طالب عبد العزيز*
سيأتي اليوم الذي يقاضي فيه سكان البصرة الحكومات المحلية المتعاقبة فهي التي تسببت بتخريب بيئة المدينة والزيادة في ارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع نسبة التلوث والتصحّر في المدينة وارتفاع نسبة الملوحة والملوثات الكيمياوية في أنهارها، وارتفاع نسبة الإصابات بالامراض وكل ما أصاب الأرض والمياه والسماء من خراب وتدمير.
ولمن يبحث في كيفية ذلك نقول: هي التي لم تعمل على حماية شط العرب من المياه الملوثة التي ترميها شبكات الصرف الصحي به، وهي التي جعلت من أنهار البصرة كلها مجاري قذرة تصب فيه، بسبب سماحها ببيع البساتين في قضاءي شط العرب وابي الخصيب وتحويلها الى مناطق سكنية بدون شبكات صرف صحي، مما أدى الى تحويل الأنهار والجداول الى قنوات لتصريف المياه الملوثة الى الشط، وما فعلته في المناطق النفطية(الرميلة ومجنون وغربي القرنة وغيرها ) فهو كارثة حقيقية، فقد ظلت الأدخنة والنيران والملوثات تنبعث باتجاه المدينة طوال عقد ونصف من الزمن.
وإذا بحثنا في المعالجات يمكننا القول بأن البصرة مدينة مكشوفة للشمس، وكانت مدينة رطبة، وسماؤها بظلال كثيفة، حتى وقت قريب من نهاية القرن الماضي. وتماشيا مع حملة المحافظ في رفع التجاوزات فقد باتت الشوارع والارصفة مكشوفة أكثر، لذا ستكون الفرصة مناسبة لزراعة الاشجار، لتلطيف الجو وزيادة الظلال، وهذا أمر يقع في صميم عمل دائرة البلدية، حيث يتوجب عليها إن لم تستطيع زراعتها أن تفرض على صاحب كل محل تجاري زراعة شجرة واحدة أما محله.
لكن، ومنذ عقود والدوائر الزراعية البلدية في المدينة تصر على زراعة أشجار النحيل، غالية الثمن في الجزرات والأرصفة على الرغم من أن نسبة الانبات لا تتجاوز الـ 30 % ، وما نشاهده اليوم في شارع السعدي أفضل دليل. لكن، ويبدو أن الموضوع لا يخلو من فساد، لذا فهم غير معنيين بتجربة زراعة أنواع جديدة أخرى، من التي كانت تزرع في المدينة منذ العام 1916، السنة التي غرس فيها الانجليز أول شجرة يوكالبتوس ومجموعة أشجار أخرى، ثبت بالتجربة توطينها ونجاحها في البصرة، وما شجرة الأثل التي على مدخل طريق الزبير- البصرة ببعيدة عنا، كمثال قائم، فالاشجار ما زالت كثيفة ظليلة الى اليوم، وقد تجاوز عمرها الـ 80 سنة أو أكثر، وهي رخيصة ومعمرة، وتستنبث بالاقلام.
ظلت بيئة البصرة مهملة الى الحد الذي لم تعد المدينة تصلح فيه للعيش، وبفعل أهمال السلطات المحلية وأعمال شركات النفط الاجنبية العاملة شمال البصرة، فقد صارت الرياح الشمالية التي تهب معظم أيام السنة من هناك مصدر الحرارة الأعلى، بعد أن تقلصت المساحات المائية وجرفت البساتين في القرنة والمدينة، ومثل ذلك الذي حدث في الجنوب، فقد تعرت الأرض بسبب تجريف مئات الآلاف من أشجار النخيل لتصبح مكشوفة أمام رياح البحر الشرقية الرطبة، قليلة الاوكسجين. انقاذ المدينة من التصحر والملوثات والفساد سيؤجل محاكمة الحكومات المحلية المتعاقبة، لكن هل من عاقل يسمع لنا؟
*عن “المدى”
LEAVE A COMMENT