بلاسخارت تؤكد ضرورة التوصل الى اتفاق عاجل حول كيفية تعزيز النظام الفيدرالي في العراق

أكدت الممثل الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، ضرورة التوصل إلى اتفاق بشكل عاجل حول كيفية تعزيز النظام الفيدرالي في العراق.

جاء ذلك في إحاطة بلاسخارت المقدمة الى مجلس الأمن، اليوم الثلاثاء (24 تشرين الثاني 2020).

وأدناه نص الاحاطة:

“سيدتي الرئيسة، السيدات والسادة أعضاء مجلس الأمن الموقرون

في إحاطتي الأخيرة أمامكم، قلت إن الحكومة العراقية تعمل في قلب عدة عواصف في آن واحد، ومنذ البداية أود أن أشدد على أن الوضع ما زال كذلك إلى حد كبير.

ولا تزال عدة أزمات واضحة، لكنها مترابطة ويعزز بعضها بعضاً -على الجبهات السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، وبالطبع الصحية- مازالت هذه الازمات تؤثر على قدرة الحكومة وتجبرها على العمل بأسلوب رد الفعل وإدارة الأزمة.

وفي حين أننا جميعاً نأمل في بدء تعافٍ عالمي من جائحة كورونا، إلا أنه من الواضح أن تأثيراتها المدمرة يمكن توقع استمرارها، للأسف.

سيدتي الرئيسة

أقل ما يقال عن الوضع المالي والاقتصادي في العراق أنه لا يزال يدعو للقلق، حيث من المتوقع انكماش الاقتصاد بما يقرب من 10% هذا العام.

والآن، لقد تسبب تأثير الجائحة في مزيد من الفوضى في النشاط الضعيف للغاية أساساً في القطاع الخاص. وتواصل أسعار النفط ركودها المتواصل، مما يشكل ضغطاً باتجاه الانخفاض على الناتج المحلي الإجمالي والإيرادات المحلية.

وفي منتصف تشرين الثاني تم الإعلان عن الورقة الاقتصادية البيضاء التي طال انتظارها، حيث تقدم هذه الوثيقة المهمة نظرة عامة مفيدة للغاية عن الاختلالات الهيكلية التي اتصف بها الاقتصاد العراقي، كما تصف مجموعة متنوعة من التدابير الإصلاحية التي تمس الحاجة اليها، وتقر بالفرص العديدة التي تبددت منذ عام 2003.

ولكن في حين لا يختلف إلّا القليلين على الحاجة الملحة للسير بالعراق نحو التعافي الاقتصادي، والقدرة على مواجهة الأزمات، نبقى بحاجة لأن نعرف كيف ومتى يمكن لذلك أن يتحقق، أو لأقولها بصراحة أكبر: نبقى في حاجة لمعرفة المزيد بشأن “خطة اللعبة” السياسية.

وهناك شيء واحد جلي: في غياب إجماع سياسي واسع لتحويل الورقة البيضاء إلى حقيقة، هناك مجازفة أن تبقى “كلمات” على ورق فحسب.

لكن اسمحوا لي أن أشدد على أنه لا يمكن أن تتأخر التدابير الجادة والحازمة لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية الحالية ولو ليوم واحد، وسيتعين على الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية وغيرهم أن يرتقوا مجتمعين إلى مستوى مسؤوليتهم.

ومع اقتراب موعد الانتخابات، لا يسعني إلا أن آمل ألّا يتم التغاضي عن الإصلاحات الملحّة، بما فيها من تدابير مؤلمة للغاية، حيث لا يمكن لذلك إلا أن يزيد وضع العراق سوءاً، وبذلك يثير الاضطرابات الاجتماعية، عاجلاً أم آجلاً. وبكلمات أخرى، يحدوني أمل كبير بأن يقاوم الزعماء السياسيون أغراء استخدام المواعيد الانتخابية كسبب لعدم الإنجاز.

والان وفي هذه الأثناء، ارتأت الحكومة العراقية ضرورة اللجوء للاقتراض للإيفاء بالتزاماتها لما تبقى من عام 2020، بما في ذلك دفع رواتب موظفي القطاع العام.

وكان لقانون الاقتراض الأصلي، كما اقترحه وزير المالية، هدف واضح جداً: خلق حيز مالي لتنفيذ الإصلاحات. وكانت الإصلاحات تحتاج إلى تنويع الاقتصاد العراقي وتقليل اعتماده على النفط، وتحتاج إلى تعزيز الفرص الاقتصادية مع الدفع بالتنمية المستدامة قدماً، وتحتاج إلى تحقيق تطلعات العديد من العراقيين ممن خرجوا إلى الشارع متظاهرين.

