حظي خطاب رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والسبعين، بإشادة واسعة من الأوساط السياسية والنيابية، لما تضمنه من نقاط أساسية وجوهرية أزالت الصورة النمطية المأخوذة عن العراق خارجياً، واستعرض محاور مهمة جداً من الواقع العراقي والبرنامج الحكومي الذي يسعى رئيس الوزراء إلى تحقيقه ونجاحه.
نواب ومحللون سياسيون، وصفوا خطاب رئيس الوزراء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بـ(الرسالة العميقة) و (الذكاء السياسي) و (الدبلوماسية المنتجة)، فيما استعرضوا أبرز مضامينه والمحاور المهمة التي وردت في الخطاب.
نقاط أساسية.. ملامح خطاب رئيس الوزراء
عضو مجلس النواب، عادل الركابي، أشرّ أهم النقاط الأساسية والمهمة التي مثلت خطاب رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والسبعين.
وقال الركابي ، إن “رئيس الوزراء، أكد على ثوابت العراق في ميدان السياسة الخارجية والداخلية، وأكد على جملة نقاط أساسية تضمنها الخطاب من منبر الأمم المتحدة أولها عدم السماح بأن يكون العراق منطلق الاعتداء على جيرانه كافة، وفي الوقت نفسه يشدد العراق ويؤكد على رفض التدخل في شؤونه الداخلية”.
وأضاف: “كذلك أكد رئيس الوزراء، أن العراق عامل استقرار في المنطقة وعنصر التوازن بين دولها، وكذلك علاقاته مع المجتمع الدولي المتوازن، كما أكد على موضوع التغير المناخي وأن العراق من أشد الدول تضرراً من التغير المناخي، ودعا إلى إقامة تكتل إقليمي من أجل مواجهة هذا التغير وأثره على العراق ودول المنطقة الأخرى، وأكد على حقوق العراق التاريخية والقانونية وفق الوثائق الشرعية الدولية وحصته من مياه نهري دجلة والفرات، ودعا دول الجوار وبالأخص تركيا إلى الالتزام بهذه الحصة المقررة قانونياً”.
ولفت إلى أن “رئيس الوزراء، أكد أيضاً على رفض العراق لسياسة المحاور والانضمام لأي محور ضد آخر، وإنما يقيم علاقات متوازنة مع مختلف دول المنطقة مبنية على المصالح المشتركة وقاعدة الاحترام المتبادل وضمان استقرار العراق أمنياً وسياسياً والمضي في بناء البلد وإعادة إعمار ما دمرته الحروب المتعاقبة في زمن الدكتاتورية”.
وتابع: “كذلك أكد رئيس الوزراء، على أهمية التوافق بين المركز والإقليم في بناء علاقة متوازنة تحفظ حقوق مختلف مكونات الشعب العراقي بما فيها المحافظات التي يتكون منها الإقليم، وكذلك دعا إلى دعم الدول الصديقة الشقيقة بمساعدة العراق بإعادة أمواله التي سرقت في الفترات الماضية بسبب الأحداث المتعاقبة التي مرت في البلد، وبسبب الكثير من الفاسدين الذين هربوا واستقروا في دول مختلفة، ودعا هذه الدول إلى التعاون في إعادتهم والأموال التي بحوزتهم”.
وأردف بالقول: “كما أكد أن العراق حالياً يسير باتجاه البناء والإعمار والتنمية بعيداً عن المشاكل والأزمات التي خلقت في الزمن السابق”، مؤكداً أن “هذه النقاط الأساسية والمهمة مثلت ملامح خطاب رئيس الوزراء في الأمم المتحدة”
تصحيح المسار ومحاربة الفساد
من جانبها، قالت عضو مجلس النواب رقية النوري إن “خطاب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، شخص عدة نقاط مهمة تقع ضمن برنامج الحكومة للإصلاح الشامل، من أهمها تصحيح المسار وإعادة الثقة بالعملية السياسية، وأن حكومته منبثقة من أغلب الطوائف ومكونات الشعب العراقي ومختلف التوجهات السياسية، إضافة إلى ذلك تطرق إلى سعي الحكومة إلى توفير العيش الكريم للمواطن العراقي وبناء عراق قوي مزدهر اقتصادياً، وهي أهداف ومعايير يسعى إليها وقد لمسها المواطن على أرض الواقع بتوفير فرص العمل وتقديم الخدمات”.
وتابعت النوري: “كما تطرق إلى دور العراق المحوري في المنطقة، والسعي إلى جعل المنطقة آمنة، وتقريب وجهات النظر بين الدول المجاورة وحلحلة الأمور المستعصية، واستعراض مشروع طريق التنمية الذي سيعود بالنفع على العراق ودول المنطقة، ودعم الجانب الاستثماري للبلد، وذلك يعد دليلاً دامغاً على أن العراق الحالي عراق آمن وأرض خصبة للاستثمار”.
