رسالة من المعبر الحدودي الى بائع الشاي”مودي” !

رسالة من المعبر الحدودي الى بائع الشاي”مودي” !

احمد الحاج

 

من الأمثال الهندية الشهيرة قولهم “جيفة واحدة تكفي لجميع الغربان”، وبما أن” الطيور على أشكالها تقع “على قول العرب، فلقد غرد رئيس الوزراء الهندي (ناريندرا مودي) على منصة إكس” تويتر سابقا” وعقب اندلاع “طوفان الاقصى” الذي أعقب تدنيس المستوطنين الصهاينة لباحات الاقصى المبارك مرارا وتكرارا ، قائلا” أشعر بصدمة عميقة إزاء الأنباء عن الهجمات في إسرائيل “مضيفا ” نتضامن مع إسرائيل في هذا الوقت الصعب”، ليؤكد مودي وهو أول رئيس حكومة هندي على الإطلاق كان قد زار تل أبيب عام 2017 ، لنظيره النتن جدا ياهو وفي مكالمة هاتفية تلت تغريدته السابقة على “تعاونه ودعمه الكاملين للكيان الغاصب، مقدما تعازيه الحارة وتعاطفه مع قتلى هذا الكيان اللقيط وجرحاه ” وفقا لـ برس ترست أوف إنديا” متجاهلا بذلك وعن عمد الاف الفلسطينيين من الشهداء والجرحى والمحاصرين ومعظمهم من النساء والشيوخ والاطفال ، ممن يقصف الكيان المسخ وبمختلف أنواع الأسلحة والأعتدة الامريكية المحرمة دوليا والتي تهدى اليهم مجانا ، وبسخاء لانظير له ، منازلهم ومساجدهم وكنائسهم ومدارسهم ومستشفياتهم ليدمر بناهم التحتية عن بكرة أبيها، مع قطع الماء والوقود والكهرباء والغذاء والدواء عنهم كليا ، ومنع المساعدات من الدخول والوصول اليهم ، وذلك في عملية إبادة جماعية ، وعقاب وحشي هستيري علني غير مسبوق ، وسط صمت دولي مطبق ، وتأييد أوربي وأمريكي مطلق على مستوى الحكومات، يقابله غضب شعبي عارم يعم الدول والقارات، ليتغافل مودي عن 100 عام من الاضطهاد والترويع والإجرام والإرهاب الصهيوني ،والتهجير القسري ،والاعتقال التعسفي ، والظلم المتواصل للفلسطينيين لطردهم من أرضهم بغية الاستيلاء عليها أملا بتحقيق حلمهم بما يسمى بـ “اسرائيل من النيل الى الفرات “، والذي لن يدحض إطلاقا الا بـ” فلسطين حرة من النهر الى البحر” لا بـ “حل الدولتين”ولا باتفاقات ابراهام ، ولابتطبيع ، ولا بصفقة قرن ، ولا بطيخ ، فكل ما يجري في قطاع غزة حاليا إنما هدفه الحقيقي هو تهجير سكان القطاع الى سيناء تمهيدا لضمه الى الكيان ، ونقول لهم ما صدحت به حناجر المتظاهرين المتضامنين مع غزة “لاتهجير ولا توطين ، كلنا معاك يا فلسطين ” .

 

مودي الذي يسعى الى إحياء، ما يسمى بالامة الهندوسية، أو ما يعرف بـ( الهندوتفا)،والذي لايفتأ وحزبه (بهاراتيا جاناتا) اليميني من إقحامها في السياسة الهندية في كل شاردة وورادة منذ انتخابه رئيسا للوزراءعام 2014 ،لم يجد بدا من التعاطف مع الصهاينة لتلاقي النزعتين الفاشيتين ، الصهوينة من جهة، والهندوتفا من جهة أخرى نكاية بالعرب والمسلمين ممن يناصبهم “مودي” العداء الظاهر والمستتر داخل بلاده وخارجها ، وإن لم يجاهر بالخارجي منها حتى الآن، وأجزم بأنه سيفعل ذلك في القريب العاجل، ولاسيما وأن التمدد الهندوتفي قد تجاوز حاجز الـ 9 ملايين ، وبواقع أكثر من 3.5 مليون هندي في الامارات العربية وحدها، و بمعدل 30 % من مجموع السكان، ولا أستبعد مطلقا من مطالبة حكومة مودي قريبا ليس بمنح مواطنيها حقوق المواطنين الاصليين في الدول العربية والاسلامية كاملة فضلا على الجنسية والجواز والسماح ببناء المعابد الهندوسية والسيخية والبوذية في كل مكان، زيادة على عبادة القرود والبقر والفئران فحسب، بل والمطالبة بنصب تماثيلهم وتعليق تعاويذهم ورموزهم وصورهم الدينية وبيعها في الأماكن العامة،والمطالبة بحق حرق الجثث على الطريقة الهندوسية بدلا من دفنها، مع منحهم حق الترؤس والتسلطن والتأمر والتسيد والتتويج والتوزير كذلك ولات حين مناص !

