تنظيمات الإسلام السياسي وثقافة الموت

منير أديب*

تنظيمات الإسلام السياسي في المنطقة العربية مسؤولة عن تغييب العقل العربي ونشر الخرافة، كما أنها مسؤولة عن نشر ثقافة العنف والقتل، في ظل ادعائها امتلاك الحقيقة المطلقة. هكذا، حولت الحياة إلى قبر كبير سواء بتعاليمها التي حرمت الحلال أو من خلال نشر ثقافة العقاب والتعزير والقتل والنحر عبر أشكال مختلفة.

 

استدعت التنظيمات المتطرفة النصوص الدينية التي تؤكد فكرتها وتعزز موقفها من الحياة عموماً، وغالباً ما تكون هذه النصوص ضعيفة السند إذا كانت من السنة النبوية، أو يتم تأويلها إذا كانت من القرآن الكريم، على هوى تلك التنظيمات. ولذلك، يمكن فهم الجرائم الاجتماعية التي ظهرت في مجتمعاتنا العربية في الأعوام العشرين الماضية وبشاعتها، في سياق هذه الثقافة التي ترى الموت أفضل من الحياة. ذلك أنه بعيداً من تقييم علاقة تلك الجماعات بالإسلام، فإنها مسؤولة عن انتكاسة العقل العربي في العقود الماضية، إذ أنها تفكر بطريقة رجعية تُخاصم العقل وتفرض عليه مجموعة من الحواجز خشية الحداثة التي تُعطي متسعاً للتفكير والحوار والنقد، وكلها أدوات لا تؤدي من وجهة نظر هذه التنظيمات إلا إلى الكفر والإلحاد.

وعلى سبيل المثال، أعطت جماعة “الإخوان المسلمين” مؤشراً سلبياً للمجتمع من خلال شعارها: “الإسلام هو الحل”، وكأن بلادنا العربية والإسلامية بلا إسلام. وهنا، صكت الجماعة مفهوم أسلمة المجتمعات المسلمة، ولم تجد طريقة لنشر أفكارها الداعية إلى ذلك، إلا من خلال نشر ثقافة الجهل والقتل. ومشكلة جماعة «الإخوان» هنا، تكمن في فهمها الإسلام في إطار سياسي، يرفض التعددية ويغلب فكرة قتل الخصوم.

بعض الحكومات العربية مسؤولة عن انتشار هذه الثقافات الرديئة، بما أنها سمحت بترويجها عبر شرائط الكاسيت أولاً على مساحات واسعة، فيما بدت المؤسسات الدينية عاجزة عن التصدي لأفكار الموت التي روجها المتطرفون بطرق شتى. وإذا أردنا أن نُحارب هذه التنظيمات، علينا بالعقل أولاً حتى يزول الخطر. بعدها، يأتي دور التنمية الاقتصادية. وهنا لا بد للمؤسسات الدينية والثقافية والتعليمية أنّ تُعلي من ثقافة الحياة وترفع من قدرها وتحط من ثقافة القتل مهما كان السبب أو المبرر، فالله خلق الحياة للناس ليعيشوها لا ليقتلوا أنفسهم أو غيرهم، ومثلما ننتقد من ينسى آخرته ويقدم دنياه عليها، فإننا ننتقد في الوقت ذاته من يهدم هذه الحياة ويقتل الناس أو يأمرهم بالقتل.

*كاتب مصري والمقال عن “الحياة”

Related Posts

LEAVE A COMMENT

Make sure you enter the(*) required information where indicated. HTML code is not allowed