وأردفت بالقول: “إلى ذلك ركز رئيس الوزراء، على محاربة الفساد وأطلق تسمية جائحة الفساد وطالب الدول الصديقة والشركاء إلى التعاون من أجل القضاء على الفساد واسترجاع المبالغ المسروقة، كما أكد التزام العراق وحكومته بقرارات أوبك، وبين أن العراق بلد غني بالموارد الاقتصادية المهمة، وهو دولة نفطية مهمة في العالم والمنطقة، وحريص على التعامل مع دول العالم الاقتصادية”.
وأكملت: “كما أكد أن العراق هو المتصدي للقضاء على الإرهاب في أيام داعش الإرهابية نيابة عن العالم أجمع، وقد أعطى الدماء الزكية وحرر الأرض والعرض بفضل الفتوى المرجعية متمثلة بسماحة السيد علي الحسيني السيستاني، ودماء الشهداء والقوات الأمنية لكل صنوفها”.
وأكدت النوري “تأييدها لحكومة محمد شياع السوداني، كونها حكومة الخدمة الوطنية التي أثبتت مهنيتها وسعيها لتقديم الخدمات ورفع الجانب الاقتصادي ودعم المواطن وأمنه ومعيشته”.
دبلوماسية منتجة
مدير المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء ربيع نادر، أكد اليوم السبت، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وعلى مدى ستة أيام، قدّم بأفضل صورة خطاب العراق الرسميّ الذي يرتكز على التوازن وبناء الشراكات الاقتصادية الجادّة ومدّ جسور التعاون.
وقال نادر في تدوينة على منصة (x) تويتر سابقاً ، إن “حراكاً عراقيّاً مهماً ونشطاً في نيويورك، تضمن اجتماعات ولقاءات بعددٍ غير مسبوقٍ من الزعامات والقادة لبلدانٍ من اتجاهاتٍ وقارّاتٍ مختلفة، والرابط المشترك بين جميعها الرغبة الكبيرة بالانفتاح على العراق والعمل به”.
وأضاف أن “رئيس الوزراء وعلى مدى ستة أيام، قدّم، -بأفضل صورة- خطاب العراق الرسميّ الذي يرتكز على التوازن وبناء الشراكات الاقتصادية الجادّة ومدّ جسور التعاون”.
وتابع نادر: “الملفتُ أنّ أغلب من التقاهم رئيس الوزراء، من قادةٍ ورؤساء، منتبهون ومتفاعلون جدًّا مع الأولويات التي يتبناها”، مشيراً إلى أن “ أكثر من رئيس دولةٍ أعرب عن الرغبة الصادقة بزيارة العراق، في تجلٍّ واضحٍ لـ(الدبلوماسية المنتجة) التي تبنتها هذه الحكومة، الحريصة على الابتعاد عن العلاقات الشكلية التي لا تتعدّى مرحلة التقاط الصور التذكارية”.
وأكد أنه “إلى جانب الرؤساء والقادة، كان هناك اهتمامٌ واضحٌ من المراكز والمؤسّسات البحثية، التي حرصت على إقامة الندوات؛ بهدف الاستماع للقناعات والسياسات التي ينتهجها رئيس الوزراء في السياسة والأمن والاقتصاد والعلاقات الخارجيّة”.
ذكاء سياسي
وقال المحلل السياسي أحمد الياسري، إن “مشاركة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في اجتماعات الأمم المتحدة مهمة لأن النظام السياسي العراقي يجب أن تكون له هوية، ويجب أن يحدد نوع استراتيجياته في ظل حالة الانقسام العالمي الموجود بين المنظومات العالمية”، مبيناً أن “العنوان الأبرز الذي ذهب به رئيس الوزراء هو أزمة المناخ لأن حالة الانقسام الدولي وعدم حضور روسيا والصين اجتماعات الجمعية العمومية، وكلمة بايدن التي جعلت بوصلة هذا الاجتماع متجهة نحو قضايا التنمية المستدامة والمناخ فكأنها قمة مناخية”.
وأضاف الياسري، أن “تركيز رئيس الوزراء، على هذه المضامين التي ترسخت على أسسها اجتماعات هذه الدورة مهم جداً ويعد ذكاءً سياسياً”، لافتاً إلى أن “رئيس الوزراء، كان موفقاً وفسح له المجال بأن يشكل الحضور العراقي بهذا المسار عند التوازن العالمي وحصل على الدعوة الأمريكية رغم عدم تحديد موعد الزيارة إلى البيت الأبيض، لكن بمجرد أن يوجه جو بايدن عبر بلينكن الدعوة لرئيس الوزراء فهذا دليل نجاح، ودليل على أن العراق بدأ يقترب من مساحة الحياد التي يجب أن يتخذها”.
