نوبل والأدب العربي.. من أخفق في الوصول للآخر؟

كان الأديب العالمي نجيب محفوظ يغط في نوم عميق عندما أيقظته زوجته لتخبره بفوزه بجائزة نوبل للآداب، في البدء لم يصدق الخبر وعدّه مزحة ثم تأكد بعد دقائق عندما وجد السفير السويدي يطرق باب بيته لتهنئته بالفوز.

بالطبع سعد محفوظ بالجائزة التي حصل عليها في 14 أكتوبر/تشرين الأول 1988، لكنه لم يخفِ وقتئذ أحقية رواد الأدب العربي بها أكثر منه كالأديب يحيى حقي.

لذلك أهدى الأديب العالمي الجائزة إلى حقي، وصرح أنه يشعر بالخجل لكونه نال نوبل في حياة حقي وهو صاحب الدور الأكبر في التأسيس للقصة والرواية كنوع أدبي جديد.

ومع الذكرى الـ32 لفوز محفوظ بنوبل يتجدد الجدل حول أحقيته بها، ذلك الجدل الذي ينبع أساسا من كونه الأديب العربي الوحيد الذي حصل على الجائزة منذ انطلاقها عام 1901.

وعلى ذلك يكون التساؤل الأكثر منطقية وإجمالا لإشكالية نوبل والأدب العربي هو الخاص بالسبب الذي يجعل الأدباء العرب بعيدين عن نيل الجائزة، وليس السؤال المتعلق بأحقية محفوظ بها.

مرشحون كُثر
المتتبع لمسيرة نجيب محفوظ الأدبية يجده لم يؤلف الروايات بقدر ما كتب للمصريين، لذا صُنف رائدا للواقعية وحافظا أمينا لماهية الشخصية المصرية.

والكثيرون سواء من النقاد أو القراء أو الكتّاب رأوا أن الأديب العالمي استهدف من خلال مشروع أدبي متكامل تأريخ الهوية المصرية، مستشرفا لما سيحدث لها من طمس في سنوات لن يشهدها؛ فركّز على الحارة باعتبارها عالما أصيلا لأبطاله.

وعلى أهمية محفوظ في نسج خيوط الرواية العربية والخروج بها إلى العالمية، ظل هناك سرب طويل من الأدباء يحلقون في سماء الإبداع، لكنهم أبدا ما حظوا بنوبل.

فبخلاف يحيى حقي الذي خجل محفوظ من أن ينال نوبل في حياته، هناك عميد الأدب العربي طه حسين الذي ترشح للجائزة 14 مرة بين عامي 1949 و1964.

ووفقا لما ذكره محمد سلماوي رئيس اتحاد كتاب مصر السابق في مذكراته المنشورة تحت عنوان “يوما أو بعض يوم”، فإن طه حسين كان أقرب المرشحين للفوز في سنة 1949.

واستطرد “لكن يبدو أن اللجنة كانت تحاول تقديم الجائزة للأديب الأميركي وليام فوكنر، فاضطرت لتأجيلها لعام آخر حتى يتم ترشيحه ومن ثم إعلان فوزه، أو أنها رفضت فوز طه حسين نفسه بعد علمها أو توقعها فوزه بالتصويت من قائمة المرشحين”.

ولفت سلماوي إلى أن ذلك العام كان العام التالي لقيام دولة إسرائيل وخوضها حربا ضد الدول العربية، واحتياجها لطمس الهوية العربية في العالم وعدم ذكرها.

وما يدعم رؤية رئيس اتحاد الكتاب السابق أنه في عام 1966 فاز بنوبل الكاتب اليهودي الإسرائيلي شموئيل يوسف عجنون الذي يناصر الصهيونية، وتتركز كتابته على الهوية اليهودية، مع الشاعرة اليهودية نيلي زاكس التي عمدت في أعمالها إلى إبراز معاناة بني معتقدها الديني.

كذلك رُشح القاص والروائي يوسف إدريس والكاتب أنيس منصور للفوز بنوبل كل منهما 3 مرات، كما رشح لها الأديب توفيق الحكيم مرة واحدة. وعلى ثقل الأسماء الثلاثة في عالم الإبداع إلا أن أحدهم لم يفز بها.

ومن الأسماء المصرية التي لم تحظ هي الأخرى بالجائزة، ووقفت عند حدود الترشح الروائي خيري شلبي والكاتبة نوال السعداوي.

أما عربيا فظلت قامات أدبية كبيرة لا ترقى من وجهة نظر لجنة تحكيم نوبل للفوز بالجائزة على الرغم من ترشحهم أكثر من مرة مثل الشاعر الفلسطيني محمود درويش، والشاعر السوري أدونيس، والشاعر العراقي مظفر النواب، والروائي الليبي إبرهيم الكوني، والكاتبة الجزائرية آسيا جبار، والكاتب الصومالي نور الدين فرح.