 

ولابد أن نذكر “مودي” ببعض ما اقترفته يداه ، وبجانب مما نطق به لسانه منذ تسنمه مقاليد الحكم ، حيث انتهاكات لا حصر لها لحقوق الإنسان ، وتكميم للأفواه ،وكبت للحريات، واثارة للنزعات ، ولنبدأ بسعيه لفرض اللغة الهندية لغة واحدة على غير الناطقين بها بذريعة توحيد البلاد وتوطيد أواصرها على أساس سياسة” أمة واحدة ،كل شيء واحد ” على حد وصف الرجل الذي يصر على الكتابة والتحدث رسميا بالهندية فقط ما من شأنه أن يهدد لغات غير الناطقين بها ويغمط حقوقهم ، ويحرمهم من الكتابة ، والتحدث بلغاتهم الأم الأمر الذي أثار سخطا عارما في أرجاء البلاد بحسب (صحيفة الغارديان) البريطانية ، ولاشك أن فرض لغة واحدة على شعب يبلغ تعداده بحسب إحصاءات 2022 اكثر من مليار و400 مليون نسمة ، ويتميز بتعدد لغاته وتنوع طوائفه وأعراقه يعد أمرا مضحكا وخطيرا في آن واحد وفقا لخبير اللغات الهندي (غانيش ناريان).

 

هذه السياسة العنصرية المودية الفاشلة جوبهت بالرفض في عامة الولايات غير الناطقة بالهندية ، وبالاخص في جنوب وشرق البلاد التي أطلقت شعارات شتى لرفضها نحو (لانريد الهندية ) و ( لا للإمبريالية الهندية) و(تخلصوا من الهندية) ، فجميع المحاولات السابقة وعلى مدار عقود لفرض لغة وطنية واحدة في الهند قد باءت بالفشل إذ من الصعب العثور على هندي واحد (أحادي اللغة ) فهو يتلو صلواته بلغة خاصة ، ويشاهد الأفلام بلغة ثانية ، ويتحدث مع عائلته بلغة رابعة، ويتحدث الانجليزية كلغة خامسة في حياته المهنية والوظيفية بحسب خبير اللغات “جانيش ديفي” وبالتالي فإن حذف جميع اللغات الأخرى سيؤدي إلى تقليص عدد المتحدثين باللغة الهندية إلى حوالي 27٪ وفقا لصحيفة الغارديان !

 

وأنوه الى نقطة في غاية الأهمية يذهل عنها كثيرون ألا وهي المحاولات الحثيثة لاجتثاث الغاندية ..موديا، فالغاندية التي أرسى دعائمها المهاتما غاندي ، والتي تدعو الى نيل الحقوق من دون استخدام العنف ، مع تقبل الأديان والثقافات والأعراق والمعتقدات والطوائف داخل الهند، بما في ذلك طبقة المنبوذين أو “الداليت” وتضم 250 مليون نسمة ، والتي حاول غاندي جاهدا دمجها بالمجتمع الهندي ، وبسلم الطبقات الهندوسية الأربع ، طبقة البراهمة (الكهنة) ، و كشاتريا (العسكريون ) ، وفايشيا (التجار) ، و شودرا (الخدم ) وفقا لوكالة الأناضول ، الا أن عقيدة رئيس الوزراء (مودي) وحزبه الحاكم (بهاراتيا جاناتا ) المتطرفة (هندوتفا) تتقاطع كليا مع نهج المهاتما غاندي ما دفع الـ” موديين” الى تهميش الـ” غانديين” بالتدريج تمهيدا لتحويل الهند الى دولة قومية هندوسية محضة تحل بدلا من الـ (غاندية) اللاعنفية والديمقراطية .