وأوضح أنه “منذ العام 2021، أعلن العراق أنه ضمن المساحة الرمادية وهو ليس ضمن المنظومة الشرقية والغربية، بمعنى أنه يقترب من الجهتين”، مؤكداً أن “تركيز السوداني في كلمته على المضامين التي ركزت عليها القمة مهم جداً، وقد تجعل العراق يحصل على المزيد من الدعم في الفترة القادمة والمزيد من الحضور الدولي”.
رسالة عميقة
من جانبه، قال المحلل السياسي علي البيدر ، إن “كلمة رئيس الوزراء كانت موضوعية وواقعية أرادت نقل المشهد العراقي كما هو، وتغيير قناعة الدول الكبرى والمهتمة بواقع الشرق الأوسط والواقع العراقي الذي شهد حالة من الاستقرار والكثير من النجاحات المتحققة داخل الساحة العراقية سياسياً وأمنياً وحتى في الجوانب الاقتصادية”.
وأضاف البيدر، أن “الكلمة كانت غير إنشائية، وشملت العديد من المجالات، ولم تكن بها أي جوانب استعراضية، وحتى إن أرادت الدول أو الشركات المهتمة بالمشهد العراقي مقاطعة ما تم طرحه من قبل رئيس الوزراء مع الواقع العراقي فلن تجد أي نقطة غير واقعية”، مشدداً على “ضرورة وصول هكذا رسالة عميقة مثل ما حصل في كلمة رئيس الوزراء، أمام جمعية الأمم المتحدة، إذ كنا بانتظار هكذا مناسبة لكي ينقل من خلالها الواقع العراقي بتجرد وبشكل مطلق”.
وأشار إلى أن “هناك قضايا عديدة تطرق لها رئيس الوزراء ونقاطاً مهمة منها الجهود المبذولة في مكافحة الفقر والبطالة والفساد، وهذا الأمر يمس حياة المواطنين”، مضيفاً أنه “في قضية جوهرية تؤشر فيها قوة ومكانة العراق، أن رئيس الوزراء تحدث عن رفض العراق التدخل في شؤونه الداخلية، وهذا مؤشر إيجابي، في مقابل ذلك أكد أنه يمتلك حق الرد بالطرق المكفولة، وهذه رسالة بأن القرار العراقي اليوم داخلي ينبع من إرادة وطنية، وهذا يؤكد أيضاً استقلال قرار الدولة واستقلال موقف رئيس الوزراء ورغبته في صناعة واقع عراقي مختلف، عنوانه مصلحة العراق والعراقيين”.
إزالة الصورة النمطية
بدوره، قال الصحفي والمحلل السياسي حمزة مصطفى ، إن “كلمة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، عبرت عن وجهة نظر العراق في القضايا الإقليمية والدولية، وكان صريحاً واضحاً في هذا السياق، وعبر من خلالها عن أهمية العراق ودوره المحوري في المنطقة والعالم”.
وأضاف مصطفى، أن “الجانب الآخر في كلمة رئيس الوزراء، تناولت الأوضاع الداخلية في العراق، وبذلك لعب رئيس الوزراء دوراً مهماً في إزالة الصورة النمطية المأخوذة عن العراق عالمياً إلى حد كبير، وسلط الضوء على كل الأمور التي من الممكن أن تجعل دول العالم خاصة الدول المهتمة بالتنمية والاستقرار والاقتصاد أن تجد في العراق إمكانية العمل على كل المستويات خصوصاً على صعيد طريق التنمية الذي طرحه العراق”.
ولفت إلى أن “رئيس الوزراء وبعد طرح المشروع عبر المؤتمر الذي حضرته دول الجوار ودول مجلس التعاون الخليجي، كرر ذلك ولكن في الأمم المتحدة بحضور مختلف دول العالم، وهذه نقطة مهمة سوف تجعل إمكانية تحقيق هذا الطريق التنموي المهم أقرب من أي وقت آخر، بالإضافة إلى الجوانب الأخرى التي عرضها رئيس الوزراء، وبينها التأكيد على أن العراق بلد مستقر وسوق واعد للاستثمار، وهو بلد قادر على أن يلعب دوراً في قضايا المنطقة، وهذه نقطة مهمة كان ينبغي توضيحها ووضحها بشكل واضح وصريح”.
كلمة رئيس الوزراء
النص الكامل لكلمة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 78.