اللغة والسياسة
يقرأ أعضاء لجنة تحكيم نوبل الأعمال الأدبية المرشحة لنيل الجائزة بالفرنسية والألمانية والإنجليزية والسويدية، وبالنظر لقلة الأدب العربي المترجم لتلك اللغات يمكن أن نفهم ما تؤول إليه أمور المنافسة.

وفي هذا الصدد يشير الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد إلى أن مجموع الأعمال العربية المترجمة إلى لغات أجنبية لا تتجاوز نحو 100 رواية عربية، و40 ديوانا شعريا.

وتعليقا على الأسماء الفائزة بنوبل في دورتها الأخيرة، أكد في تصريحات متلفزة ضرورة دعم دور النشر الأجنبية لتبني أعمال الأدباء العرب حتى تنتشر خارجيا، ويتم النظر إليها بعين الاعتبار.

وإلى جانب عائق اللغة هناك أيضا عامل هام وهو السياسة والتي يشير كثير من الكتّاب إلى أنها تتحكم فيمن يقع عليهم الاختيار، فأوضح عبد المجيد أن نوبل تحكمها التوجهات السياسية.

وأردف “السياسة هي التي يركز عليها الغرب عندما يدور الحديث عن الأعمال الأدبية العربية. وعندما أحضر ندوات أدبية في الخارج، يكون الحديث عن الأوضاع السياسية في المنطقة العربية أكثر من الحديث عن الرواية نفسها، وهو ما يوضح النظرة والاتجاه التى تنظر به إدارة الجائزة نحونا”.

ولكن يبدو أن نوبل لا تتجاهل العرب وحدهم، فقد ذكرت الكاتب اللبنانية سوسن الأبطح في مقال لها بعنوان “نوبل ليست لكم” أن الصين أمة المليار ونيف لم تنل الجائزة في مجال الآداب إلا مرتين، وكذلك الحال بالنسبة لليابان على أهميتها في العالم.

وترجح الأبطح أن تكون اللغة الإسبانية هي الشفيع للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، والكاتب المكسيكي أوكتافيو للفوز بنوبل.

وعلى عكس الكاتب المصري إبراهيم عبد المجيد، رأت الأبطح أن ترجمة الأعمال الأدبية ليست سبيلا لحصد الجائزة العالمية، موضحة في مقالها أن الثقافة المعولمة لها مركزية غربية.

وتابعت “تغيير هذا الواقع يحتاج أن يكون للغتك كيانها وأدبها وجوائزها التي تصون أسرارها، وأن يقرأ كتابها بلغتهم أولا، ويتمكنوا من تشكيل ضمير شعوبهم. أما انتظار التكريم الخارجي فهذا حقا من بؤس الأيام على الأمة”.

تلك الرؤية يتبناها الروائي المصري عزّت القمحاوي الذي يعتبر نوبل ذات هوى أوروبي، لافتا إلى تجاهل إسهامات الأدب العربي لصالح اعتبارات أوروبية وسياسية.

وأضاف في تصريح صحفي، أن الإبداع العربي لا يحتاج إلى جائزة نوبل حتى يثبت حضوره، كما أن المبدعين العرب كان لهم حضور بارز بالفعل في الغرب، كالشاعر الفلسطيني محمود درويش ولكن تم تجاهله.

وازداد القمحاوي في حماسته للمنتج العربي مؤكدا أن الأدب العربي له تراث وحاضر، وعلى الباحثين الغربيين الاجتهاد لاكتشافه كما يسعى العرب إلى اكتشافهم.

جدل الانحياز
ويرى الأكاديمي الأميركي بروتون فيلدمان في كتابه النقدي “جائزة نوبل.. تاريخ العبقرية والجدال والحظوة”، أن “الجائزة تُرى على نطاق واسع كجائزة سياسية، أي جائزة نوبل للسلام متنكرة في قناع أدبي”.

ويرى فيلدمان وغيره من نقاد الجائزة أن أعضاء اللجنة الذين يختارون الأعمال الفائزة بنوبل للآداب يتحيزون ضد المؤلفين ذوي الأذواق السياسية المختلفة عن ميولهم.

وكان السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية هوراس إنجدل، قد أعلن عام 2009 أن “أوروبا لا تزال مركز العالم الأدبي”.

وينظر نقاد الجائزة إلى تاريخ طويل مما يعدّونه انحيازات سياسية وغير أدبية للجائزة العالمية، فمن العام 1901 إلى 1912 قيّمت اللجنة السويدية برئاسة “كارل دافيد أف ورسين” المحافظ الجودة الأدبية للأعمال بالنظر إلى إسهامها في نضال الإنسانية “نحو المثل الأعلى”، ومع ذلك لم يُمنح أدباء كبار مثل الروائي الروسي ليو تولستوي، والمسرحي النرويجي المثير للجدل هنريك إبسن، والروائي الأميركي الساخر مارك توين، الجائزة التي منحت في المقابل لأدباء ليسوا مقروئين في عالمنا اليوم.

Related Posts