بغداد- مصطفى سعدون*
تسعى إيران إلى جذب أكبر عدد من السيّاح العراقيّين خلال الفترات المقبلة من أجل تحريك أسواقها، في ظلّ العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتّحدة الأميركيّة وانسحاب عدد من الشركات الأجنبيّة هناك. ولذا، تجد في السيّاح العراقيّين فرصة لتجاوز بعض هذه التحدّيات وإدخال العملة الصعبة الممنوعة من التداول بها. وضمن مساعيها في استقبال أعداد كبيرة من السيّاح العراقيّين، أعلن القائم بالأعمال الاقتصاديّ الإيرانيّ في محافظة النّجف العراقيّة عارف عباسي، في 22 حزيران/يونيو الماضي، عن “زيادة إصدار تأشيرات الدخول من النّجف إلى إيران إلى 5 آلاف تأشيرة يوميّاً”.
وكانت القنصليّة الإيرانيّة في محافظة النجف أصدرت حتّى أيّار/مايو الماضي 2500 تأشيرة يوميّاً، وبدأت بمضاعفتها إلى 5 آلاف منذ بداية تمّوز/يوليو الحاليّ.
ويعتقد عارف عباسي أنّ سبب زيادة إصدار التأشيرات يعود إلى “تفضيل العراقيّين السفر إلى إيران للسياحة والتبضّع والعلاج، نتيجة الاستقرار الأمنيّ فيها”.
وفي هذا السياق، قال معاون السفير الإيرانيّ في بغداد موسى طباطبائي لـ”المونيتور”: “إنّ عدد الزوّار العراقيّين لإيران يزداد في كلّ عام، للسياحة الدينيّة والعلاج، وكذلك لزيارة أقاربهم، ونزيد من عمليّة إصدار التأشيرات حسب الطلب عليها”.
أضاف: “بين مليونين و3 ملايين عراقيّ، يزورون إيران سنويّاً، وقد يزداد هذا الرقم مع حذف رسوم التأشيرات بين البلدين”.
حاول موسى طباطبائي ألاّ يتحدّث عن حاجة بلاده إلى السيّاح العراقيّين. ولذا، عزا مضاعفة إصدار التأشيرات إلى الازدياد السنويّ الطبيعيّ في أعداد السيّاح.
وخلال الزيارة التي قام بها الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني للعراق في آذار/مارس الماضي، اتّفقت الدولتان على إلغاء رسوم تأشيرات الدخول بينهما، رغم أنّ إيران كانت تريد إلغاء التأشيرات بشكل كامل، لكنّ العراق رفض ذلك، بينما قضى اتفاق بين الحكومة الإيرانيّة وحكومة إقليم كردستان العراقيّ بدخول الإقليم من دون تأشيرة ودخول مواطني الإقليم إلى إيران أيضاً.
أمّا قرار إلغاء رسوم التأشيرة فلم يرحّب به عضو اللجنة الماليّة في مجلس النوّاب العراقيّ حمه رشيد، الذي قال في آذار/مارس الماضي: “إنّ الإجراء يصبّ في مصلحة إيران فقط، نظراً لدخول أكثر من 7 ملايين إيرانيّ إلى العراق سنويّاً، لزيارة العتبات المقدّسة في محافظات بغداد، وصلاح الدين، وكربلاء والنّجف، وسط البلاد”.
كان حمه رشيد يشير إلى أنّ العراق هو المتضرّر من عمليّة إلغاء الرسوم، كون الإيرانيّين الداخلين إلى العراق سنويّاً أكثر من عدد العراقيّين الذين يدخلون إلى إيران، وهو بين مليونين و3 ملايين سائح وزائر.
كانت تكلفة رسوم التأشيرة قبل أن تلغى تكلّف العراقيّين 52 دولاراً أميركيّاً تقريباً، بينما اليوم لا تكلّفهم سوى 3.5 دولار أميركيّ، في حال طلبوا مساعدة مكاتب السياحة والسفر، بينما يستطيعون الحصول عليها مجّاناً من قبل السفارة والقنصليّات الإيرانيّة مباشرة.
