أوضح رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، إمكانية تعديل بعض بنود الدستور، وإبعاد القضاء عن التجاذبات والخلافات السياسية، فيما أكد أن السلطة القضائية ستبقى مستقلة وغير معنية بتوجهات مختلف الكتل السياسية.
وقال زيدان في حوار مطوّل مع الصحيفة الرسمية، تضمّن عدداً من الفقرات: “نرى أن الظروف التي رافقت صياغة نصوص الدستور سنة 2005 في حينها تغيرت وأصبحت عدد من مواد الدستور عقبة أمام تشكيل السلطات الدستورية عند كل استحقاق انتخابي لذا من الضروري إعادة النظر بتلك النصوص وصياغتها بشكل سلس يتناسب والمتغيرات السياسية التي حصلت خلال 19 سنة الماضية ومنها على سبيل المثال المادة (76) وانقسام الرأي بخصوص تفسيرها إضافة إلى المواد التي يشترط صحة انعقاد جلسات مجلس النواب أو الأغلبية المطلوبة لتشريع بعض القوانين الثلثين ونرى أن ذلك يعرقل عمل السلطة التشريعية وإنجاز المهام الداخلة في اختصاصاتها”.
وأضاف أن “بعض المواد الخاصة بالسلطة القضائية نرى أنها بحاجة إلى إعادة صياغة بما يضمن استقلالية السلطة القضائية بشكل كامل عن السلطة التشريعية والتجاذبات السياسية التي قد تحصل في تعيين بعض المناصب العليا في السلطة القضائية. إضافة إلى مواد أخرى تتعلق بصلاحيات المحافظات وإدارتها والخلاف القائم بين المركز والإقليم بخصوص النفط والغاز”.
وأكد أن “القضاء اختار لنفسه أن يكون كما هو دستورياً مستقلاً عن بقية السلطات مهما كان ثمن هذا الخيار لذا حرص على أن تكون جميع القرارات الصادرة عنه تعكس هذه الاستقلالية وعدم الاستجابة لوجهات النظر السياسية ودليل عدم انحياز القضاء لجهة دون أخرى أن الجهتين المتنافستين سياسياً غير راضيتين عن موقف القضاء وكل واحدة منها تدعي أن القضاء يميل إلى الأخرى لكن الفرق بين الجهتين أن إحداهما تظهر الموقف السلبي من القضاء علناً أما الأخرى استطاعت كظم غيظها والتعبير عن موقفها السلبي في الأروقة الخاصة فقط”.
وأشار إلى أن “المحكمة الاتحادية هي جزء من القضاء وبالتالي تؤدي عملها بشكل مستقل تماماً عن الحكومة بل أن عدداً من قرارات المحكمة صدرت بخلاف رأي الحكومة أما بخصوص القضية محل الجدل المتعلقة بموضوع تصدير النفط من قبل الإقليم فأن المدعي في هذه الدعوى هي وزارة النفط وهي تمثل وجهة نظر الحكومة في هذا الموضوع ، وعندما دققت المحكمة وقائع الدعوى وجدت أن وزارة النفط دستورياً صاحبة حق في الادعاء المقدم من قبلها لذا صدر القرار لصالح وزارة النفط لكن هذا لايعني أن ذلك تم بتنسيق بين الحكومة والقضاء بل أن الحكومة هي مدعي في الدعوى مثل أي مدع آخر في بقية الدعاوى والقرار يصدر في ضوء ما يقدمه المدعي في الدعوى من أدلة تستند إليها المحكمة في حسم الدعوى”.
وتابع قائلاً: “أما موضوع الالتزام بالأحكام القضائية نرى أن هذا الالتزام هو واجب دستوري وقانوني قبل كل شيء ذلك أن الدستور ينص على أن قرارات المحكمة الاتحادية ملزمة وواجبة الاتباع لذا لايجوز لأي جهة كانت عدم تنفيذ قرارات المحكمة لأنها بذلك تكون قد خالفت الدستور والقانون”.