 

والحق يقال بأن الواقع الهندي الحالي يؤكد بأن لا مكان لأحدهما في الهند لأن الغاندية التي تناهض التمييز العنصري ، وتؤمن بمبدأ اللاعنف، وبمعارك الامعاء الخاوية،وبالمقاطعة الاقتصادية، وبالاضرابات والاعتصامات السلمية اضافة الى العصيان المدني السلمي ، واحترام الأقليات العرقية والدينية ، وكلها أشكال متعددة لسياسة اللاعنف التي تبناها وقتل وناضل من أجلها غاندي والتي يكمل مسيرتها اليوم “راهول غاندي “وحزب المؤتمر الوطني المعارض الذي يتزعمه ، و “راهول غاندي” هذا ولمن لايعرفه هو ابن راجيف غاندي، وسونيا غاندي ،وهو حفيد السياسية الشهيرة أنديرا غاندي ، أما عن جده الاكبر فهو جواهر لآل نهرو!

فهذه المبادئ مجتمعة تقاطع كليا مع سياسة مودي وحزبه بهاراتيا جاناتا ، وعقيدة الهندوتفا ولاسيما وأن مودي لايريد فرض اللغة الهندية فقط على شعب متنوع الاعراق والاديان والطوائف يتحدث الهندية والإنجليزية والبنغالية أو التيلوغوية والأردية اضافة الى الاسامية الكونكانية و الكجراتية والتاميلية فضلا على الكنادية والبنجابية والنيبالية ، لأن دستور عام 1949 ينص على عدم فرض لغة وطنية واحدة في البلاد لتتمتع الولايات الهندية بصلاحيات تحديد اللغات الرسمية الخاصة بها ، بل ويرد مودي ما هو أبعد من ذلك ايضا وذلك بتغيير اسم الهند الى كلمة مشتقة من السنسكريتية القديمة ألا وهي ” بهارات” وأصلها ” بهاراتام” وتعني أرض الجنوب ، وقد وجه مودي الدعوات الى الوفود المشاركة بقمة العشرين المنعقدة في نيو دلهي في أيلول 2023 تحت هذا المسمى المريب الذي أثار جدلا واسعا لم يهدأ بعد،وفقا لبي بي سي .

 

الأمر الآخر أنه وعلى النقيض من حزب المؤتمر الوطني ورئيسه الحالي “راهول غاندي” وقد عرف آل غاندي وحزبهم بالنضال المرير ضد الاستعمار البريطاني،وارساء الديمقراطية بعد تخلصهم من ربقة الراج البريطاني ، فإن حزب (بهاراتيا جاناتا) الذي يتزعمه مودي له تاريخ طويل من الراديكالية الممزوجة بالشوفينية، ففي الـ 30 من كانون الثاني / 1948 وعندما سقط غاندي عن عمر ناهر 79 عاما مضرجا بدمائه بعد تلقيه ثلاث رصاصات اطلقها عليه قومي هندوسي متطرف يدعى (ناتهورام غودسي) تبين أن قاتله هو أحد الاعضاء السابقين بمنظمة (آر إس إس) وهي منظمة يمينية قومية هندوسية هدفها تشكيل ما يسمى بـ(الهندوس راشترا ) أو (الامة الهندوسية) وبما يتطابق كليا مع الاهداف التي يحملها ويروج لها حزب (بهاراتيا جاناتا) بقيادة ناريندرا مودي، ولقد كان الرجل عضوا بارزا في ذات الحزب الذي ينتمي اليه قاتل غاندي وأعني به حزب (راشتريا سوايا مسيفاك سانج) ويسمى اختصارا بـ (آر إس إس) ، وهو حزب متطرف يروج للـ” هندوتفا ” أو “الفاشية الهندية الكلاسيكية” وقد صارت هذه العقيدة جزءا لايتجزأ من السياسة المودية فور تسنم مودي مقاليد الحكم في البلاد ولم تختلف النهاية المأساوية لإبنة غاندي الروحية ، ورئيسة وزراء الهند السابقة انديرا غاندي ، والتي عانت وحزبها – المؤتمر الوطني – طويلا من معارضة القوميين الهندوس حيث قضت برصاص بعض حراسها الشخصيين من طائفة السيخ في تشرين الأول/ أكتوبر 1984 على خلفية أحداث المعبد الذهبي ، كذلك الحال مع ابنها رئيس الوزراء الاسبق راجيف غاندي،الذي اغتيل في ايار / عام 1991 على يد أحد اذرع منظمة “نمور التاميل” لتبدأ بعدها حقبة اغتيال الغاندية واقصائها وتهميشها واجتثاث شأفتها سياسيا وفكريا وثقافيا ومعنويا في أرجاء الهند التي تضم 6 ديانات رسمية رئيسة اضافة الى عشرات الديانات المتفرعة عنها و300 طائفة عرقية و 22 لغة معترف بها رسميا !!