أدناه نص الكلمة:
السيدُ رئيسَ الجمعيةِ العامةِ للأممِ المتحدة
السيدُ الأمينُ العامُّ للأممِ المتحدة
أصحابَ الجلالةِ والفخامةِ والمعالي
السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه
في البداية،أتقدمُ نيابةً عن حكومةِ وشعبِ جمهوريةِالعراق، بخالصِ التعازي والمواساةِ والتضامنِ الى المملكةِ المغربيةِ ودولةِ ليبيا، حكومةًوشعباً، لحدوثِ كارثةِ الزلزالِ الذي ضربَ المغرب، والفيضاناتِ التي اجتاحتِ ليبيا،ونسألُ اللهَ تعالى الرحمةَ للموتى والشفاءَ العاجلَ للمصابين.
السيدُ الرئيس
أودُّ أن أنقلُ لكم اليومَ تحياتِ العراقِ وشعبهِ الذي كانَ من بين الدولِ الخمسين التي أسست هذه المنظمةَ العتيدةَ قبلَ ثمانيةٍ وسبعين عاماً وكان، ومازال، حتى اليومِ يؤمنُ بالمبادئِ العامةِ التي أُسست عليها، ويسهمُ في جميعِ برامجها، إيماناً منه بأنَّهُ لا سبيلَ أمامنا سوى التآخي والتعاضدِ الإنساني من أجلِ الوجودِ الآمنِ المستمرِّ للعالمِ اجمع.
الحضورُ الكريم
إن إرادةَ الاتفاقِ والتفاهمِ تغلبت في العراقِ الجديد، ونجحنا بتجاوزِ أيّامٍ صعبة، لتولدَ حكومتُنا الحاليةُ التي يقفُ خلفها ائتلافٌ سياسيٌ واسعٌ يضمُّ كلَّ الأطيافِ والمكوناتِ العراقية.
تبنت هذه الحكومةُ برنامجاً إصلاحياً شاملاً وطموحاً، لتصحيحِ المسارِ وإعادةِ الثقةِ بالنظامِ السياسي وتوفيرِ العيشِ الكريمِ للمواطنِ وتأمينِ مستقبلهِ وبناءِ عراقٍ قويٍ مقتدر، وعلى هذا المسار، وضعنا برنامجاً يحملُ أولوياتٍ حاسمة، تمثلُ ملفاتٍ لا يمكنُ التهاونُ في تنفيذِها، تقعُ في صُلبِ احتياجاتِ شعبِنا.
وتركزت هذه الأولويات، على توفيرِ فرصِ العمل، وتحقيقِ نهضةٍ واسعةٍ في الخدمات، ومحاربةِ الفقرِ ورفعِ المستوى المعاشي، ومكافحةِ الفساد، وتجذيرِ الإصلاحاتِ الشاملةِ في الجوانبِ الاقتصاديةِ والإدارية، وفي القطّاعِ المالي والمصرفي؛ لتجاوزِ الموروثِ الواهنِ للنظمِ الإداريةِ السابقة، التي لم تكنْ قادرةً على تلبيةِ التحولاتِ واللحاقِ بالتطوّرِ العالمي.
ولقد قطعنا شوطاً مهماً في هذا المسارِ خلالَ مدةٍ زمنيةٍ قياسية، وتطورتِ البيئةُ الاستثماريةُ في العراقِ لتنفتحَ على الاقتصادِ العالمي وعلى الشراكاتِ المُثمرة، وجرى توقيعُ العديدِ من الاتفاقياتِ في قطاعاتٍ مختلفة، وصارَ العراقُ بيئةً آمنةً تجذبُ المستثمرين إلى فرصٍ واعدةٍ كبيرة.
ومازال العراقُ بلداً نفطيّاً مهماً، ودولةً محوريةً في سوقِ الطاقةِ العالمي، ويتوافرُ على فرصٍ ومشاريعَ وأعمالٍ عاليةِ الأهميةِ في هذا المجال، وأطلقنا مشروعَ طريقِ التنمية، المشروعَ الرائدَ والأحدثَ في المنطقة، وهو القناةُ البرّيةُ الحيويةُ الرابطةُ بينَ أجزاءٍ اقتصاديةٍ أساسيةٍ في منطقتنا النامية، والطريقُ الأنسبُ والأفضلُ للتجارةِ والتبادلِ الاقتصادي في المنطقة، وفي فضاءِ النقلِ والاقتصاد، باتَ يمثّلُ رؤيةً عراقيةً إستراتيجية، للترابطِ والتواصلِ مع العالم، والتفاعلِ الاقتصادي الإيجابي.
لقد أوردتِ العديدُ من المؤسساتِ الدوليةِ تقاريرَ تتحدثُ عن تفشي الفسادِ في العراق، ونحنُ شخّصنا هذه الآفةَ وأطلقنا عليها مصطلحَ “جائحة الفساد”، وجعلنا مُحاربتها أولى أولوياتِنا.