وأكمل: “بسبب الخلافات السياسية بين التحالفات والأحزاب الفائزة في الانتخابات حصلت خروقات دستورية عديدة ولازالت مستمرة وأهمها مضي المدة القانونية لتسمية رئيس جمهورية جديد وتبعاً له تسمية حكومة جديدة وهذه إحدى الحالات التي نرى أن التعديل الدستوري يجب أن يعالجها بأن يتم وضع نص دستوري يتضمن (جزاء) مخالفة النص الدستوري بمعنى أن تحدد مدة معينة لاستثمار تشكيل المناصب والاستحقاقات الدستورية فاذا انقضت تلك المدة يجب وضع جزاء لذلك كأن يكون حل البرلمان تلقائياً أو بقرار من جهة ما يتفق عليها سياسياً لان بدون وجود جزاء لمخالفة نص معين دستوري أو قانوني تصبح تلك المخالفة وكأنها إجراء أو تصرف مشروع وقابل للتكرار انطلاقاً من قاعدة (من أمن العقاب خالف القانون)”.
ولفت إلى أن “ظاهرة اللجوء إلى المحكمة الاتحادية بشكل كبير فيه جانب إيجابي وآخر سلبي . الإيجابي هو أن اللجوء إلى القضاء عند الاختلاف هو إجراء صحيح ودليل على شيوع ثقافة سيادة القانون واللجوء إلى المؤسسة التي تطبق الدستور والقانون في حل المشكلات وهذا شيء جيد . أما الجانب السلبي هو أن البعض اتخذ من هذا الإجراء وسيلة للظهور الإعلامي والاستعراض أمام الرأي العام بحيث يلجأ للطعن في أي قرار أو قانون يصدر حتى وإن لم يكن من اختصاص المحكمة الاتحادية النظر في هذا الطعن أو أن القرار أو القانون لا توجد أسباب واقعية ومنطقية للطعن به ونرى أن ذلك يشغل المحكمة في دعاوى كثيرة قد تنعكس على اداء المحكمة في حسم الدعاوى الأهم والتي تستوجب فعلاً النظر بها”.
وبيّن قائلاً: “أكثر اختصاص تميز به القضاء العراقي في التصدي والحسم هو ملف الإرهاب بشهادة المختصين ومنهم من المجتمع الدولي لذا لا يوجد بطء مطلقاً في هذا الملف إنما توجد سياقات قانونية واجب العمل بها لضمان إجراء المحاكمات العادلة ضمن المعايير القانونية المعمول بها دولياً والتي تشكل ضمانة حقيقية لتطبيق القانون بشكل سليم خصوصاً في ملف الإرهاب كون عقوبة بعض جرائم الإرهاب تصل إلى الإعدام وهذه العقوبة قاسية تستدعي التدقيق والبحث والتأكد من الأدلة بشكل كامل”.
وأردف: “لا يوجد مصطلح (قانون عشائري) إنما (أعراف عشائرية) للأسف هذه الأعراف تحولت من الجانب الإيجابي إلى الجانب السلبي إذ كانت سابقاً أحد أساليب فض النزاعات والخلافات قبل عرضها على المحاكم أو أحياناً أثناء نظر الدعاوى يحصل صلح عشائري يؤدي إلى انتهاء الدعوى بالتنازل عنها أما الآن الموضوع أصبح مختلفاً إذ تحولت الممارسات العشائرية إلى ظاهرة سلبية تسبب إرباكاً في الوضع الأمني وخللاً في التماسك الاجتماعي بين أبناء العشيرة الواحدة خصوصاً بعد أن امتهن البعض فكرة المشيخة وكأنها منصب مكتسب يستغل لأغراض الارتزاق في حين أن أبناء العشائر الأصلاء وشيوخ العشائر المعروفين لدى الجميع يرفضون هذه الممارسات التي أصبحت عبئاً عليهم أيضاً”.
