مشرق عباس*
هل تمثل قضية وجود “الحشد الشعبي” وأفراده وأدوارهم الأمنية أو العسكرية مشكلة بالنسبة للدولة العراقية فعلاً؟، وهل تستدعي هذه “المشكلة” تحفزاً من جميع الاطراف للحديث عنها في هذا التوقيت باعتبارها أزمة، وتدفع رئيس الوزراء لمحاولة اثبات جديته في معالجتها عبر الأمر الديواني 237؟
واقع الحال أن منظومة عسكرية أو أمنية خارج نطاق وزارتي الدفاع والداخلية، ومرتبطة بمكتب رئيس الوزراء ليست مشكلة، كما أن الآلاف من شباب الحشد الشعبي الذين تطوعوا لحرب تنظيم “داعش” ليسوا هم المشكلة، كما أن وجود قيادات في الحشد بخلفيات دينية وعمائم ليست أيضاً مشكلة، وأن “الحشد الشعبي” بمجمله يمكن استيعابه في إطار تنظيمي مشابه مثلاً لجهاز مكافحة الارهاب، الذي تم تأسيسه في ظروف مشابهة، وارتبط برئيس الوزراء وليس بوزارتي الدفاع والداخلية.
وللتقدم في فهم الواقع، فإن الأمر الديواني الذي أصدره رئيس الحكومة أخيراً، وتم الترويج له باعتباره مقدمة “لاحتواء” الحشد، وأنه يمثل استدارة لمنع خروج السلاح من يد الدولة، يندرج بدوره في نطاق إعادة تدوير المشكلة الأساسية لا في حلها، ولأنها مشكلة مفاهيمية لا يتمكن القانون من تحديد ماهيتها.
وبعيداً عن الولاء الديني “المعلن” لجزء من مجموعات الحشد الشعبي إلى مسؤولين دينيين وسياسيين في إيران، وهو أمر لا يمكن أن ينسجم مع مفهوم “القوات المسلحة” ومع فرضية دمج الحشد فيها، وبعيداً ايضاً عن عدم التزام العديد من فصائل الحشد بسياق الدولة ولا بثوابتها ولا سياساتها خصوصاً ما يتعلق بالصراع الإيراني – الأميركي، فإن الاشكالية الأساسية في استعصاء التعاطي مع قضية الحشد ومستقبله، تخص التنظيم الفعلي للفصائل المنضوية، باعتبار كلّ منها يمثل نمطاً ثقافياً ودينياً وعسكرياً وسياسياً مستقلاً عن الآخر، وأن مفهوم “التنظيم القانوني” أياً كان شكله ونمطه يتطلب دمجاً كاملاً لنحو 40 نمطاً في نمط واحد، هو النمط العسكري الذي حدده الأمر الديواني 237 والذي نص على تغيير التسميات الحالية لفصائل الحشد إلى التسميات العسكرية (فرقة ، لواء ، فوج .. الخ).
والاستعصاء المقصود، أن الأمر الديواني يقف أمام فرضيتين، الأولى تذهب إلى تحويل مجموعة مسلحة ما إلى “فرقة عسكرية” في مؤسسة الحشد الشعبي، بناء على حجمها، فيما تتحول فصائل أخرى أقل عدداً إلى افواج، أو ألوية، ليحتفظ كل فصيل بنمطه الثقافي المشار إليه، بعد التخلي عن الاسم الرسمي، وهذا الأمر ممكن شكلياً فقط، لكنه يؤسس على المدى المنظور صراعاً حول تلك التسميات التي ترتبط عسكرياً بـ”عدد الأفراد” واختصاص التشكيل العسكري وجغرافيا تحركاته، إذا ما سلمنا أن مفهوم الفصيل المسلح في نسخه العراقية وعبر العالم، هو مفهوم “سائل عددياً” ومتغير وخاضع “للإقناع” وقد يجد فصيل أن عدده تضاعف خلال شهر مقابل تناقص أعداد فصائل أخرى، وهذا حدث ويحدث يومياً، وهو جزء أساسي من جدل الحشد منذ تأسيسه، لأنه مرتبط بتمويل فصائل الحشد وموازناتها ومرتبات المنتمين إليها.
أما الفرضية الثانية، فهي تقود مباشرة إلى “إفناء” فصائل الحشد الشعبي الحالية، ودمجها في نظام التشكيلات العددية بشكل مختلط، ما يستدعي أن يكون ضباط وقيادات الحشد في هذه الحال من عناصر الجيش أو من خارج مجموعات الحشد برمتها، وهذا الخيار معقد للغاية، كما أنه يفتقر إلى المنطق الطبيعي، فبأي ثمن يمكن لأي فصيل مسلح يتمتع باستقلالية داخل منظومة الحشد وخارجها ويعبر عن نفسه سياسياً واقتصادياً، أن يتخلى عن كل ذلك ليتبرع بأفراده لصالح منظومة جديدة تماما؟
إن استعصاءات التعاطي مع الحشد، ومع مستقبله، عندما يتم مناقشتها من زاوية عقائدية، تصيب مباشرة نحو 120 ألف عراقي انتموا إلى الحشد كمؤسسة يعترف بها القانون، وأصبحوا جزءاً منه، وهؤلاء لا يجب التعاطي معهم من زاوية النقد العقائدي كما يجري في الغالب في نقد تجربة الحشد، كما لا يجب التغاضي عن حقوقهم، ولا يجب أن يتم اهمال أن واجب الدولة في الدرجة الأساس هو إيجاد آليات آمنة ومستقرة لرعايتهم.
وعلى ذلك فإن العودة إلى نقاش الآليات، ومدى قدرتها على الانسجام مع الواقع الذي يبدو في غالبه افتراضياً وغير قابل للتطبيق في الأمر الديواني 237، هو الأولوية اليوم، وعليه سوف يتأسس واقع مختلف غداً.
*كاتب وصحافي عراقي والمقال عن “الحياة”
LEAVE A COMMENT