وشرعنا بملاحقةِ المطلوبين أينما وجدوا، ومهما كانت مناصبُهم وانتماءاتُهم، وتسليمُهم للقضاء، لغرضِ القضاءِ على هذه الآفة، ومن هنا نطلبُ من الدولِ الصديقةِ والشريكةِ أنْ تمُدَّ لنا يدَ العونِ في مكافحةِ الفساد، بجميعِ مراحله، وتسهيلِ عمليةِ متابعتهِ والقائمين عليه، إذ يجبُ علينا جميعاً أنْ نتكاتفَ ونتعاونَ في محاربةِ الفساد، ونستردَّ الأموالَ المنهوبةَ منهم، لأننا نؤمنُ بالترابطِ بين الفسادِ والإرهاب، فأحدُهما يسندُ الآخر، وهذا ما نحاربُهُ جميعاً.
الحضورُ الكرام
لقد حرصنا على بناءِ سياسةٍ خارجيةٍ مستقلةٍ ومتوازنةٍ تستهدفُ التعاون، وترتكزُ على تقريبِ وجهاتِ النظرِ والمشتركات، وأن يكونَ العراقُ مصدرَ استقرارِ في محيطهِالإقليمي والدولي، وجزءًا من الحلِّ في أيةِ مشكلةٍ إقليميةٍ أو دولية، ورافعاً لممكناتِ التفاهمِ والتعاونِ المتبادل، مثلما نتحرّى السبلَ نحوَ شراكاتٍ بناءة تقوم على مبادئِ الاحترامِ المتبادلِ وتحفيزِ الأطرافِ المشاركة، والمساعدةِ في رسمِ السياساتِ التي تحققُ التنميةَ المستدامةَ لشعوبِنا المُحبّةِ للسلام.
وتؤكدُ حكومةُ جمهوريةِ العراقِ التزامَها بمبادئِ القانونِ الدولي، واحترامَ جميعِ القراراتِ الأممية، وتصميمَها على إقامةِ أفضلِ العلاقاتِ مع الجميع، ولاسيما دولُ الجوار، ونرفضُ التدخلَ بشؤونِ بلدِنا الداخليةِ وتحتَ أيةِ ذريعةٍ كانت، وفي الوقتِ الذي يُلزمُ فيهِ دستورُنا ألّا يكونَ العراقُ منطلقاً للاعتداءِ على الدولِ الأخرى، نطالبُ الجميعَ باحترامِ سيادةِ العراقِ وسلامةِ أراضيه، ونحتفظُ بحقِّنا باتخاذِ الإجراءاتِ المناسبة، على وفق ما أقرتهُ القوانينُ والمواثيقُ الدوليةُ لردعِ أيِّ انتهاكٍ تتعرضُ له بلادُنا.
ومن هنا نجددُ التأكيدَ على مدَّ يدِنا لجميعِ دولِ الجوارِ من أجلِ حفظِ أمنِ واستقرارِ منطقتِنا وتقدمِها وازدهارِها الاقتصادي، بما يحققُ رفاهيةَ شعوبِها.
وعلى ذاتِ المنهج، نستهدفُ تحقيقَ التكاملِ الإقليمي، وإزالةَ ما يعرقلُ التجارةَ الحرّةَ في المنطقة، وتسهيلَ انتقالِ الأشخاصِ والبضائعِ ورؤوسِ الأموالِ عبر الحدودِ السياسية، وربطَ البُنى التحتيةِ ببعضِها، وهي فواعلُ تقللُ من احتمالِ نشوبِ نزاعٍ مسلّحٍ مستقبلاً، وتحدُّ من تفاقمِ الصراعاتِ إلى حدٍّ كبير.
ونرى أمكانيةَ تحقيقِ التكاملِ الاقتصادي، عبرَ توحيدِ ومقاربةِ السياساتِ الاقتصادية، والتعريفاتِالكمركيةِ والقوانين، وربطِ البُنى التحتيةِ الاقتصاديةِ ببعضِها، عبرَ الاستثمارِ المشتركِ وعرضِ الفرص، وكبادرةٍ لدفعِ هذه الجهودِ نحوَ التقدم؛ نعملُ على تنظيمِ مؤتمرِ (بغداد ألفينِ وثلاثةٍ وعشرين)، للتكاملِ الاقتصادي والاستقرارِ الإقليمي، ولن نتخذَ من سياسةِ المحاورِ مساراً في علاقاتنا، بل نتعاملُ مع الجميعِ وفقَ مصلحتِنا الوطنية، ونحن ماضونَ في تعزيزِ مكانةِ العراقِ الطبيعيةِ في ساحةِ التعاونِ الدولي، وفعلِ كلِّ ما يعززُ الاستقرار.
وضعت حكومتُنا ملفَّ النازحين والمهجّرين، ضمن أولوياتِها واتخذتِ العديدَ من التدابيرِ الوطنيةِلإيجادِ الحلولِ المستدامةِ وضمانِ عودتِهم الطوعيةِوالآمنةِإلى مناطقِ سكناهم الأصلية، وإعادةِإعمارِ مُدنِهم المحررة، كذلك حرصنا على حسمِ ملفِّ المفقودين والذين غُيّبوا على أيدي مجرمي داعش، وتقديمِ الدعمِ المادي والنفسي لعوائلهم وإعادةِإدماجِهم.
ونمضي في العراقِ نحوَ المصادقةِ على (سياسةِ حمايةِ المدنيين) لغرضِ تأكيدِ الحفاظِ على حقوقِ الإنسانِ واحترامِ القانونِ الدولي الإنساني، من خلالِ تدريبِ القواتِ الأمنيةِ ومراقبةِ الأداءِ بما يختصُّ بحمايةِ المدنيين من الأخطاءِ التي تقعُ أثناءَ النزاعاتِ المُسلحة، كذلك حمايةُ المدنيين أثناء الكوارثِ الطبيعية، ليكونَ العراقُ أولَ دولةٍ في الشرقِ الأوسطِ تتبنى هكذا سياسة، وتخلقُ بيئةً للتعاونِ بين القواتِ الأمنيةِ والمواطنين.
ونحثُّ الخطى بثباتٍ نحو إقامةِ الانتخاباتِ المحلّيةِ للمحافظاتِ نهايةَ العامِ الحالي، بعد توقفِها لعشرِ سنوات، وهي ركنٌ من أركان اللامركزيةِ في العراقِ وجزءٌ أساسٌ من رَصانةِ النّظامِ ومؤسساتِ الدولة. وتُديرُ الحكومةُ الاتحادية، من خلالِ برامجِها الشاملةِ والمتعددة، أفضلَ العلاقاتِ مع إقليمِ كوردستان، وجميعِ محافظاتِ العراق، على نحوَ متساوٍ وهي في حوارٍ مستمرٍّ مع ممثلي الإقليم، والحكوماتِ المحليةِ في عمومِ محافظاتِ العراقِ لتحويلِ الفرصِ إلى مشاريعَ تعززُ تنميةَ المواردِ والاقتصادِ العراقي.
السيداتً والسادة
إنَّ منطقتَنا، وبلادَنا على وجهِ الخصوص، بلادَ ما بين النهرين، تتعرّضُ إلى وطأةِ آثارِ الجفافِ، الناتجِ عن التغيراتِ المناخية، والحاجةِ الملحةِ الى حفظِ الحقوقِ في مواردِ المياهِ وأحواضِ الأنهرِ الدولية.
وإنَّ المسطحاتِ المائيةَ الطبيعيةَ في الأهوار، من بين الرئاتِ التي تتنفسُ بها الكرةُ الأرضية، فضلاً عن كونِ جفافِها يعدُ خسارةً بيئيةً وتاريخيةً بحقِّ كلِّ كائنٍ حيٍّ على هذا الكوكب؛ فهي إرثٌ إنسانيٌّ وقصةٌ من قصصِ البشريةِ وتطورِها ومعيشتِها، وعلى أرضِ العراق خُطّت أولُ اتفاقيةٍ دوليةٍ وكانت تتعلقُ بالمياهِ قبلَ ألفينٍ وخمسمئةٍ وخمسين عاماً، لذلك لا يجبُ أنْ يُترك مهدُ الحضارةِ والنورِ ليموتَ عطشاً.
وستكونُ الكارثةُ البيئيةُ أشدَّ على العراقِ ودولِ المنطقة، مع ارتفاعٍ غيرِ مسبوقٍ لدرجاتِ الحرارة، مما يحوّل أشكالَ الحياةِ الطبيعيةِ إلى صعوبةٍ بالغةٍ تقتربُ من المستحيل، ومن هذا المنطلق، فإنَّ العراقَ يعملُ ويدعو إلى بذلِ المزيدِ من الجهودِ بين الدولِ الإقليميةِ المعنيةِ للعملِ معاً وإيجادِ آليةٍ فعالةٍ للتنسيقِ وتشكيلِ تكتلٍ تفاوضي ضمن اتفاقيةِ المناخ، وإلى آليةٍ متكاملةٍ لإدارةِ المياهِ العابرةِ للحدود، ومواجهةِ آثارِ الجفافِ والعواصفِ الترابيةِ وموجاتِ ارتفاعِ الحرارة، وأهميةِ تحشيدِ الجهودِ الدوليةِ والتشجيعِ الأممي لضمانِ استدامةِ مواردِ المياه.
