كيف لفظت ثورة تشرين المثقف العراقي بسرعة وببلاغة عالية؟

علي عبدالأمير عجام*

أعظم ما قدمته انتفاضة تشرين العراقية، هو تجاوزها القيم السائدة اجتماعياً وسياسياً وثقافياً. تلك القيم التي رسختها سلطتا الديكتاتورية ومعارضوها من حكام البلاد بعد العام 2003.
صورة المثقف العراقي ومنذ عقود طويلة، هي، إلا فيما ندر، صورة مثقف السلطة الذليل، فهو لطالما كان تابعاً لسلطة الحكم أو سلطة الحزب أو سلطة المجتمع الجائر.
ولأنها كذلك حتى الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، لذا تولت تلك الحركة الاجتماعية الشابة المغايرة وضع المثقف العراقي في المكان المناسب: درجة الصفر المعنوي والمادي.
قوة هذه الحركة إنها بلا ثقافة سائدة، ولا ثقافة متداولة، بل هي منتجة ثقافة لا يعرفها الأديب والفنان والأكاديمي والصحافي أكان عبر نموذجه قبل 2003 أم بعد ذلك.


وحين تجرأت قلة من رهط هذا التكوين الذي يحمل عنوان «المثقف العراقي»، على النزول إلى ميدان الانتفاضة معلنة رغبتها الحقيقية في التعلم من جيل ما بعد 2003، جيل الغضب الثوري الحقيقي، فهي تفعل الشيء الصحيح الذي لم ولن تفعله أغلبية ذلك التكوين البائس.
المثقف العراقي (بنموذجه السائد) تقليدي في كل شيء: لغته، أفكاره، نتاجه وحضوره حتى وإن بدا بعضه مدججاً بالحداثة أو ما بعدها، بينما انتفاضة تشرين غير تقليدية في كل شيء، وهذا ما جعلها تتقاطع مع مسار المثقف العراقي وتلفظه بسرعة وببلاغة عالية.
ولأنها مغايرة لكل سلطة، جاءت الانتفاضة مغايرة لمسار المثقف العراقي التقليدي التأثير والمعنى.
من هم على صلة بجوهر الاحتجاجات، هم المثقفون العراقيون القلة الذي قالوا لا للديكتاتورية مثلما قالوا لا لسلطة الفساد المطلق والجريمة الحاكمة بعد 2003. وحتى هؤلاء لا فضل لهم ولا منّة بل كان موقفهم هذا مفترضاً وطبيعياً.

*مساهمة الشاعر والإعلامي في تحقيق نشرته صحيفة “المدى” البغدادية

Related Posts