متابعة “ساحات التحرير”
يشكّل مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بضربة أميركية في بغداد تصعيدا كبيرا ويثير الخشية من ردّ عنيف من إيران وحلفائها في المنطقة ضد دول الخليج التي تدرك أن مصلحتها تكمن في تجنّب أي مواجهة مباشرة، بحسب خبراء.
وقتل سليماني والقيادي الكبير في الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس فجر الجمعة في قصف جوي أميركي قرب مطار بغداد الدولي أمر به الرئيس دونالد ترامب، بعد ثلاثة أيام من مهاجمة السفارة الأميركية في بغداد.
وتوعّدت طهران سريعا بالانتقام لمقتل سليماني، وصدرت تهديدات عن حلفاء إقليميين لها، بينهم قوات الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان والمتمردون في اليمن.
وتقول الخبيرة في شؤون الخليج سنام فاكيل من معهد “تشاتام هاوس” البريطاني لوكالة فرانس برس “إنها اللحظة التي كان يخشاها المحللون ويحذرون منها، وهي دعوة حلفاء إيران للتحرك لدعمها”.
وتضيف أنّ هذه التحالفات التي بقيت منفصلة قد تعمل معا بطريقة عابرة للحدود.
وتتابع “هل ستكون هناك عملية عسكرية منسقة بين الحوثيين وحزب الله والحشد وإيران؟ هذا هو السيناريو الأكثر قتامة”، مشيرة إلى أنّ جبهة العراق تبدو الاكثر هشاشة في هذا المجال.
ومن هذا المنطلق، دعت الولايات المتحدة مواطنيها إلى مغادرة العراق فورا، بينما طالب مسؤولون عراقيون وأوروبيون، والصين ومنظمات دولية، بضبط النفس.
ودعت الإمارات، حليفة الولايات المتحدة والسعودية، على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش إلى عدم التصعيد واعتماد الحلول السياسية، في أول تعليق خليجي على الأحداث الأخيرة.
وكتب المدير التنفيذي للإعلام والاتصالات الاستراتيجية في المجلس الوطني للإعلام الحكومي جابر اللمكي على حسابه على “تويتر”، “إنه تصعيد كبير في مرحلة من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، والمنطقة غير قادرة على تحمل توترات إضافية”.
قلق شديد
وبحسب فاكيل، على السعودية وجيرانها أن “يشعروا بالقلق الشديد من التبعات والمخاطر على مجتمعاتهم واقتصاداتهم”.
وخلال الأشهر الماضية، تصاعدت التوترات بين واشنطن والرياض من جهة، وطهران من جهة أخرى، بعد سلسلة هجمات على ناقلات نفط ومنشآت نفطية اتّهمت إيران بالوقوف خلفها، وبينها ضربة غير مسبوقة ضد شركة أرامكو في شرق المملكة في سبتمبر الماضي أدّت إلى توقف نحو نصف إنتاجها لأيام.
وقالت واشنطن إنّ إيران هي التي شنت الهجوم، رغم تبنّيه من جانب الحوثيين في اليمن الذين تقاتلهم السعودية والإمارات على رأس تحالف عسكري منذ مارس 2015.
ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط أندرياس كريغ من جامعة “كينغز كولدج” البريطانية أنّ أبوظبي والرياض “تشعران بقلق كبير بعد الأحداث الأخيرة في العراق وسط خشية من رد إيراني ضد القوات الأميركية المتمركزة على أراضيهما”.
ونفذت الولايات المتحدة الثلاثاء ضربات جوية ضد مجموعات موالية لإيران في العراق ما أدى إلى مقتل 25 مقاتلا. وردّ أنصار قوات الحشد الشعبي العراقي الموالي لإيران بمحاولة اقتحام السفارة الأميركية في بغداد.
ودانت دول الخليج الهجوم على السفارة. ويرى كريغ أنّ أيا من هذه الدول لا “تريد الانجرار في دوامة التصعيد والعنف”.
“رسالة قوية”
وقبل مقتل سليماني والضربة ضد “كتائب حزب الله” العراقي المؤيّد لطهران، اكتفت الولايات المتحدة بردود خجولة على إيران عبر تهديدها وزيادة عديدة قواتها في المنطقة، ما دفع الرياض وأبوظبي إلى اعتماد مقاربة أقل عدائية تجاه إيران “لتفادي أي مواجهة معها، وبأي ثمن”، وفقا لكريغ.
ويقول خبراء إنّ الجماعات العديدة المؤيدة لإيران في المنطقة قد تقوم بتنفيذ هجمات ضد القواعد الأميركية في دول الخليج أو ضد ناقلات نفط أو ضد السفن التجارية في منطقة مضيق هرمز الذي يمكن لطهران إغلاقه في أي وقت.
كما يمكنها استهداف القواعد المتعددة التي ينتشر فيها الجيش الأميركي في العراق أو في سوريا أو السفارات الأميركية الأخرى في المنطقة، إضافة الى مهاجمة حلفاء واشنطن مثل إسرائيل أو السعودية أو حتى الدول الأوروبية.
بالنسبة إلى عزيز الغشيان المتخصّص في العلاقات الدولية في الشرق الأوسط، فإن مقتل سليماني ربما يؤدي إلى “الحد من تصرفاتهم” العدائية.
ويقول لوكالة فرانس برس “لهذا السبب، فإن الضربات الأميركية مهمة. لقد بعث الأميركيون برسالة قوية الى إيران وحلفائها: إذا كان المسؤولون الأميركيون مستهدفين، فسيكون هناك رد قوي”.
ويرى أن الاحتمال الأكبر هو أن تتجنّب إيران استهداف الموظفين الأميركيين، لكنها قد تلجأ “لأهداف سعودية او إماراتية، وإن بطريقة رمزية، للادعاء بانها ترد على الولايات المتحدة”.