وعلى هذا الأساس، فإننا ندعو إلى إقامةِ تجمّعٍ إقليمي، يضمُّ دولَ شواطئِ الخليج، من العراقِ وإيرانَ والدولِ الأعضاءِ في مجلسِ التعاونِ الخليجِي وهي الدولُ التي ستتعرضُ أكثرَ من غيرها لارتفاعِ درجاتِ الحرارة، ويضطلعُ هذا التجمّعُ بتنسيقِ الجهودِ الإقليميةِ لإدارةِ المياه، ومواجهةِ التغييراتِ المناخية، وتعزيزِ حمايةِ البيئة، والعملِ المشتركِ في مواجهةِ الجفاف.
وعلى الصعيدِ الوطني، قامت حكومتُنا باتخاذِ الخطواتِ اللازمةِ لتقليلِ الانبعاثاتِ وإيقافِ حرقِ الغازِ المصاحبِ وتلويثِ البيئة، كما بادرت إلى إطلاقِ عدةِ مشاريعَ في مجالِ تدويرِ النفاياتِ وتشجيعِ الاتجاهِ نحو الطاقةِ النظيفة، كذلك صادقت حكومتُنا على إستراتيجية وطنيةٍ لمواجهةِ التلوّثِ والحدِّ من تداعياتهِ للسنواتِ ألفينِ وثلاثةٍ وعشرين – ألفين وثلاثين، ويرى العراقُ أنَّ مواجهةَ التحدّياتِ تتطلبُ بناءَ مؤسساتٍ قادرةٍ على التعاملِ مع التحدياتِ الاقتصادية، والأهمُّ التحدياتُ المناخية.
الحضورُ الكرام
على الرغمِ من تعددِ التحدّياتِ العابرةِ للحدودِ التي تواجهُنا مثلما تواجهُ البشريةَ جمعاء، إلّا أننا نسعى الى تنظيمِ مواجهتِها بفعالية، في إطارِ قدراتِنا الوطنية، بالتعاونِ مع الشركاءِ والأصدقاء، وعلى رأسِ هذه التحدياتِ تقفُ المخدراتُ لتشكلَ ملفاً يعرقلُ كلَّ جهودِ التنميةِ والاستثمارِ في المواردِ البشريةِ وتنميةِ الشباب، لذلك، تبنّت حكومتُنا الاستراتيجيةَ الوطنيةَ لمكافحةِ المخدّراتِ والمؤثراتِ العقليةِ للأعوامِ ألفينِ وثلاثةٍ وعشرين – ألفينِ وخمسةٍ وعشرين، ولا بديلَ لنا كمجتمعٍ دولي، وحكوماتٍ في المنطقة، إلّا أنْ نكثفَ الجهودَ والتنسيقَ في محاربةِ المخدراتِ وكلِّ ما يتعلقُ بها من نشاطاتٍ تسهّلُ وصولَها إلى أبنائِنا ومجتمعاتِنا، ولا تَخفى عليكمُ العلاقةُ بين الإرهابِ والمخدرات.
السيدُ الرئيس
يُصنفُ العراق، وطبقاًللإحصاءاتِ السكانية، من الدولِ الفتية،إذ تُشكلُ فئةُ الشبابِ الذكورِ والإناث نسبةَ ستينَ بالمئة، من السكانِ في البلاد، وعليه حرصتِ الحكومةُ العراقيةُ على إعطائِهم الأهميةَ في برنامجِها الحكومي والنهوضِ بالواقعِ الشبابي؛ بغيةَ الاستثمارِ الأمثلِ لهم، اذ وضعتِ الحكومةُ العراقيةُ العديدَ من البرامجِ والاستراتيجياتِ والمشاريعِ والمبادراتِ لدعمِ هذه الفئةِ في مختلفِ المجالات، حيث أطلقت مبادرةَ(ريادة) للتنميةِ والتشغيل، المعنيةِ بدعمِ فئاتِ الطلبةِ والشباب، وتمكينِهم، وتطويرِ طاقاتِهم الإبداعية، من أجلِ نيلِ فرصٍ لائقةٍ في سوقِ العمل، وخلقِ حركةٍ اقتصاديةٍ فعّالة، واحتضانِ الأفكارِ العلميةِ والعمليةِ المنتجةِ وتطويرِها ورعايتِها بغيةَ تحفيزِ فئاتِ الطلبةِ والشبابِ على التفاعلِ مع متغيراتِ سوقِ العملِ والتطوّرِ التكنولوجي، واستثمارِ المهاراتِ الفرديةِ والمواهبِ والقدرةِ على الابتكارِ والسعي إلى توفيرِ آلافِفرصِ العملِ للشباب، وتأمينِ العيشِ الكريمِ لهم، كما تمَّ تشكيلُ المجلسِ الأعلى للشباب، برئاسةِ رئيسِ مجلسِ الوزراء، ووزيرِ الشبابِ والرياضةِ نائباً، وعضويةِ وزراءِ التخطيطِ والماليةِ والعملِ والشؤونِ الاجتماعيةِوالتربيةوالتعليمِ العالي والبحثِ العلمي والثقافة، وبفضلِ رعايةِ الحكومةِ العراقيةِ لقطاعِ الشبابِ والرياضةِ وبناءِالمنشآتِ والمراكزِالرياضية، فقد تمكنتِ الفرقُ الرياضيةُ والطلابيةُ العراقيةُ من حصدِ العديدِ من الألقابِ في مختلفِالمسابقاتِ والبطولات.
