العلاقات السعودية الايرانية البدايات والنتائج

العلاقات السعودية الايرانية البدايات والنتائجاياد العناز

 

اتسعت مساحة العلاقات السعودية الإيرانية وأخذت ابعادها المشتركة بعد الاتفاق الذي وقع في (بكين) برعاية القيادة الصينية في آذار 2023 والذي أعتبر إنجازاً سياسياً ونجاحاً ميدانياً في منطقة الشرق الأوسط، تمكن فيه الصينيون من إثبات وجودهم وتعزيز مكانتهم وتحقيق ما لم يتمكن الاخرون القريبون من القرار السعودي من تحقيقه.

 

جاء الإتفاق بعد خلاف واسع في عدد من الملفات التي تهم الرياض وطهران في المنطقة العربية وبعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في كانون الثاني 2016 بسبب اقتحام عدد من الإيرانيين سفارة المملكة العربية السعودية في طهران على خلفية اعدام نمر النمر بتهمة الإرهاب والتحريض على الطائفية واستخدام العنف في المواجهة، ثم امتدت ساحة الخلافات باتهام إيران للرياض بقصف بناية سفارتها في العاصمة اليمنية (صنعاء) عام 2016، ثم توالت العلميات التعرضية والهجمات بالطائرات المسيرة على منشآت أرامكو النفطية السعودية واستهداف مدن (خميس مشيط حتى الرياض) في حزيران 2020 من قبل جماعة الحوثيين المدعومين من النظام الإيراني.

 

وساهمت عدة دول عربية في بدء الحوارات بين السعودية وإيران في نيسان 2021 وبدأت أولى الجلسات في بغداد واستمرت حتى عام 2022 بواقع خمس جلسات حوارية حضرها مسؤولين في مجالات الأمن والخارجية وبوساطة عراقية وعُمانية عملت على تحقيق إتفاق مبدئي بين الطرفين لتهدئة الأوضاع الميدانية وإيقاف الاستهداف الحوثي للرياض وتعزيز حالة التفاهم حول الملف اليمني وباقي الملفات التي تهم الطرفين وتحديداً في الميدان السوري الذي كانت السعودية تدعم فيه قوى المعارضة السورية في حين أن إيران عملت على تعزيز مكانتها والدفع بمليشيات مسلحة من (الفاطمين والزينبين) تابعة للحرس الثوري الإيراني وكتائب وفصائل مسلحة عراقية مقاتلين من حزب الله اللبناني لمساندة دمشق.

 

تم قطع العلاقات بين الرياض ودمشق عام 2012 بعد اتساع حدة الأوضاع في سوريا، ثم تفجرت الأحداث في لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري في 15شباط 2015 وسادت حالة من الانفلات الأمني والتوتر السياسي والذي رأت فيه السعودية انه يهدد ما اُتفق عليه في (الطائف) عام 1989، حيث شهدت الساحة اللبنانية تمدد وتوسع النفوذ حزب الله وسيطرته على العديد من المرافق الحيوية في الحكومة اللبنانية.

 

ثم إن المشروع السياسي الإيراني وبسط النفوذ والهيمنة في العديد من العواصم العربية شكل هاجساً أمنياً لدى السعودية وبدأت ترى أن التمدد الإيراني والتوسع في امتلاك طهران للسلاح النووي وأهدافها في الوصول إلى تصنيع وإنتاج القنبلة النورية أمراً مهماً يهدد الأمن القومي السعودي والأوضاع في الخليج العربي والطرق والممرات الرئيسية المعتمدة في تصدير الطاقة للعالم، رافقها اتهام السلطات الأمنية الإيرانية للرياض بدعم الانتفاضة الشعبية التي أنطلقت في منتصف شهر أيلول 2022 بعد مقتل الشابة الكردية (مهسا اميني).

 

كانت زيارة الرئيس الصيني (شي جين بينغ) للرياض في السابع من كانون الأول 2022 البداية التي انطلقت منها أولى بوادر المبادرة الصينية التي انتهت بتوقيع الاتفاق بين السعودية وإيران وإنهاء صفحة من الخلاف بين البلدين والبدأ بسلسلة من الإجراءات لعودة العلاقات بفتح السفارات والقنصليات وتبادل الوفود وتنفيذ الاتفاق الأمني المشترك الموقع عليه عام 2001 وتوسيع دائرة التبادل التجاري والاقتصادي وحل المشاكل التي تهم البلدين في الملفات السياسية المتعلقة بشؤون المنطقة، فكانت زيارة وزير الخارجية السعودي (فيصل بن فرحان) طهران في 17حزيران 2023 أنها وضعت الأسس الرئيسية لتنفيذ ما اتفق عليه في الصين ثم تلتها زيارة وزير الخارجية الإيراني (حسين أمير عبد اللهيان) إلى الرياض في 23أب 2023 بعد مضى ما يقارب ستة أشهر على توقيع الاتفاق المشترك وبعدعدة مواقف للمملكة العربية السعودية تمثلت بعودة العلاقات مع سوريا ودعوة الرئيس بشار الأسد لحضور اجتماعات القمة العربية التي عقدت في 19 أيار 2023 وقبلها تم افتتاح السفارة السعودية في دمشق، ثم لقاء السفير السعودي في اليمن ( محمد آل جابر) مع قيادات جماعة أنصار الله الحوثيين في 10 نيسان 2003 لتثبيت الهدنة ووقف اطلاق النار وتبادل الأسرى ودعم سبل الحوار بين الحكومة اليمنية وصولاً لحل سياسي شامل في اليمن.