بيد أن القانون، كما عدّله وأقره البرلمان في الواقع، يحدد بشكل كبير المجال المتاح أمام الحكومة للمناورة، لذا على المرء أن يتساءل: هل تبرر الغاية الوسيلة؟

كما أن علينا دائماً ألّا ننسى الأهمية الجوهرية لمحاربة الفساد، مع الحفاظ على الحقوق الأساسية عند القيام بذلك، وبكلمات أخرى: لا بد أن يترافق أي جهد لإصلاح الاقتصاد العراقي مع تحسين الحوكمة والشفافية.

إضافة إلى ما تقدم، يبقى شيوع “المحاصصة” والمحاباة والمحسوبية عائقاً أمام إحراز تقدم في العراق. وهذا ما يجب معالجته كذلك على نحو عاجل، وإلّا استمرت سرقة الموارد العامة وكذلك آمال وتطلعات الشعب العراقي.

فضلاً عن ذلك، لا تعد مكافحة آفة الفساد والسعي إلى أشكال أكثر استدامة وشمولاً من التنمية والنمو الاقتصاديين وإلى مزيد من فرص العمل الكريمة، مجرد ضرورات اقتصادية فحسب.

لقد قلت سابقاً: تلك هي في نهاية المطاف أفضل الأدوات في أي معالجة باتجاه “السلام والأمن”، حيث تقدم معالجات دائمة للاضطرابات والنزاعات وبناء القدرة المحلية على مواجهة الأزمات، بدل البقاء دائماً في خضم إدارة الأزمات.

وفي نهاية المطاف، تعد القدرة المحلية على مواجهة الأزمات أفضل دفاع ضد أي شكل من أشكال التدخل الخارجي.

سيدتي الرئيسة، استذكر العراقيون مؤخراً الذكرى السنوية الأولى لانطلاق التظاهرات التي بدأت في شهر تشرين الأول 2019، وكان ذلك بمثابة تعبير قوي عن التضامن والوطنية من العراقيين الذين طالبوا بالعدالة وطمحوا إلى بناء وطن أكثر استقراراً وازدهاراً، وكانت لحظةً لاستذكار الأرواح الشجاعة التي فقدناها.

آمل حقاً أن يبقى إصرارهم المشترك لتحقيق مستقبل أفضل ملهماً وهادياً لزعماء العراق.

وأود أن أشدد، كما فعلت مرات عدة، على أنه يتوجب الدفاع عن الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي في كل مكان في أنحاء العراق.

والآن، فإن مستويات العنف المنخفضة بشكل كبير مشجعة بالفعل ولكّن واقع العراق لا يزال قاسياً – إذ لا تزال عمليات الاختفاء القسري والاغتيالات تشكل جزءاً من هذا الواقع.

وفي هذا السياق، أود أن أؤكد مرة أخرى على الحاجة الملحَّة للعدالة والمساءلة. وتم الآن تفعيل لجنة لتقصي الحقائق. ومع ذلك، فإنه لم ينتج عنها لحد الآن نهاية سريعة للإفلات من العقاب.

فيما يتعلق بانتخابات حزيران 2021، أود أن أستذكر الكلمات الحكيمة لآية الله العظمى السيستاني.

أثناء لقائي بسماحته في منتصف شهر أيلول، أوضح سماحته أن الانتخابات المبكرة، إذا أجريت بشكل صحيح، يمكن أن توفر طريقًا سلميًا للخروج من المعاناة المستمرة للبلاد.

وأكد سماحته على أهمية التصويت بحرية ودون أي ضغوط وشدد على ضرورة النزاهة والشفافية والمراقبة.

الآن، سيدتي الرئيسة، يسعدني أن أبلغكم أن البرلمان قد أنهى مؤخرا التشريع الانتخابي الضروري. وتماشياً مع ولاية يونامي نقوم الآن بزيادة مساعدتنا الفنية.

ويمكن، بل يجب تعزيز القدرة المؤسساتية الانتخابية في العراق. لذلك نطلب ونتوقع من الجهات المعنية أن تضع وأن تفكر في الحلول بدلاً من العقبات.