 

يا مودي إن دستورالهند يكفل حرية العقائد والاديان ويضمن التعددية الحزبية وكل ذلك قد صار أثرا بعد عين مذ توليك السلطة ومحاولة تحويلك الهند من حصن للديمقراطية والتعايش السلمي ،الى حاضنة قومية للاقصاء والتهميش وبما أعاد كل الحسابات ، وقلب جميع الموازين ، وأنت لا تدخر وسعا ، ولا تألوا جهدا للنفخ في نار العصبيات ومحاولة اذكائها مجددا وهناك في بلادك أكثر من 1.38 مليار انسان يعيشون في سابع أكبر دولة يدينون بديانات شتى أبرزها الهندوسية يليها الإسلام والمسيحية والبوذية والسيخ اضافة الى عشرات الديانات الفرعية ولا يغب عن بالك بأن دولة متعددة الديانات والأعراق والطوائف كالهند لابد لها من أن تتعايش سلميا تحت كنف نظام جمهوري ، برلماني ، ديمقراطي ، تعددي ، وهذا ما ينص عليه دستور الهند الا أن سياسات حزب ” بهاراتيا جاناتا ” الحاكم وهو أحد الحزبين الرئيسين كلها تمضي قدما لتقويض الديمقراطية والتقاطع معها ، ومؤكد أن المسلمين ونسبتهم 10.9 % وبما يصل الى 195 مليون هم على رأس القائمة ، فمن إلغاء الوضع الخاص لجامو وكشمير، الى إقرار قانون تعديل المواطنة الذي يحول بين المسلمين وحصولهم على الجنسية ، مرورا بحظر الحجاب في كارناتاكا وبما يعد انتهاكا لحقوق الإنسان بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش ، الى التحرك لهدم المعالم الأثرية والمساجد التاريخية بذريعة وجود معالم هندوسية تحتها ، الى التطاول على حضرة الرسول الاكرم ﷺ وبما أثار غضبا داخليا وخارجيا عارما كلها تصب الزيت على النار .

 

يا مودي ليس المسلمون وحدهم من يعاني في ظل حكمك ، بقية الأقليات كذلك فالعنف يتصاعد ضد المسيحيين منذ صعود حزب بهاراتيا جاناتا ، فالقساوسة والرهبان يحتجزون ، والعنف ضد المسيحيين يتصاعد في 23 ولاية هندية بحسب “تحالف الدفاع عن الحرية” ، على يد منظمة “فيشفا هندو باريشاد” و ” وباجرانغ دال ” المتهمتان بتصعيد الاعتداءات ضد المسيحيين وحرق الكنائس ومهاجمة المؤسسات المسيحية والقتل والاغتصاب والعنف الجسدي وتدنيس المقابر بحسب هيومن رايتس ووتش، فالمسلمون والمسيحيون ومن وجهة نظر المنظمات القومية الهندوسية مجرد غزاة جاؤوا من الخارج وروعوا الهندوس في دينهم ، والهند هي للهندوس وحدهم بناء على ما يهرفون بما لا يعرفون !

 

وختاما وعلى ما يبدو فإن ناريندرا مودي ،الذي بدأ حياته بائعا للشاي ،يجيد لعبة الغلي على نار هادئة ويؤسس لدولة عميقة ولقوى دولية ناعمة تجتاح العالم من أقصاه الى أقصاه ، فيما تعيد قراراته الصادمة والمتلاحقة الى الأذهان الأجواء التي صاحبت صعود الحركات الفاشية والنازية في اوربا قبيل الحرب العالمية الثانية ، ولعل سياسة الهند للهندوس التي يينتهجها حزبه باتت تثير الكثير من المخاوف والشكوك الدولية والاقليمية خشية تأجيجها العديد من الفتن الخامدة كالنيران تحت الرماد ، فضلا صب الزيت على نيران النزاعات والنزعات والنعرات الدينية والاثنية والقومية وبما لاتحمد عقباه ! اودعناكم اغاتي

Related Posts