بقلم ديفيد فوكس
تقدّم مقاتلو طالبان في ولاية بانشير، آخر جيب للقوات المناهضة، في وقت حذّر رئيس الأركان الأميركي من أن أفغانستان تواجه خطر الانزلاق في حرب أهلية أوسع نطاقا من شأنها أن توفر أرضا خصبة “للإرهاب”.
وإثر هزيمتها الخاطفة للجيش الأفغاني الشهر الماضي والاحتفالات بمغادرة آخر الجنود الأميركيين الاثنين بعد 20 عاما من الحرب، تسعى طالبان لسحق قوات المقاومة التي لا تزال تدافع عن وادي بانشير.
وينتظر أن تضع طالبان اللمسات الأخيرة على شكل نظامها الجديد، بعد ثلاثة أسابيع من سيطرتها السريعة على كابول التي يشير محللون إلى أنها شكّلت مفاجأة للحركة الإسلامية المتطرفة ذاتها.
لكن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي شكك في مدى قدرة الحركة على ترسيخ سلطتها مع تحوّلها من قوة تخوض حرب عصابات إلى حكومة.
وقال ميلي لشبكة “فوكس نيوز” السبت “أعتقد أن هناك على الأقل احتمالاً كبيراً جدا باندلاع حرب أهلية أوسع من شأنها أن تؤدي إلى ظروف يمكنها في الواقع أن تفضي إلى إعادة تشكل للقاعدة أو تنامي تنظيم الدولة الإسلامية أو.. مجموعات إرهابية أخرى”.
وتعهّد قادة أفغانستان الجدد بالحكم بطريقة أكثر تساهلا من ولايتهم الأولى التي جاءت أيضا بعد سنوات من النزاع تمثّل أولا باجتياح القوات السوفياتية البلاد سنة 1979 أعقبته حرب أهلية.
ووعدت بحكومة “شاملة للجميع” تمثّل تركيبة أفغانستان العرقية المعقّدة، رغم أنه من المستبعد أن تتولى النساء أي مناصب عليا.
لكن وعودها وقعت على آذان صمّاء في بانشير، وهو واد وعر شمال كابول صمد لنحو عقد في وجه الاحتلال السوفياتي ومن ثم خلال ولاية طالبان الأولى من العام 1996 حتى 2001.
– “أزمة أنسانية” –
وأفاد المسؤول في طالبان بلال كريمي الأحد عن وقوع مواجهات عنيفة في بانشير. وفيما أكّد عناصر المقاومة الأفغانية قدرتهم على إبعاد مسلّحي الحركة، حذر محللون من أن قوات المعارضة تواجه صعوبات.
وأفادت وكالة الإغاثة الإيطالية “إميرجنسي” (طوارئ) أن قوات طالبان وصلت إلى قرية أنابة، حيث تدير الهيئة مركزا للعمليات الجراحية.
وأفادت “إميرجنسي” في بيان السبت أن “العديد من الأشخاص هربوا من قرى في الأيام الأخيرة”، مضيفة أنها تواصل تقديم الخدمات الطبية وتعالج “عددا صغيرا من المصابين”.
وتقع أنابة على بعد نحو 25 كلم شمالا داخل الوادي البالغ طوله 115 كلم، لكن تقارير غير مؤكدة أشارت إلى أن طالبان استولت على مناطق أخرى كذلك.
وقال مدير تحرير “لونغ وور جورنال” ومقرها الولايات المتحدة بيل روجيو الأحد إن الوضع لا يزال “ضبابيا بالنسبة للمقاتلين” وسط تقارير غير مؤكدة بأن طالبان انتزعت عدة مناطق، لكن الوضع “يبدو سيئا”.
ويشير كل طرف إلى أنه كبّد الآخر خسائر كبيرة.
وأفاد روجيو الأحد أن “جيش طالبان اكتسب خبرة خلال 20 عاما من الحرب ولا مجال للشك في أن طالبان تدربت كجيش”، مضيفا أن “النصر غير مرجّح” بالنسبة لقوات المقاومة في بانشير.
وأكد أن “جيش طالبان حصل على كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة بعد الانسحاب الأميركي وانهيار الجيش الوطني الأفغاني”.
بدوره، حذّر نائب الرئيس السابق أمر الله صالح، المتواجد في بانشير إلى جانب أحمد مسعود (نجل القيادي التاريخي المناهض لطالبان أحمد شاه مسعود)، من وضع قاتم.
وتحدّث صالح في بيان عن “أزمة إنسانية واسعة النطاق” مع آلاف “النازحين جرّاء هجوم طالبان”.
ويوفر وادي بانشير، المحاط بقمم جبلية وعرة تغطيها الثلوج، ميّزة دفاعية طبيعية، إذ يمكّن المقاتلين من التخفي في وجه القوات المتقدّمة لشن كمائن لاحقا من المرتفعات باتّجاه الوادي.
– ضبابية –
واجتاحت الولايات المتحدة أفغانستان وأطاحت بأول نظام لطالبان عام 2001 غداة اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر التي نفّذها تنظيم القاعدة، فيما كانت كابول توفر له ملاذا آمنا.
وتخشى الحكومات الغربية من احتمال تحوّل أفغانستان مجددا إلى ملاذ للمتطرفين الساعين لشن هجمات.
وأكدت الولايات المتحدة أنها ستحتفظ بحقها في ضرب أي تهديدات لأمنها في أفغانستان.
ويتأقلم المجتمع الدولي مع حقيقة أنه سيتعيّن عليه التعامل مع نظام طالبان الجديد دبلوماسيا.
ومن المقرر أن يصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الاثنين قطر، التي تلعب دورا رئيسيا في مجريات الأحداث في أفغانستان وتستضيف المكتب السياسي لحركة طالبان. لكن لا يتوقع أن يلتقي الوزير عناصر الحركة.
وسيتوجّه لاحقا إلى ألمانيا لترؤس اجتماع وزاري يضم 20 بلدا بشأن أفغانستان إلى جانب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس.
كما يتوقع أن يعقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اجتماعا عالي المستوى بشأن أفغانستان في جنيف في 13 أيلول/سبتمبر يتطرق خصوصا إلى ملف المساعدات الإنسانية.
المصدر: © AFP
1994-2021 Agence France-Presse