 

إتسمت زيارة وزير الخارجية الإيراني بتفعيل الاتفاقيات الخاصة بالجوانب الأمنية وتطبيع العلاقات مع دول الخليج العربي واستكمال مناقشة بنود الاتفاق المشترك والتنسيق في دعم الهدنة الطويلة التي وقعت في اليمن.

 

أكد حسين عبد اللهيان على أن الأمن والتنمية للجميع في المنطقة والأساس هو العمل على الحوار والتعاون الإقليمي، وهو بذلك يعطي إشارة واضحة لدور إيراني عربي مشترك.

 

كانت من أهم النقاط الفصلية التي تم مناقشتها هي توسيع دائرة العلاقات الاقتصادية والاستثمارات المالية والتبادلات التجارية وإمكانية قيام الرياض بإعادة تأهيل المصافي النفطية الإيرانية لقدرتها وإمكانياتها بوجود شركة أرامكو التي تعتبر من الشركات الكبرى في مجال الطاقة بالعالم، واعادة طرح قيام مجلس تنسيقي مشترك أو مجلس حوار أقليمي يضم دول مجلس التعاون الخليجي والعراق وإيران والذي سبق وان طرحه وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف عام 2015 ولظروف المنطقة أنذاك لم يتم مناقشته أو الإهتمام به، ولكن بعد الاتفاق السعودي الإيراني والذي أنهى فترةمن التوتر وتراكم الأزمات والبدأ بفتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية أعادت إيران طرح فكرتها بتشكيل المجلس وإعداد قوة عسكرية تتولى مهام أمن منطقة الخليج العربي وحماية الممرات الدولية وامدادات الطاقة وتعزيزها باتفاقيات إقتصادية وتنموية وأمنية عسكرية والتخلي عن وجود أي قوات أجنبية في المنطقة سواء أكانت أمريكية او تابعة للحلف الأطلسي.

 

ان أهداف الإتفاق المشترك هي حصيلة مصالح ومنافع للطرفين، فإيران تسعى لرفع العزلةالسياسية عنها وتفعيل دورها الإقليمي بالمزيد من العلاقات السياسية والحوارات المتبادلة مع دول عالمية إقليمية وعربية وتحقيق انسيابية مهمة برفع العقوبات الاقتصادية عنها وتأهيل عودتها لسوق الطاقة العالمي ورفع إنتاجها من النفط والغاز وتطوير بنيتها النفطية وتعويض خسائرها بسبب العقوبات التي طالت منطومتها الاقتصادية وإيجاد الحلول الجذرية لأزماتها الاجتماعية والمالية واستعادة الحالة الطبيعة في البلاد.

 

أما المملكة العربية السعودية فتمتلك قدرة إقتصادية وتأثير سياسي عربي إقليمي ودولي وتتبع سياسة هادفة تتسم ببناء علاقات واسعة وتنشيط فعالياتها وتحقيق أهدافها عبر الانفتاح على جميع الدول ومنها الشرقية والغربية وتلبية طموحاتها الرئيسية وأهدافها المستقبلية بالوصول إلى رؤيتها لعام 2030 وتهيئة المناخات الاقتصادية والأمنية الداعمة للتنمية وخططها الاستراتيجية، ولهذا فهي تسعى في علاقاتها الدولية للاستماع إلى خطاب مشترك وفعال يلبى أهدافها وينعكس ايجابياً على خططها الداخلية ونظراتها لتطوير منطقة الشرق الأوسط بتأسيس إتحاد شبيه بالإتحاد الأوربي يضمن القدرة على التبادل التجاري بين بلدان المنطقة ويكون بعيداً عن هيمنة الدولار.

 

تبقى أولويات تنفيذ الاتفاق المشترك بين السعودية وإيران مرهونة بمدى سعي طهران للالتزام بالثوابت الرئيسية، فلا يمكن تحقيق استقرار وأمن إقليمي دون معالجة دور إيران وأذرعها في المنطقة وان يكون الأمر حيوياً وفعالاً وليس خطابات وتصريحات عبر وسائل الإعلام في تغيير الموقف الإيراني وإنما العمل بجدية ووضوح والابتعاد عن سياسة تثبيت السيطرة الميدانية وان تبدي إيران استعدادها الكامل لصياغة عقد جديد أساسه مبادئ وقائية وإجراءات ميدانية تعديلية وانتقالية في مرحلة علاقتها مع دول المنطقة بما يحقق الامن العربي الإقليمي ويحقق النتائج الإيجابية لما اتفق عليه في الصين و تعزيز الخطاب الإيراني الداعي لجعل الأولوية في الحوار مع دول الحوار كما جاء في حديث الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي وابعاد حالة التوجس في التعامل الأمني بعلاقتها مع الآخرين واعتماد مبدأ الأهداف الاستراتيجية بعيداً عن المخاوف الأمنية وأن الجميع بحاجة للآخرين، وبناء أسس ومرتكزات لعلاقات وثيقة وتبادل للأراء بما يحقق المصالح المشتركة والاختيار الحقيقي للاتفاق هو الانتقال للمرحلة الثانية والتوسع في العلاقات السياسية والأمنية التي لا زالت تسير بخطوات بطيئة، حيث لا تزال هناك نقاط بين البلدين لم يتم الاتفاق عليها وإيجاد حلول واقعية لها.

 

وحدة الدراسات الإيرانية

 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

Related Posts