخفض عدد الدبلوماسيين الأمريكيين في أفغانستان والعراق كجزء من تعهد الرئيس الطويل الأمد بإنقاذ الولايات المتحدة من تلك الصراعات وإعادة توجيه وزارة الخارجية لمعالجة الأولويات العالمية الأخرى، مثل المنافسة المتزايدة مع روسيا و الصين.
عندما أعلن بومبيو أمره بإخلاء الموظفين غير الأساسيين للعراق، قال: “لقد خلصنا نظرًا للمخاطر المتصاعدة في المنطقة إلى أنه من المنطقي بالنسبة لنا أن نخرج هؤلاء الأفراد غير الأساسيين من العراق”.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية إن المغادرة المستمرة أمر “معتمد على الوضع الأمني” لكنه رفض تقديم تفاصيل. وقال المتحدث “إن ضمان سلامة موظفي الحكومة الأميركية والمواطنين الأميركيين وأمن منشآتنا هي أهم أولوياتنا”.
ويتمتع وزير الخارجية بسلطة إجلاء موظفي السفارة على أساس طارئ، وهو قرار يتم مراجعته كل 30 يومًا لمدة تصل إلى ستة أشهر. وأي تخفيض دائم لسفارة يتطلب إخطار الكونغرس.
يقول مسؤولو وزارة الخارجية الذين تحدثوا إلى “فورين بوليسي” إن العديد من الأفراد الذين أُجبروا على إجلاءهم باتوا الآن في حالة من النسيان، حيث يجلس بعضهم في فنادق منطقة واشنطن.