كانت وجهة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى ذي قار هذه المرة ضمن محطات جولاته الداخلية التي يجريها بين الحين والآخر منذ تولي مهام منصبه قبل أكثر من عام قبل الآن وشملت في أوقات سابقة البصرة والمثنى والموصل وكربلاء والأنبار وغيرها من المحافظات، وكعادة تلك الزيارات، فقد كانت جولة اليوم مكوكية بامتياز، تضمنت افتتاح مشاريع كبرى لأول مرة إلى جانب تفقد عوائل ضحايا التظاهرات.
تكتسب ذي قار أهميتها من أنها كانت مهد تظاهرات تشرين التي نجحت في الإطاحة برئيس الوزراء السابق، عادل عبدالمهدي، ليعتلي الكاظمي كرسي الحكم في العراق خلفاً له، كما أن المحافظة كانت خلال الأشهر الماضية، مسرحاً لغضب شعبي بلغ ذروته في آذار الماضي، حينما اضطر المحافظ السابق، ناظم الوائلي، إلى تقديم استقالته لرئيس الوزراء العراقي، على خلفية الاحتجاجات الدامية والتي أوقعت قتلى وجرحى، ليتم تكليف رئيس جهاز الأمن الوطني، عبد الغني الأسدي بالمنصب، قبل تكليف أحمد غني الخفاجي بمهام محافظ ذي قار في نيسان الماضي.
أربعة مشاريع ستراتيجية تعيد ذي قار إلى الواجهة
محافظة ذي قار التي ظلت منسية على مدى العقود الماضية، قبل أن يتم تسليط الضوء عليها بمناسبة زيارة بابا الفاتيكان إلى المحافظة في آذار الماضي وإقامته صلاة موحدة في أور التاريخية، شهدت اليوم تدشين وافتتاح عدد من المشاريع المهمة من قبل رئيس الوزراء العراقي، ومنها افتتاح المحطة الغازية المركبة والتي تنتج حالياً 500 ميكاواط من الكهرباء على أن يضاف لها 250 ميكاواط في المرحلة الثانية، إلى جانب افتتاح جسر ذي قار الكونكريتي ومستشفى الناصرية التعليمي (بطاقة استيعابية تبلغ 492 سريراً)، بحضور والدة المتظاهر الشهيد عمر سعدون، وكان وضع حجر الأساس لمطار الناصرية الدولي أهم المشاريع التي تم افتتاحها اليوم.
وقال الكاظمي في كلمته خلال وضع حجر الأساس لمطار الناصرية، إن ذي قار عانت خلال الحقب الماضية من إهمال كبير، “ونعمل حالياً على تطويرها في مختلف القطاعات”، مشيراً إلى أن مطار الناصرية الدولي سيفتح “آفاق الاستثمار والسياحة الدولية في المحافظة، كما سيوفر المشروع فرص عمل كثيرة لأهلنا وشبابنا في ذي قار”.
وفي 8 حزيران الجاري، ، جرت في القصر الحكومي، مراسم توقيع عقد مشروع اعادة تاهيل مطار الناصرية بين الحكومة العراقية والحكومة الصينية بحضور رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، حيث وقع العقد عن الحكومة العراقية رئيس سلطة الطيران المدني نائل سعد، فيما وقع عن الجانب الصيني مدير الشركة العامة الصينية للهندسة الانشائية جين كيو.
وأوضح الكاظمي أن “المشروع اعتمد مخططات حديثة تجعل منه مطاراً حيوياً يقدم الخدمات للمسافرين لمحافظة ذي قار والمحافظات المحيطة بها وللمستثمرين والسواح من مختلف دول العالم”، معبراً عن تفاؤله في يجلب المطار الآلاف من السوّاح سنوياً، وينشّط حركة الاستثمار في مختلف القطاعات بالمحافظة، “كما نسعى الى أن نصنع منه مركزاً مهماً للشحن الجوي في المنطقة، نظراً لموقع المحافظة الستراتيجي.”.
330 مليون دولار لتأهيل مشروع مطار الناصرية
مصدر مسؤول في مكتب رئيس الوزراء العراقي، فضل عدم الكشف عن اسمه، قال إنه تم قبل نحو ثمانية أشهر من الآن تشكيل صندوق لإعمار ذي قار، من أجل استكمال المشاريع المتلكئة في المحافظة والتي تشمل مشاريع البنية التحتية والطرق والمستشفيات، مشيراً إلى أهمية خطوة وضع الحجر الأساس لمطار الناصرية واستكماله بالاستفادة من القرض الصيني، كجزء من المشاريع المقرة سابقاً،
ومطار الناصرية الدولي هو أحد مطارات العراق الحديثة وثاني مطار مدني في جنوب العراق بعد مطار البصرة، ورغم أن وزير النقل العراقي الأسبق، كاظم فنجان افتتحه في 10/3/2017 وهبطت أول طائرة فيه قادمة من بغداد، لكن المشروع لا يزال من الملفات الشائكة والمهملة من قبل الحكومات المتلاحقة.
المصدر المسؤول أشار إلى رصد 330 مليون دولار لتأهيل مشروع مطار الناصرية الدولي، مبيناً أنه ليست جميع المشاريع تعود لصندوق إعمار المحافظة بل بعض منها تخص بعض الوزارات مثل النقل والإسكان، كما أن هنالك مشاريع تتعلق بموازنة المحافظة.
وشدد رئيس الوزراء العراقي اليوم من ذي قار على عمل حكومته من أحل اكمال الربط الكهربائي مع دول الجوار، من أجل حل معضلة الكهرباء المتراكمة والمتراكبة بشكل نهائي في العراق، من خلال “حلول جادة وشجاعة وهذا ما تعمل عليه الحكومة بكل قوة”، إلى جانب “خلق فرص عمل كثيرة لأبنائنا الخريجين في مختلف الاختصاصات الطبية”.
ملف التظاهرات والمخطوفين.. وضع اليد على جرح محرج
البعد الثاني والأكثر حساسية لزيارة اليوم كان يتعلق بملف المتظاهرين والمخطوفين والشهداء، حيث التقى رئيس مجلس الوزراء بمجاميع عدّة من شباب المحافظة الذين يمثلون المتظاهرين فيها، من الخريجين وغيرهم، واستمع الى مطالبهم فيما يتعلق بالأوضاع في المحافظة، فضلاً عن آرائهم بمجمل الأوضاع السياسية في البلاد.
وبيّن الكاظمي بحسب بيان مكتبه الإعلامي أن “ما يُطالب به المتظاهرون لا يخرج عن طموح ما تعمل عليه الحكومة، وما هي عازمة على تنفيذه، وإنها قد وضعت نصب العين هدف التنمية الاقتصادية التي توفر فرص العمل والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية، وباقي مطالب الشباب المتظاهر، كما تعمل على تنفيذ الانتخابات المبكّرة بما يضمن أن تكون الصناديق هي المعبر الأساس والحقيقي عن صوت العراقيين، والوسيلة الكفيلة بديمومة حضور المطالب في ساحة القرار”.
كما تفقد الكاظمي منزل والدة شهيد التظاهرات عمر سعدون ووالد الناشط المختطف سجّاد العراقي، وعائلة شهيد الحشد الشعبي ثائر رزاق في الناصرية، وعائلة الشهيد انس مالك الذي استشهد متاثرا بجراحه بعد اصابته خلال التظاهرات في مدينة الناصرية العام الماضي، وقال إن “تغييب الناشطين والإعتداء عليهم يأتي ضمن معركة تخوضها الدولة بالضد من الفساد والخراب وتمدد العابثين المفسدين اضافة الى المتاجرين بالمطالب، حيث اختار الشباب مكانهم في خندق المواجهة مع هؤلاء منذ اللحظة التي خرجوا فيها للتظاهر من أجل العراق”.
يرى مراقبون أن قضية النشطاء المختطفين وعلى رأسهم الشاب سجاد العراقي الذي سبق أن أعلنت السلطات الأمنية عن تحديد الخاطفين دون التمكن من إطلاق سراحه بعد، تحرج الحكومة أمام شريحة المتظاهرين والمتعاطفين معهم، لكن الكاظمي جدد اليوم رفضه “منطق الانتقام”، مستدركاً “إننا عازمون على احقاق الحقوق وفق الاليات القانونية والقضائية التي تعيد للدولة هيبتها، وتعزز ثقة المواطن وامن مستقبله”.
ولفت الكاظمي إلى أن “الاجهزة الامنية والقضائية جادة بالعمل للوصول الى قتلة الناشطين، وقد تمكنا في وقت سابق من إلقاء القبض على قتلة الصحفي الشهيد احمد عبد الصمد وفرق الموت في البصرة وعدد من قتلة المتظاهرين”، مبيناً أن “الناصرية عانت من التهميش لعقود طويلة، ويعاني ابناؤها اليوم بسبب قلة الخدمات والسياسات الخاطئة”.
وألقى باللوم على تراكم الأخطاء “الذي أوصلنا الى مجابهة التحديات والمشاكل الحالية، لكننا نثق بالتعاون المطلوب بين الشعب والأجهزة الحكومية الخدمية منها والأمنية من أجل بناء البلد، ومن أجل حفظ التضحيات التي ضحى من أجلها شهداؤنا الأبرار”،
“أوفينا بوعدنا”
كما عقد رئيس الوزراء العراقي، اجتماعا امنيا مع القيادات الامنية في محافظة ذي قار إلى جانب اجتماع آخر ضم مدراء الدوائر الخدمية في المحافظة، وأكد خلال الاجتماعين على أن “محافظة ذي قار عانى من وضع أمني صعب جداً خلال العام الماضي وقد أثر ذلك في وضع الأهالي وحياتهم اليومية”.
وبدا رئيس الوزراء متفائلاً حيال الأوضاع الحالية، قائلاً: “نحن اليوم أمام وضع جديد في المحافظة، هناك استقرار نسبي يجب الحفاظ عليه وتطويره، ويجب أن يترافق هذا مع الإسراع في انجاز المشاريع الخدمية والعمرانية كي نخلق فرصة أمل للمواطنين، خاصة للشباب الذين عانوا من المشاكل لمدة طويلة ولم تمنح لهم فرصة العمل لصالح محافظتهم”.
من جانبه، كشف محافظ ذي قار، أحمد الخفاجي، عن توفر 11 ألف فرصة عمل بمشاريع المحافظة الجديدة، مبيناً أن المدينة الصناعية ستوفر من 3000 الى 4000 آلاف فرصة عمل، أما مطار الناصرية الدولي فسيوفر 2000 فرصة عمل مباشرة، ولفت إلى أن “هدف المحافظة هو اكمال الموافقات لاحالة مصفى الناصرية الى احدى الشركات المستثمرة، وسيوفر المشروع أكثر من 5 آلاف درجة وظيفية”.
وبعد عودته إلى بغداد، غرد رئيس الوزراء العراقي قائلاً: “زرنا ذي قار التأريخ والأصالة اليوم، لافتتاح مشاريع متلكئة لسنوات، وأوفينا بوعدنا في إكمالها، مازال أمام الناصرية الجريحة الكثير من العمل، لتستعيد عافيتها بما تستحقه بتضامن أبنائها”، شاكراً أهالي ذي قار “فخرنا وعزتنا وموطن الإباء والقيم العالية، مطالبكم المحقة مسؤولية وتنفيذها واجب”.
تأتي هذه الزيارة كالتفاتة لأوضاع المحافظات التي يشكو أهاليها من التهميش من قبل المركز وتتضمن رسالة توحي بالاهتمام بشريحة الشباب العاطلين وتقدير المتظاهرين وذويهم، قبيل جولة خارجية من المقرر أن يبدأها الكاظمي خلال الأيام المقبلة وتشمل دولاً أوروبية عدة.