تسمى الأفلام “الصور المتحركة” (Motion Pictures)، وهذا الاسم ليس عشوائيا، حيث إنه يلخص أصل فن السينما، التي تتكون في الأساس من صور ثابتة يتم تحريكها بسرعة محددة للحصول على وهم الحركة، والتي تصنع في النهاية الفيلم السينمائي.
وفي هذا المقال نتحدث عن التصوير السينمائي، وكيف بدأ، وإلى أين وصل:
كيف بدأت الصورة السينمائية؟
الفيلم هو خليط من الفن والعلم، فقد كانت فكرة السينما حاضرة في ذهن العلماء والفنانين لوقت طويل، ولكنهم انتظروا للحصول على العلم الكافي لصنع جهاز يقوم بأمرين مهمين: التقاط الصور المتحركة ووضعها على وسيط ما، ثم عرض الصور من على هذا الوسيط لصنع وهم التحريك.
ويمكن تعريف التصوير السينمائي بأنه فن التقاط الصور على الفيلم الخام في الماضي، والملفات الرقمية في الوقت الحالي، والمصور السينمائي (Cinematographer) أو مدير التصوير -كما يطلق عليه في الأغلب- هو المسؤول عن عملية التصوير هذه، وذلك عبر التحكم في عدد من الأمور؛ مثل الكاميرا، واختيار العدسة، والإضاءة، وتأطير اللقطات، أو تحديد أبعاد كل لقطة، وذلك بمساعدة فريق كامل، هو فريق التصوير.
ولكن عملية التصوير هي جزء من كل، حيث يشرف عليها بالكامل المسيطر الأكبر على مصير الفيلم السينمائي، وهو المخرج السينمائي، الذي يحاول مدير التصوير تحويل خياله ورؤيته للفيلم إلى صورة سينمائية.
وبدأ تاريخ التصوير السينمائي في الثمانينيات من القرن 19، عندما بدأت محاولات الجمع بين الصور لتحقيق وهم الحركة، وأول صور سينمائية محفوظة بعنوان “مشهد حديقة راوند هاي” (Roundhay Garden Scene)، التي تم تصويرها عام 1888، وكانت بطول 2.11 ثانية.
ولكن التصوير السينمائي بالصورة التي نعرفها اليوم تم تطويره على يد الأخوين لويس وأوغست لوميير، اللذين صنعا أول كاميرا سينمائية، وأول جهاز عرض سينمائي، وذلك عام 1895.
مراحل تطور التصوير السينمائي
تطور التصوير السينمائي كان مدفوعا على الدوام بتطور تكنولوجيا التصوير نفسها، ومعداته؛ فكلما ظهر الجديد -سواء في العلم أو الصناعة- استغل صناع الأفلام هذه المعطيات الجديدة في ضخ الدماء الجديدة والحيوية في أعمالهم.
الأبيض والأسود: منذ الثمانينيات في القرن 19 كانت الأفلام تصور كلها بلون واحد أو بتقنية تدعى “مونو كروم” (Monochrome)، وعلى الأغلب كانت الأفلام بالأبيض والأسود، حيث التلوين في تلك الفترة كان عبر تلوين “الكادرات”، كل واحد بمفرده، وبصورة يدوية وفرشاة رفيعة، وهو أمر متعب للغاية ومكلف كذلك.
الأفلام الملونة: هناك الكثير من الحيرة بين الباحثين السينمائيين حول أول الأفلام الملونة، حيث يشيع بين محبي السينما أن أول فيلم ملون هو “ساحر أوز” من إنتاج عام 1939، ولكن في الحقيقة هناك محاولات أفلام أخرى تسبقه، بل إن عملية تلوين الألوان بدأت منذ أوائل القرن العشرين، والمقصود هنا بالأفلام الملونة بصورة آلية خلال التصوير والتظهير، وليست الملونة بشكل يدوي.
الأفلام ثلاثية الأبعاد: وهي الأفلام التي تعطي الوهم للمشاهدين بوجود 3 أبعاد للأفلام الثنائية بطبيعة الحال، وظهرت هذه الأفلام منذ عام 1915، ولكنها لم تستخدم بصورة واسعة، وذلك لتكلفتها العالية، سواء في التصوير أو العرض، وأسهم في استخدام هذه التقنية وتطويرها ظهور التلفزيون في الولايات المتحدة، حيث بدأت الأستوديوهات استخدام هذه التقنية لجذب المشاهدين، ولكن البداية الحقيقية والقوية للأفلام ثلاثية الأبعاد هي الثمانينيات من القرن العشرين، وقد تطورت بتطور التصوير السينمائي بالتأكيد خاصة مع ظهور التصوير الرقمي، ولكن حتى اليوم لا زال التصوير والعرض ثلاثي الأبعاد (3D) مقتصرا بصورة أساسية على أفلام محدودة كل عام تنتمي إلى أنواع سينمائية مثل الأكشن والخيال العلمي والأبطال الخارقين، ومن أستوديوهات كبيرة، وذلك لأنها تحتاج إلى ميزانيات هائلة.
التصوير الرقمي: حتى بدايات القرن 21 كانت الأفلام تصور على الخام أو السليوليد، ولكن بصورة تدريجية وبعد ظهور التصوير الرقمي بدأت الصناعة تنتقل إلى هذه الوسيلة المستجدة، ورغم أن هذه التكنولوجيا بدأ تطويرها في الثمانينيات من القرن 20 فإن الاستخدام الفعلي بدأ مع الألفية الثالثة، وبداية من عام 2010 أصبح التصوير الرقمي المعتاد والأساسي في صناعة الأفلام، بينما التصوير على الخام هو اختيار شخصي ومكلف للغاية من بعض المخرجين. وأستوديو باراماونت هو أول أستديو كبير ينتقل بصورة كاملة من الخام إلى التصوير والعرض الرقمي.
وككل المجالات الإبداعية، ما زالت التكنولوجيا تغني الفن بالمستحدثات الجديدة، والإمكانات التي لم تكن متخيلة عندما كان فن السينما حلما كبيرا في نهايات القرن 19، وفي الوقت الحالي أصبح التصوير متصلا بصورة أساسية بعمليات ما بعد الإنتاج، والتلوين والمؤثرات التي تضفي على الصورة المظهر واللون والتفاصيل البصرية المختلفة، بهدف تعزيز الرؤية التي يتخيلها مخرج الفيلم.
وبالنظر للخلف لتاريخ الصناعة وتطور فن التصوير السينمائي، نتذكر كيف تطور ونحاول تخيل قدر الإمكانات المتاحة لنا في المستقبل.