تعمل إيران على جذب السيّاح العراقيّين بطرق أخرى غير زيادة إصدار التأشيرات، من خلال إيجاد أماكن سياحيّة جديدة غير تلك التي كان يزورها السائح العراقيّ سابقاً. ولذا، كانت مدينة عيلام القريبة من الحدود العراقيّة وجهة جديدة تروجّ لها إيران لجذب السيّاح العراقيّين، حيث وصلت إليها في 8 حزيران/يونيو، القافلة العراقيّة الأولى المكوّنة من 147 سائحاً.
لم تقف المشاريع الإيرانيّة في جذب السيّاح العراقيّين عند هذا الحدّ فحسب، بل تسعى إيران إلى إنشاء خطّ جويّ مباشر بين محافظة أردبيل الواقعة بالقرب من الحدود مع أذربيجان والمطارات العراقيّة، وهذا كلّه يؤشّر إلى أنّ السائح العراقيّ هو أوّل المستهدفين بالنّسبة إلى مروّجي السياحة في إيران.
يذهب العراقيّون إلى إيران، ليس لغرض السياحة بمفهومها العام أو للسياحة الدينيّة، وإنّما للسياحة الطبيّة حصّة كبيرة من توافد العراقيّين إلى هُناك، فزراعة الشعر وإجراء العمليّات الجراحيّة تجذب السائح العراقيّ. ولذا، كثّفت طهران تركيزها على هذا الملف ووقّعت في 19 حزيران/يونيو الماضي مذكّرة تعاون طبيّ مع بغداد.
قالت المستشارة الاقتصاديّة السابقة في وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدنيّ العراقيّة سلام سميسم لـ”المونيتور”: “إنّ السيّاح العراقيّين الآن هم المنفذ الوحيد بالنّسبة إلى إيران، الذين يساعدونها على تحريك أسواقها وتنشيط السياحة فيها، فالعراقيّون وحدهم يذهبون إلى هناك حاليّاً، فضلاً عن عمليّات شراء العقارات والتبضّع التجاريّ”.
أضافت: “إنّ عمليّة مضاعفة إصدار التأشيرات للعراقيّين، ستفسح مجالاً أكبر للعراقيّين بزيارة إيران. كما أنّ السائح العراقيّ سيُنشّط الإقتصاد الإيرانيّ، فكلّ سائح يصرف ما لا يقلّ عن ألف دولار خلال زيارته”.
وإذا ما حسبنا وفق إحصائيّة سلام سميسم بأنّ كلّ عراقيّ يذهب إلى إيران يصرف ما لا يقلّ عن ألف دولار، مع 5 آلاف تأشيرة يوميّاً، فهذا يعني أنّ 5 ملايين دولار أميركيّ تدخل السوق الإيرانيّة على الأقلّ عن طريق السائحين العراقيّين”.
وتحدّث مواطنون وأصحاب شركات سياحة وسفر في محافظة ميسان المحاذية لإيران – جنوبيّ شرق العراق، عن “إيجابيّة” إلغاء رسوم التأشيرات بين البلدين وزيادة أعداد إصدارها، وبحسب قولهم، فإنّ هذا سهّل على العراقيّين التفكير أكثر بزيارة إيران التي يزورها “أغلب” سكّان هذه المحافظة لأغراض السياحة العلاجيّة.
وفي المحصّلة، فإنّ الأسواق العراقيّة كانت وما زالت ملاذاً للمنتج الإيرانيّ، وإنّ السائح العراقيّ هو الآخر محطّة تنشيط مستمرّ للاقتصاد الإيرانيّ الذي يعاني هذه الفترة تحديداً من جرّاء عقوبات واشنطن المفروضة على طهران، لكن هذا لا يعني أيضاً أنّ إيران تخلو من عوامل الجذب السياحيّ، منها التكاليف التي تناسب السائح العراقيّ البسيط.
*عن موقع “المونيتور”