وأوضح، أن “تفشي المخدرات مشكلة كبيرة تحتاج إلى وقفة إذ أن هذه الجريمة تتفرع عنها جرائم أخرى ذلك أن متعاطي المخدرات يفقد إرادته وإدراكه ويرتكب جرائم وهو خارج الوعي وهذه الجرائم متنوعة كالقتل والاغتصاب والسرقة وغيرها لذا تحتاج إلى إجراءات رادعة تحد من انتشار هذه الجريمة ونعتقد أن الخلل الأساس يكمن في جدية متابعة مرتكبي جريمة الاتجار بالمخدرات وليس الخلل في التشريع أو إجراءات القضاء لان القوانين موجودة والقضاء يطبق هذه القوانين بشدة لكن الخلل في متابعة المجرمين والقبض عليهم مع الأدلة التي تقتضي لادانتهم”.
ومضى قائلاً: “حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة والإعلام مكفولة بموجب المادة (38) من الدستور وهذه أحد المكاسب التي تحققت بعد تغيير النظام السياسي سنة 2003 ونعتقد أن أساس النظام الديمقراطي في الحكم مبني على هذه الحريات التي نحترمها ونحميها بموجب القانون وقد وجهنا المحاكم في أكثر من مناسبة مراعاة التعامل بدقة مع الإعلاميين في حال تقديم الشكاوى بحقهم وأن يكون أي إجراء تحقيقي بمعرفة نقابة الصحفيين وحضور ممثل عنها وتجنب إصدار مذكرات قبض بحق الإعلاميين وعوضاً عن ذلك يصار إلى مذكرات الاستقدام وفق القانون وأن يكون تقدير ما ينسب إلى الإعلامي مخالفاً للقانون من عدمه بموجب رأي وخبرة الخبراء المختصين في الإعلام واللغة العربية لتحديد فيما إذا كان الفعل المرتكب من الإعلامي يشكل مخالفة للقانون من عدمه”.
وعن ملف القبض على المتهمين الهاربين واسترداد الأموال المهربة، أشار القاضي زيدان إلى أن “هذا الملف لايزال فيه نوع من التعقيد إذ رغم العلاقة المتميزة مع عدد كبير من دول العالم إلا أن هذا الملف لم يسير بالشكل الذي نتمناه علماً انه ملف تنفيذي وليس قضائياً بمعنى من اختصاص الجهات التنفيذية سواء هيئة النزاهة أو وزارة الداخلية والشرطة العربية والدولية”.
وبشأن اتهام القضاء بأنه مسيّس، أكد زيدان قائلاً: “من الأمور المهمة التي يعتاد عليها القاضي منذ دراسته في المعهد القضائي وأثناء ممارسة عمله في المحاكم أنه يتعامل مع طرفين في كل قضية والقرار الذي يصدر عنه حتماً يكون في صالح أحد الطرفين والطرف الآخر سوف يكون عنده رد فعل سلبي دوماً ويتهم القضاء اتهامات مختلفة لأننا في مجتمع شرقي لايتقبل خسارة الأشياء بروح رياضية ولايعتبر هذه الخسارة بسبب ضعف الأدلة التي لديه أو بسبب أن موقفه ضد القانون أو أن التفسير أو النص الدستوري أو القانون هو لمصلحة الطرف الآخر وليس لمصلحته لذا أصبح طبيعياً أن نسمع هذه الاتهامات وهي في جميع الأحوال اتهامات غير صحيحة ننظر لها بسعة صدر ونتحملها”.
وبشأن اتهام القضاء بأن أحكامه تكون مخففة وأحياناً مع إيقاف التنفيذ حين يكون المعني مسؤولاً سياسياً كبيراً، قال زيدان إن “الحكم الخفيف أو الشديد أو وقف تنفيذ الحكم هي قضايا قانونية لها سند قانوني واستخدام القاضي لأحد هذه الخيارات يستند إلى نص في القانون وليس إلى مجرد رغبة أو استجابة لضغط سياسي أو أي اعتبار آخر إنما القانون ينص على أن لكل جريمة عقوبة فيها حد أعلى وحد أدنى وبإمكان القاضي حسب ظروف الجريمة وظروف من ارتكبها أن يختار العقوبة المناسبة كذلك موضوع وقف تنفيذ العقوبة أيضاً يستند القاضي إلى نص القانون الذي يخوله عند توفر ظروف معينة اللجوء إلى وقف تنفيذ العقوبة وفق شروط ومحددات نص عليها القانون”.