وفي أواخر الأسبوع الماضي، أرسلت الحكومة العراقية رسالة إلى هذا المجلس تطلب فيها “الحصول على المزيد من الدعم والمساعدة الفنية والمراقبة الانتخابية في إطار دعم البعثة للعراق”. وشرح السيد وزير الخارجية، في مؤتمر صحفي، الطلب وأكد الحاجة الى استعادة ثقة الشعب وتعزيز المشاركة.

وبعد بيان ما سلف، أود أن أؤكد، أنه في جميع الظروف ستكون الانتخابات ملكاً للعراقيين ويقودها العراقيون أنفسهم.

وفي الواقع، لا تقع مسؤولية إجراء انتخابات ذات مصداقية على عاتق السلطات العراقية فحسب، بل تقع على عاتق جميع الجهات العراقية المعنية بعملية الانتخابات وجميع الجهات السياسية الفاعلة وجميع المواطنين العراقيين المدعوين للعب دور أكبر في المجال العام.

وبدافع من الرغبة الوطنية في تحسين بلدهم يمكن للشعب العراقي، ولا سيما النساء والشباب، اغتنام هذه الفرصة لإسماع أصواتهم، بصفتهم ناخبين أو بصفتهم مرشحين.

واسمحوا لي ان أغتنم فرصة تقديم هذه الاحاطة لأعيد التأكيد بأوضح العبارات على أن الاستعدادات الانتخابية يجب أن تظل بمعزل عن التدخل السياسي في جميع المراحل.

سيدتي الرئيسة، بينما نرحب بتراجع عدد الهجمات على البعثات الدبلوماسية في الأسابيع الأخيرة – فإن الهجمات الصاروخية المؤسفة بتاريخ 17 تشرين الثاني هي تذكير صارخ آخر بحقيقة أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به – بما في ذلك العمل الجاد لإجراء حوار واسع وهادف.

والآن، ولأسباب متنوعة، ستكون الأشهر المقبلة فترة حساسة وحاسمة. ويجب أن يكون مفهوماً أن أي شكل من أشكال المعلومات المضللة، وجميع أنواع المؤامرات و/ أو الافتقار الملحوظ للشفافية أو الالتزام، يمكن أن يؤدي إلى حسابات خاطئة مؤسفة وذات نتائج عكسية.

وفي غضون ذلك، تواصل القيادة العراقية تأكيد استقلالها وسيادتها وتسعى إلى الابقاء على جميع قنوات الاتصال مفتوحة في الوقت الذي تبني فيه سياسة خارجية تخدم المصلحة الوطنية للعراق.

إن مركزية العراق في بناء الاستقرار الإقليمي حقيقة قائمة. ويجدر بنا ان نكرر بأن العراق يجب أن يكون بمنأى عن منافسات القوى الأجنبية – وأنه يجب إعطاء العراقيين مجالًا للتركيز على قوتهم في الداخل.

فيما يتعلق بالعلاقات بين بغداد وأربيل: نتفق جميعًا على أن العلاقة الإيجابية والبناءة بين العراق الفيدرالي وإقليم كوردستان تشكل عاملاً رئيسياً في استقرار البلد بأكمله.

ومع ذلك، فقد أظهر التصويت الأخير في البرلمان بشأن قانون الاقتراض – مرة أخرى – مدى هشاشة هذه العلاقة.

دعونا نتذكر أن إداء رقصة التانغو يتطلب شخصين. ونتوقع من الطرفين الحفاظ على التزامهما في الصفقة. إننا نتوقع من الطرفين إظهار الشفافية – سواء كان ذلك في إدارة الإيرادات أو في قضايا خلافية أخرى لا حصر لها.

ومع ذلك، يجب أن يكون واضحًا أن الموظف العام في إقليم كردستان ليس فقط موظفًا عامًا في إقليم كوردستان: فهو/ هي أيضًا مواطن/ مواطنة عراقي/ عراقية.

ويجب ان تكون رواتب موظفي الخدمة المدنية بمنأى عن النزاعات السياسية، فلا يمكن ولا ينبغي أن يقعوا جميعهم ضحية، لذا فإن الحل مسألة ملحّة، والإرادة السياسية لإيجاد مخرج سوف تثبت – مرة أخرى – أنها ذات أهمية كبرى.

الآن، كما أكدت خلال اخر إحاطة لي، فإن المفاوضات البناءة بين بغداد وأربيل يعرقلها التوجيه الدستوري غير الواضح. وهذا الغموض – لسوء الحظ – يضر يوميا بالكثير من القضايا العالقة.

