العراق واعراف الاحتفال باليوم وطني

العراق واعراف الاحتفال باليوم وطني

حسن العاشور

 

لكل وطن في هذه المعمورة نشيد وعلم ويوم وطني، متفق عليها، إلّا العراق، نشيدة قصيدة كتبها الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، ولحّنها الموسيقار اللبناني محمد فليفل عام 1934، وهي نشيد وطني غير رسمي لفلسطين، وأنا على يقين من أن شعب فلسطين إذا انتزع حريته من الصهاينة، سيتخلى عنه، ليس لأن القصيدة رديئة، وإنما لأنها قصيدة وطنية عامة، فيبحث عن قصيدة أكثر خصوصية للتغني بفلسطين الوطن.

 

كانت تعقيدات النشيد الوطني بسبب تنوع مكونات الشعب العراقي، وربما للسبب نفسه تكون تعقيدات العلم، الذي ورثناه عن صدام بثلاث نجوم وعبارة الله اكبر، ولا ريب أن العبارة كلمة حق، أُريد بها باطل، اجتهدوا فحذفوا النجوم وأبقوا العبارة، ولا أعلم أن كانت النجوم تعني الوحدة الثلاثية بين مصر والعراق وسوريا، التي أُختزلت إلى ثنائية، بين سوريا ومصر، الجمهورية العربية المتحدة، وذهبت، لم يبق منها سوى نجمتين للذكرى، في العلم السوري، وللمعارضة السورية المتربصة ببشار علم غيره، أم أنها تعني الوحدة والحرية والاشتراكية ثلاثية البعث الموهومة، التي قدسها عماش من دون الله، بقوله السيء: آمنت بالبعث ثالوثا اقدسه، والثالوث عند النصارى هو الأب والابن والروح القدس.

 

إذا كانت هذه تعقيدات العلم فإن للنشيد الوطني تعقيدات أيضا، قبل انقلاب تموز عام 1958م، كان لحنا وضعه ضابط انجليزي بلا كلمات، وبعده ظل لحنا، ولكن لموسيقي عراقي، وبعد انقلاب 1963 الدموي الذي أوصل البعث إلى الحكم بقطار أمريكي، كما قال البعثيون أنفسهم، أصبح النشيد الوطني قصيدة والله زمان يا سلاحي، أُغنيّة أم كلثوم، التي لحنها كمال الطويل واعتمدت عام 1960م نشيدا وطنيا لمصر حتى عام 1979م، وبعد وصول صدام إلى الحكم عام 1979م، اختيرت عام 1981م قصيدة وطن مد على الافق جناحا لشفيق الكمالي نشيدا وطنيا وبقيت حتى السقوط.

 

إذا كانت للنشيد الوطني والعلم تعقيدات، فان لليوم الوطني تعقيدات أشد، وكأن قدر العراقيين، أن يصل خلافهم حول الوطن إلى يومه وغده ومستقبله، فقد كان اليوم الوطني قبل يراوح بين 14 و17تموز، أراد له الحكام الجدد أن يكون في 5 تشرين الأول، ولا أعلم من أية مفكرة استلوا يوم العراق الوطني هذا، ولكن ليس مهما، المهم أصبح للعراقيين يوم وطني مثل كل شعوب المعمورة.

 

الطامة الكبرى أنه ليس بين يدي المسؤلين عرف للاحتفال باليوم الوطني، وإن كان المألوف في مثل هذا اليوم، أن يحتفى بالاوطان رسميا بعروض عسكرية، وفعاليات شعبية، ولا بأس في مثل هذه المناسبة أن تكرم الوزارات، على هامش اليوم الوطني، كل وزارة حسب اختصاصها، وفي حدود مؤسستها، شهداء وعسكريين وعلماء وعمال وفنانيين وادباء، من دون مساس برسمية الاحتفال، الذي يفترض أن تدعى إليه شخصيات دولية رسمية.

 

لمحدودية معلومات المسؤولين بأعراف اليوم الوطني أوكلوا الأمر إلى مغنية، مع تقدرينا لها، إلّا أنها ليست مناسبة لهذا الأمر، فحولته إلى يوم هوليودي بامتياز، أو يوم من أيام كان الفرنسية، زخر بالأزياء وإبراز مظاهر الفتنة والجمال، ولا يحق لأحد أن يلومها، فهي عندما كلفت بالاهتمام بالمناسبة وفرت لها ما تقدر على توفيره، الذي يلام هو رئيس الوزراء ومستشاريه، الذين لم يكلفوا انفسهم الاطلاع على أعراف الاحتفال باليوم الوطني، الذي لو كان قصيدة في مدح الحاكم لأُحسن نظمه.

Related Posts