بتاريخ الثالث من حزيران/ يونيو الحالي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تشكيل حكومته الجديدة بعد حولة انتخابية ثانية فاز بها بنسبة 52% واتسم التشكيل بتغييرات مهمة في وزارات الدفاع والمالية والخارجية وألقت بظلالها على مستقبل تركيا السياسي والمنظومة الحاكمة فيها وطبيعة توجهاتها وعلاقتها الدولية والإقليمية وما ستؤول إليه في مرحلة ثالثة من حكم الرئيس أردوغان تستمر خمس سنوات والتي يريد من خلالها أن تشكل بصمة مؤثرة في التاريخ السياسي التركي وتعمق منظومة الحكم الاردوغاني وبداية لمئوية يتغنى بها الشعب التركي لتصبح انطلاقة جديدة و معيار للمقارنة بينها وبين الحقبة التي أتى بها مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية .
إذن هي مساحة فكرية وعقائدية تتمثل في تاريخين مهمين في حياة الأتراك على الأصعدة الداخلية والخارجية والتي اختار لها هاكان فيدان أحد مستشاري الرئيس التركي المخلصين والمؤيدين له والذي عمل رئيسا للمخابرات التركية والذي قال عنه أردوغان (أنه كاتم أسراري واسرار الدولة ) وهي عبارة تنم عن مدى الثقة العالية والعلاقة الوطيدة والود والائتمان بين الرجلين ، وهذا ما سيجعل تأثير السياسية الخارجية أعمق وأشمل وسيحقق مجالات مهمة وانفتاح لتعزيز علاقة تركيا مع بلدان العالم والمساهمة بدور فعال في التجاذبات السياسية ورسم ملامح المستقبل الدولي والإقليمي لإدارة الرئيس أردوغان، ووزير الخارجية الجديد يمتلك من المعلومات والمفاتيح المهمة ما يجعله يعمل بشكل سلس ومتوازي ويحقق الغايات والأهداف الإستراتيجية للقيادة التركية في رؤيتها الجديدة خاصة وأنه من خاض المفاوضات الدبلوماسية مع ليبيا ومصر والإمارات وسوريا ولديه تأثير كبير وعلاقات واسعة في المشهد السياسي العراقي ويستطيع أن يؤثر في حلحلة الأزمات وإيجاد مساحات من التوافقات السياسية بين الجميع، وهذا يتطلب وجود سياسيه عراقيين فاعلين لديهم القدرة على فهم الرؤية التركية القادمة بتوسيع مجالات العلاقة مع العراق في جميع المجالات وان يكون الحضور التركي فعال في الميدان العراقي.
وكان لوزارة الدفاع نصيب من التغيير بعد أن أصبح رئيس أركان الجيش وزيرا للدفاع وهو من الشخصيات الداعمة لتطوير المؤسسة العسكرية وذو خبرة واسعة في حماية الأمن القومي الوطني وتعزيز وحدة البلاد والتصدي لعناصر حزب العمال الكردستاني التركي ولجميع الفصائل الكردية المناوئة لأنقرة وهو على دراية بالتحديات التي تواجه بلاده والآفاق المستقبلية للمتغيرات في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وان إيران ورغم العلاقات القائمة بينهما وتمتعهما بعلاقة اقتصادية وتجارية عالية ولكن القيادة التركية تعلم أن النظام الإيراني تمكن من الوصول إلى نسب عالية من اليورانيوم المخصب والمواد الانشطارية التي تساهم في صنع القنبلة النووية وتطوير برنامج الصواريخ البالستية وبناء المفاعل النووي، وهذا ما يستدعي الحفاظ على ميزان القوة العسكرية في منطقة الشرق الأوسط والمشاركة في دور فاعل بالتأثيرات والتجاذبات السياسية التي تشكل أهمية بالغة للقيادة التركية ، وإذا ما أراد الأتراك تحقيق هذه الغايات فإن عليهم السعي لبناء المفاعل النووي التركي لتحقيق حالة التوازن الاستراتيجي في المنطقة ومواجهة القوة الإقليمية الإيرانية لكي تستمر حالة الشراكة الثنائية في أي ترتيبات ومعادلات سياسية قادمة .
يبقى التوجه التركي بمساندة دولة أذربيجان في صراعها مع أرمينيا وسعي حكومتها لإحياء وحدة العالم التركي او الدول الناطقة باللغة التركية والذي يتوافق مع الرؤية السياسية التركية وتقديم أنواع الدعم لها في كافة النواحي الاقتصادية والسياسية والأمنية.
كان لاختيار شخصية اقتصادية مؤثرة لمعالجة الأزمة المالية التي تعصف بالمجتمع التركي السمة البارزة في التشكيل الجديد وهو اختيار (محمد شيمشك) الذي يحظى بمكانة دولية اقتصادية وسيكون له دور في جذب المستثمرين وتعزيز ثقتهم السياسية بلاده ودعم الحالة الاقتصادية في الأسواق المالية .
جميع هذه المتغيرات والأهداف السياسية اكدها الرئيس أردوغان عند تأديته اليمين الدستوري باشارته إلى أنه سيحتوي 85 مليون تركي رغم اختلاف آرائهم السياسية وحماية استقلال تركيا ووحدة أراضيها والالتزام بالدستور واتباع مبادئ كمال أتاتورك ودعم تركيا كقوة عسكرية إقليمية ومراجعة نسب التضخم الذي ألحق ضررا بالاقتصاد التركي .
وفي ولايته الجديدة ، يواجه رجب طيب أردوغان ستة تحديات كبري : الأزمة الاقتصادية ” التضخم والحد من ارتفاع قيمة الليرة التركية مقابل العملات القيادية الدولية ” الدولار الأمريكي، واليورو الأوروبي ، والجنية الانجليزي” ، إعمار المناطق المنكوبة، إعادة ترتيب البيت الداخلي، استعادة البلديات الكبرى، وضع دستور مدني، تحدي السياسة الخارجية.
وعلى الرغم من أهمية هذه التحديات ، فأن هناك تحدي لا يقل أهمية عن التحديات السابقة ، ويرتبط هذا التحدي بشكلٍ مباشر بالرئيس رجب طيب أردوغان ، وهو ” تحدي النفس” بمعنى أن لا تسيطر عليه ” نشوة الانتصار ” في الانتخابات الرئاسيه ويدفعه بعض المقربين منه، إلى تعديل الدستور بما يضمن إمكانية اعاده انتخابه في الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام ٢٠٢٨م، فإن فعل ذلك يكون قد وقع بالمحظور وقد يعصف بتاريخه السياسي الطويل وقد يخسر شعبيته التي اكتسبها طيلة السنوات السابقة، ففي عام ٢٠٢٨، يكون الرئيس رجب طيب أردوغان قد بلغ من العمر ٧٤ عام. وهو العمر المناسب له في اعتزال العمل السياسي الرسمي الطوعي بما يليق برجل دولة خدم دولته في جميع المناصب الادارية والسياسية التي اعتلاها.
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة