مبادرة من الجيل الجديد.. تأسيس بيت الرواية في المغرب

أُعلن أخيرا تأسيس بيت الرواية في المغرب من لدن الناقد سليمان الحقيوي والروائي عبد العزيز الراشدي.

وجاء هذا الخبر مفاجئا لبعض من ينتقد السطوة الثقافية التي باتت تمارسها الرواية داخل مجال الأدب المغربي، بحكم حظوة مادية أضحى يتنزلها هذا الجنس بالمقارنة مع الشعر أو القصة أمام ظهور مؤسسات عربية كثيرة تدعم الرواية العربية ومتخيلها الإبداعي.

ورغم أن هذه الخطوة الثقافية لم تخلق وعيا كبيرا داخل كتابات روائية مغربية عدة ينعدم فيها مفهوم “العمل” بما يحمله من تركيب وجماليات اللغة وانسيابية الأسلوب وفتنة الحكي ومخاتلات السرد وغيرها، وهو ما يمنح الكتابة الروائية خصائصها الفكرية والجمالية وشروطها التاريخية والواقعية، فإن غياب هذا الاهتمام بمعمار الرواية تاريخيا وفنيا وجماليا على حساب كتابات روائية يجرب أصحابها مدى قدرتهم على مواصلة السرد إلى نهاية الحكاية، ساهم في إبراز رواية ضحلة وهشة وكأنها تعيش انفصاما على مستوى الكتابة، بين متخيل كاتبها والواقع الذي ينتمي إليه.

وعي التأسيس
والسبب لا يعود فقط إلى عجز الكاتب عن النجاح في الاهتمام بتفاصيل روايته، وضعف قدرته على اجتراح خيط سردي لها أو حتى على نحت شخصياته أو إقامة عناق مع واقع معين، بقدر ما يبقى المشكل مرتبطا لدى صاحب الرواية في كون منطلقاته التي قادته إلى التفكير في كتابة رواية، لم تكن مؤسسة على وعي سابق بأهمية الكتابة داخل جنس الرواية، ما دام ينظر إلى الأمر من الجانب المادي للمسألة، لا بما تتيحه الرواية لصاحبها من قوة على مستوى تفجير مكنوناته الإبداعية وتطويعها سياسيا واجتماعيا داخل طبقات ومستويات متنوعة من السرد.

وذلك بالنظر إلى المجهودات المبذولة من لدن المؤسسات الأدبية في تكريس الرواية، وكأنها “موضة” الزمن الثقافي العربي المعاصر على حساب الشعر الذي أصبح يتراجع يوما بعد يوم، ليس فقط من داخل الساحة الأدبية العربية، وإنما من الحياة اليومية العالمية ككل.

وهذا الأمر ينطبق حتى على الفنون البصرية الأخرى مثل التشكيل والفوتوغرافيا والسينما، التي وجدت نفسها داخل إطار ضيق على مستوى الاشتغال، بحكم القدر التاريخي الرهيب، الذي خيم على مفهوم “الصورة” بمختلف تمثلاتها الفنية وتمظهراتها الجمالية من لدن بعض الفقهاء إبان العصر الوسيط.

والحقيقة أن هذا “العداء” ما زال مستمرا إلى حدود اليوم ويتمثل بدرجة قد لا يصدقها العقل داخل مختبرات علمية مغربية، غدت تنتج آلاف الصفحات النقدية المضللة عن روايات لم يقرأها أحد، ولا حتى سمع بها.

من ثم، جاءت آراء الناس متضاربة بشأن جدوى تأسيس بيت الرواية في المغرب، لكنه رأي لن يعمر طويلا أمام حجم الكتّاب المغاربة على مختلف مشاربهم الفكرية والإبداعية، الذين تفاعلوا مع خبر هذا التأسيس؛ أولا، لأنه ينطلق من واقع عيني مباشر يراعي الخصوصيات الثقافية والتاريخية، التي أصبح يحبل بها الخطاب الروائي المغربي المعاصر، بحكم ملامح معرفية عدة تؤكد الإبدال الجمالي الذي أصبح يطبع هذه المتون الروائية المغربية ويجعلها في مقدمة “المشروع” الروائي العربي.

اعلان
وثانيا لأن فكرة التأسيس لم تأت من أعيان وزارة الثقافة أو أباطرة اتحاد كتّاب المغرب، بل فقط من أسماء واعدة من الجيل الجديد داخل الثقافة المغربية، الناقد سليمان الحقيوي والروائي عبد العزيز الراشدي.

وفي تصريحات خاصة -للجزيرة نت- يتحدث سليمان الحقيوي، عن بداية تشكل معالم التفكير في تأسيس أول بيت للرواية في المغرب، بقوله إن التأسيس “خلقته حاجة موضوعية أفرزتها لقاءات ونقاشات تواترت عبر السنوات داخل الحقل الثقافي المغربي”.

ويضيف الحقيوي “لقد لوحظ توجه متزايد نحو كتابة الرواية وقراءتها والاهتمام بها، ولعل تأسيس بيت الرواية تعبير عملي عن هذه الأفكار والتطلعات ورغبة في خلق إطار ثقافي بحجم هذه الحركية وتنوع أشكال تعبيرها وقضاياها”.