ولا يفوتُنا هنا، أنْ نؤكدَ جهودَ حُكومتِنا ومُضيَّها في برامجِ تمكينِ المرأة، ومنحِها حقَّها الفعّالَ بالإسهامِ في كلِّ أسسٍ عمليةٍ التنمية، فقد كانت شريكةً أساسيةً في جميعِ انتصاراتِنا على الإرهاب، ومازالت شريكةً في التغلبِ على كُلِّ الصعوباتِ ومواجهةِ التحديات.
السيدُ الرئيس
نجددُ على مسامعِ العالم، موقفَنا الواضحَ والثابتَ من الحقِّ الفلسطيني في إقامةِ الدولةِ الفلسطينيةِ المستقلةِ وعاصمتِها القدس، كما نؤكدُ دعمَ العراقِ لوحدةَ سوريا،أرضاً وشعباً، وندعو إلى رفعِ المعاناةِ عنِ الشعبِ السوري وتمكينهِفي بسطِ سلطتهِ على كاملِ الأراضي السورية.
وفي ظلِّ استمرارِ التهديدِ الذي تمثلهُ قدرةُ المنظماتِ الإرهابيةِ على تجنيدِ عناصرَ تهددُ أمنَنا وتستهدفُ دولَنا، فمنَ المهمِّ التمييزُ بين التحريضِ على العنفِ ونشرِ الكراهيةِ والاعتداءِ على معتقداتِ الآخرين من جهة، وحريةِ التعبيرِ من جهةٍ أخرى،فإنَّ حرقَ القرآنِ الكريمِ جريمةُ كراهيةٍ تستهدفُ الاعتداءَ على ربعِ سكّانِ العالم، وآخرين ينظرون باحترامٍ وتقديرٍ للمقدّسات، وهو مما لا يمكنُ سَوقُهُ على أنهُ من حريةِ التعبير.
لقد ذقنا في العراقِ مرارةَ التطرّفِ الديني، وعرفنا مآلاتِه، وهذه الأفعالَ من صلبِ الدوافعِ لخلقِ التطرفِ والتشجيعِ نحوه، ومازالت داعشُ الإرهابيةُ خيرَ مثالٍ أمامَنا.
ختاماً، لقد حانَ الوقتُ لأنْ يأخذَ العراقُ مكانهُ الطبيعيَّ في المجتمعِ الدولي، بعد نجاحِهِ الباهرِ في محاربةِ الإرهابِ نيابةً عن العالم والانتصارِ عليهِ بمساعدةِ الأصدقاءِ والشركاء، وقد سطرَ الشعبُ العراقيُّ بطولاتٍ خالدةً في مقارعةِ أعتى المجرمين، وكان الدورُ البارزُ للمرجعيةِ الرشيدةِ المتمثلةِ بآيةِ اللهِ العظمى السيد علي السيستاني وفتواهُ المباركةِ وبسالةِ جميعِ القواتِ الأمنيةِ والعسكريةِ العراقيةِ في هذه الانتصارات، وكذلك إرساءُ دعائمِ السلمِ المجتمعي.
بهذهِ الروحيةِ أصبحَ العراقُ آمناً مستقراً، وسنكملُ المسيرةَ ونعملُ من خلالِ الدبلوماسيةِ المنتجةِ بأنْ نجعلَ من العراقِ مركزاً لتلاقي الإخوةِ والأصدقاءِ والشركاء، لبناءِ إقليمٍ آمنٍ مزدهرٍ لخدمةِ شعوبِنا أجمع.
ويتميز العراقُ الآن بقوة مواردهِ وموقعهِ الجغرافي وإرادةِ شعبهِ الذي واجهَ التحدياتِ وانتصرَ عليها بكلِّ جدارة.
شكراً لحسنِ إصغائِكم.. والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.