وفي غضون الأعوام الخمسة عشر الماضية، تم إهدار الكثير من الفرص للتوصل إلى مجموعة واضحة من المبادئ والقواعد والمبادئ التوجيهية. ولكن يجب الآن التوصل إلى اتفاق بشكل عاجل حول كيفية تعزيز النظام الفيدرالي.

ونعم، مع وجود الكثير من القضايا الملحة الأخرى المطروحة على طاولاتهم، قد يميل القادة والسياسيون العراقيون إلى تجاهل هذه القضية ولكن الحقيقة المرّة هي: طالما لم يتم التوصل الى حلول دائمة، فلن تتحسن العلاقة. بل على العكس من ذلك.

سيدتي الرئيسة، إن رغبة الحكومة العراقية في التوصل الى حل سريع لمشكلة النزوح الداخلي أمر مفهوم ومبرر على حد سواء.

ومع ذلك، وفي غياب حلول كافية ودائمة، برزت خلال الأسابيع الأخيرة مخاوف جدية بشأن تخطيط وتنفيذ عمليات إغلاق المخيمات ودمجها.

وبينما نتفهم تماما بأن السلطات العراقية تعمل تحت ضغط زمني هائل، يجب أن يكون واضحا بأن إغلاق المخيمات ينبغي ألا يؤدي إلى أزمة أخرى- على سبيل المثال في شكل نزوح ثانوي وهو ما يحدث بالفعل.

وبالتنسيق مع السلطات العراقية، نواصل عملنا بشأن خطة “الحلول الدائمة” المشتركة، بينما نعمل في الوقت ذاته على تقديم الخدمات المنقذة للحياة للنازحين الذين لا يستطيعون إيجاد سكن آمن وبأسعار معقولة.

إسمحي لي بأن أنتقل الآن إلى سنجار، سيدتي الرئيسة.

فقد تم توقيع اتفاق جرى التوصل اليه بشق الأنفس بين بغداد وأربيل مطلع تشرين الأول. وهو اتفاق هام، حيث يمكن أن يمهد الطريق لمرحلة جديدة لسنجار ولجميع أهالي سنجار.

مرحلة جديدة ستكون فيها مصلحة أهل سنجار في المقام الأول؛ مرحلة سيتم فيها تسريع وتيرة إعادة الإعمار وتحسين تقديم الخدمات العامة. مرحلة جديد تمكن كل أهالي سنجار النازحين من العودة إلى ديارهم.

من المسلم به، إن توقيع مثل هذا الاتفاق هو مجرد خطوة أولى. كما أكدت لكافة الجهات المعنية وممثلي اهل سنجار خلال اجتماع مشترك في الموصل الأسبوع الماضي: إن التنفيذ السريع والحاسم والمنسق تنسيقاً جيداً سيثبت الان انه ضروري. تشكل الهياكل الأمنية المستقرة الأولوية الأولى، تليها الإدارة الموحدة.

اسمحوا لي الآن بالانتقال الى قضية المفقودين الكويتيين ورعايا البلدان الاخرى والممتلكات الكويتية المفقودة بما في ذلك المحفوظات الوطنية.

على الرغم من الظروف الصعبة التي فرضتها الجائحة، يسرني ان ابلغكم بأنه – تحت رعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر وبمساعدة البعثة، سلمت الحكومة العراقية بتاريخ 16 أيلول إلى الكويت رفات 20 شخصا تم استخراج رفاتهم من مقبرة جماعية في جنوب العراق كانون الثاني الماضي.

إن هذه الخطوة تثبت التزام العراق المستمر بإنهاء هذا الملف الإنساني.

كما حدث تطور مهم آخر قبل يومين، فقد أكدت السلطات الكويتية علنا التعرف على هوية 7 أشخاص كويتيين مفقودين مما يرجى منه ان يضع حداً لمعاناة عائلاتهم.

سيدتي الرئيسة، في الختام، أود أن أدعو إلى مواصلة التضامن مع الشعب العراقي.

بالطبع، مع استمرار الجائحة العالمية، فإننا نتفهم فهماً جيداً التحديات الكثيرة التي تواجهها الدول، ومن السهل إغفال آمال وأحلام العراقيين في هذا المنعطف المهم في تاريخهم الحديث.

ولكن إذا ما علمتنا هذه الجائحة أي شيء، علمتنا بأن المشاكل المحلية نادرا ما تبقى محلية وتتحول بسرعة إلى مشاكل في الخارج.

وبعبارة أخرى: إن دعمكم المستمر لا يزال حيويا وموضع تقدير كبير. شكرا لكم”.

Related Posts