ويضيف الكاتب والناقد المغربي أنه حين فاتحه الروائي عبد العزيز الراشدي بفكرة البيت “استحسنتها وبدت لي مناسبة في هذه المرحلة، خاصة أن عبد العزيز قد أدار ملتقى أكادير الروائي 7 سنوات، واستضاف عشرات الروائيين من المغرب والعالم العربي، وكانت فكرته الجديدة أن يستمر الملتقى بصيغة أوسع لا تشمل مدينة واحدة فقط، بل تتسع نحو آفاق تناسب حجم التراكم الحادث اليوم في حقل الرواية”.

ولا يفوت الحقيوي التأكيد أنه سيتم بالإضافة إلى ذلك “تأسيس مجلة للرواية وجائزة رفيعة”. ويرى أنه ومن موقعه “بصفته ناقدا سينمائيا يهتم بالسرود التي تلامس شغف السينما وعوالمها، بدا له أن انفتاح النص الروائي على الأنساق البصرية من تشكيل وسينما سيعزز دور الرواية ويسهم في تلقيها بالشكل المأمول، كما سيفيد في تطوير طرائق السرد”.

تأسيس في خضم التحولات
أما عن أهمية هذا التأسيس بالنظر إلى التحولات الجوهرية التي شهدتها المنظومة الثقافية المغربية والتي تجعل من الخطاب المكتوب في قائمة التفكير النقدي عوض الخطاب البصري، فيرى الحقيوي أن “هناك قلقا موضوعيا يستدعيه التطور الطارئ على الثقافة الإنسانية عموما والمغربية خصوصا. وهو قلق مشروع بالنظر إلى صعود ثقافة الصورة التي تنحو نحو التبسيط وتنشد الجماهيرية وتغيب الثقافة الجادة”.

لكنه يضيف أن “الخطاب المكتوب له مركزيته والرواية توجد في منطقة مهمة داخل هذا المركز”، وأن “الحكاية هبة قد يصدق عليها القول إنها غريزية لدى الإنسان، لذلك ستظل الرواية حاضرة في وجدان البشر رغم كل تطور حادث، فالشكل الروائي لا يزال في المجتمعات التي تضع القراءة في أعلى هرم الاهتمام رغم زحف وسائط أخرى بصرية”.

ثم إن الرواية في نظر سليمان الحقيوي “تستمر في حفظ هوية الشعوب، وتسجيل ذاكرتها، وتحفز الأجيال على التفكير وتعليم الخيال والثقة بالأدب وآثاره في الإنسان”.

ولا ينسى الحقيوي أن رهان البيت “يبقى منفتحا على الأنساق البصرية المختلفة، خصوصا السينما والتشكيل، وإقامة مثل هذه الجسور ستسهم في انفتاح النص الروائي على السينما تحديدا، خصوصا أن السينما المغربية تمرّ أيضا بلحظة إنتاجية مهمة بلغ معها عدد الأفلام المنتجة 25 فيلما طويلا”.

ويتابع الناقد السينمائي كلامه “لكنه لم يحدث حتى الآن تعاون مثلما يحدث في بلدان أخرى تراهن على السينما وقوتها الناعمة، ومن ضمن المهام التي نفكر فيها خلق لقاءات بين مهنيي السينما وكتّاب الرواية للتعريف بأحدث الإصدارات من جهة ولتدارس سبل التعاون المشترك والكتابة للسينما”.

المنطلقات المعرفية
أما عن أهم المنطلقات المعرفية التي تؤسس جوهر هذا التأسيس، فيرى الحقيوي أن المنطلق الذي يستند إليه مشروع بيت الرواية يتمثل في “ربط الإنتاج الروائي المغربي بالتلقي والإبداع والتسويق أيضا، فجزء كبير من ضعف الإقبال على قراءة الرواية المغربية مردّه إلى غياب التعريف بها ومحدودية الأنشطة التي تواكب هذا الإنتاج”.

كما يرى أن “الفورة الإبداعية اللافتة للنظر تفرض نقدها للوقوف على جمالياتها ومضامينها الجديدة خصوصا أن حركتيها مدفوعة أساسا بالحركية التي يعرفها المجتمع المغربي، وهي حركية سريعة ومندفعة تستعصي على أصناف إبداعية متعددة، لكن الرواية بفضل خصائصها تتعامل مع الواقع وتستنطقه وتعبر به فنيا، والمهم أن كل جديد في حقل الرواية سيكون على طاولة بيت الرواية”.

ويتابع أن “التطور الذي تشهده الكتابة الروائية في المغرب، والذي يبلغ حد وصفه بالانفجار السردي، لهو تعدد في كل شيء، بدءا من الموضوعات التي تنفتح على كل شيء ماضيا وحاضرا (التاريخ، والسياسة، والجنس، والفساد)، فالنص الروائي يطرق أبواب موضوعاته عبر مداخل مختلفة تمس التغيرات التي يعرفها المجتمع المغربي”.

وعلى هذا الأساس يختم الحقيوي حديثه إلى الجزيرة نت بأن “الرواية اليوم هي ذاكرة حاضنة للهوية المغربية سرديا، فتعدد المواضيع يوازيه أيضا تجريب لأشكال تعبير مختلفة ومتعددة فلم تعد الكتابة مقتصرة على السيرة الذاتية كشكل تعبيري، بل لدى كتاب اليوم (من الجيل القديم والجديد) جرأة كبيرة على اجتراح مسالك تعبير بحسب مواضيع المتون التي يكتبونها. وهذه المرحلة هي لحظة تستدعي كثيرا من الإنصات والمواكبة والتعريف”.

Related Posts