يفتح ملف الوجود العسكري الأجنبي في العراق باباً جديداً من الخلافات المزمنة بين قادة إقليم كردستان العراق، وبغداد، وتحديداً القوى السياسية الحليفة لطهران، إذ كشف مسؤول عراقي بارز في بغداد عن رفض رسمي في أربيل لدعوات إخراج القوات العاملة ضمن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، مؤكداً أن مسؤولين في الإقليم أبلغوا مسؤولين أميركيين رغبة الإقليم باستمرار التعاون بغض النظر عن المشهد في بغداد.
ومنذ أيام عادت كتل برلمانية وفصائل مسلحة تُعرَف على أنها حليفة لطهران، التصعيد بملف إخراج القوات الأجنبية وعلى رأسها الأميركية من العراق، عقب الهجوم الأميركي الذي استهدف مواقع مليشيا “كتائب سيد الشهداء”، في المنطقة الحدودية العراقية السورية، وأسفر عن مقتل عدد من عناصرها.
وحتى نهار أمس الجمعة، كانت قوات الجيش العراقي تواصل عمليات انتشار واسعة في محيط القواعد والمقرات التي تستضيف القوات الأميركية، بينما رُصد لأول مرة ظهر الجمعة تحليق مروحيات أميركية في سماء قاعدة عين الأسد، غربي الأنبار، في وقت نفذت فيه السفارة الأميركية وسط بغداد تشغيل منظومة الإنذار لغرض التجربة والفحص، وفقاً لمصادر أمنية، أكدت أن حالة التأهب تهدف لمواجهة أي هجوم صاروخي أو بطائرات مسيّرة مفخخة.
وكشف مسؤول عراقي في بغداد أن الأميركيين تلقّوا أخيراً مواقف متمسكة بوجودهم من قبل حكومة إقليم كردستان وقيادات سياسية في الإقليم، مضيفاً أن قادة الإقليم وقوى سياسية متفقة بالإجماع على أهمية استمرار الوجود والدعم الأميركي ودول أخرى مثل فرنسا وبريطانيا وأستراليا ضمن قوات التحالف لدعم البشمركة وتأهيل منظومة الأمن في الإقليم. ولفت إلى أن مسؤولي الإقليم يعتبرون أن العمليات التركية وأنشطة مسلحي حزب “العمال الكردستاني” وتهديدات فصائل مسلحة على حدود الإقليم خطر آخر يجعل من وجود الأميركيين عامل توازن سياسي وليس أمنيا فقط، مؤكداً أن قيادات سياسية وفصائل مسلحة قد تدخل في أزمة جديدة مع أربيل حيال هذا الملف، لا سيما أن بغداد لا تعلم عدد القوات الأجنبية داخل الإقليم على وجه الدقة.
وعقب الغارات الأميركية الأخيرة، أكد مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، أن بلاده ستتوصل قريباً إلى اتفاق مع الولايات المتحدة على جدولة سحب قواتها، مبيناً في تصريح صحافي أن “العراق ليس بحاجة إلى قوات قتالية أجنبية على أراضيه، ولديه ما يكفي من القوات العراقية، وأن الكاظمي سيزور واشنطن قريباً، وسيتم الاتفاق خلال الزيارة على جدولة الانسحاب الأميركي من العراق”. وجاء هذا التعليق بعد موجة ردود غاضبة من تكرار الضربات الأميركية ضد مواقع تتبع “الحشد الشعبي”. وكان الكاظمي قد ندد بالغارات الأميركية بوصفها انتهاكاً سافراً لسيادة العراق، ودعا إلى التهدئة، عقب سلسلة من التغريدات والبيانات من فصائل مسلحة توعدت بالرد على الغارات الأميركية.
وتعليقاً على ذلك، قال المستشار السابق في رئاسة إقليم كردستان، كفاح محمود إن “الكيانات السياسية المطالبة بإخراج الأميركيين، لا تمثّل كل العراقيين الذين يبحثون عن مصلحة بلادهم، وقرار البرلمان لا يمثّل الشعب العراقي، إنما مثّل مجموعة الأحزاب الشيعية فقط”. ورأى أن “الشارع في وسط وجنوب العراق، رفض حكم هذه الأحزاب، ولذلك هم هتفوا بشعارات “برا برا إيران” ولم يقولوا “برا برا أمريكا”، بالتالي فإن ما يصدر عنها لا يمثل حتى الشيعة أنفسهم وليس كل العراقيين”.
من جهته، اعتبر القيادي في “التحالف الكردستاني”، النائب السابق ماجد شنكالي، أن “دعاة الانسحاب يريدون أن تهيمن إيران ونفوذها وفصائلها أكثر على الواقع العراقي”، مضيفاً في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “الانسحاب الأميركي سيؤدي أيضاً إلى إنعاش جيوب وخلايا تنظيم “داعش” خصوصاً في مناطق نينوى وصلاح الدين وكركوك، وهي قريبة من حدود إقليم كردستان، كما أنه سيؤدي إلى حدوث عدم توازن وتزايد نفوذ عصابات “داعش” في المناطق التي تشهد تهديدات أمنية، ناهيك عن زيادة في تحرك ونفوذ المليشيات الموالية للخارج”. وأكد أن “القوات العراقية، إضافة إلى القوات الكردية، لا تزال بحاجة إلى التدريب والتسليح من قوات التحالف الدولي، والأميركية تحديداً، ناهيك عن التدريب وتطوير الخبرات العراقية”.
ورداً على ذلك، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، كاطع الركابي إن “على حكومة الكاظمي ألا تذعن لأي توجهات من كتل سياسية تريد بقاء هذه القوات، وألا تسمح بانتهاك السيادة العراقية”. وأضاف الركابي، وهو عضو في ائتلاف “دولة القانون” الذي يتزعمه نوري المالكي، أن “القوات العراقية والكردية والحشد الشعبي بات لديها المقدرة على مواجهة تنظيم داعش أو أي مخاطر قد تهدد العراقيين، على المستويات الأمنية، بالتالي فإن بقاء القوات الأميركية لا سيما مع استمرار تجاوزاتها على العراق وسيادته وقتل عناصر من الحشد الشعبي من خلال قصف مقرات ومخازن أسلحة ووحدات تواجد على الحدود مع سورية، فإن ذلك يدعم توجهات الكتل السياسية في إخراج القوات الأميركية”. ولفت إلى أن “جميع الكيانات السياسية تنتظر نتائج الجولة الرابعة للحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن المرتقبة، لإنهاء هذا الملف الذي بات مزعجاً بالنسبة للعراقيين”.
لكن عضو التيار المدني العراقي أحمد حقي اعتبر أن الموقف الكردي ليس منفرداً، إذ هناك قوى سياسية أخرى عربية سنّية وقوى أقليات وحتى على مستوى كتل شيعية تعتبر إخراج القوات الأميركية مطلباً إيرانياً وليس عراقياً وبالتالي لا ترغب أن تنخرط فيه. وأضاف في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “الخروج الأميركي الآن يعني تفرّدا إيرانيا وعزلة سياسية للعراق من دول مهمة وفاعلة بالعالم، والكتل والمليشيات التي تصعّد بشأن المطلب لا يمكن أن تكون ممثلة لكل العراقيين”، معتبراً في الوقت ذاته أن الأميركيين قد يستغلون هذا الانقسام العراقي في رفض التعامل مع طلبات خروجهم في الوقت الحالي حتى إن خرجت من الحكومة ذاتها.
وتمتلك واشنطن حالياً قرابة 2500 جندي وعسكري في العراق، وهو أقل تمثيل عسكري لها منذ العام 2015، بعد انسحاب قرابة ثلاثة آلاف عسكري منذ مطلع مارس/آذار من العام الماضي ولغاية الآن، وإنهاء التواجد في قواعد ومواقع عسكرية عدة، أبرزها التاجي في محافظة صلاح الدين، وكي وان في محافظة كركوك، والتقدم بمحافظة الأنبار، والبعاج بمحافظة نينوى.