من هم الذين لا يقرأون الكتب في أمريكا؟

علي عبد الأمير عجام*

قبل أكثر من عقد حدثت تغيراتٌ جوهرية على موقع القراءة في بلاد كانت فيها الكتب تحتل موقعا أثيراً في الحياة اليومية لمواطنه، بل كانت تبدو في أحايين كثيرة تشكل ما يشبه الإدمان!

وفي العام الماضي قال نحو ربع البالغين الأمريكيين (24٪)، أنهم لم يقرأوا كتابًا واحداً أو جزءأً من كتاب، سواء أكان في شكل مطبوع أو إلكتروني أو صوتي. فمن هم هؤلاء القراء الذين لم يقرأوا حتى كتاباً واحداً!

معطياتٌ ومؤشراتٌ رقمية

وبحسب استطلاعات “مركز بيو للأبحاث” الشهير فهناك العديد من السمات الديموغرافية المرتبطة بقضية الذين ما عادوا يقرأون الكتب:

*25 بالمئة ممن لم يقرأوا كتاباً هم من الرجال بينما 22 بالمئة كانوا من النساء، وهو ما يعني أن النساء أكثر قراءة من الرجال.

*20 بالمئة ممن لم يقرأوا كتاباً هم من البيض بينما 24 بالمئة منهم هم من السود، بينما يشكل الأمريكيون من أصل لاتيني 38 بالمئة.

*20 بالمئة ممن لم يقرأوا كتاباً كانوا بين 18-49 سنة بينما كانت نسبة الذين تجاوزا الخمسين 28 بالمئة.

*شكّل الذين تقل مداخليهم عن  30 ألف دولار سنوياً نحو 36 بالمئة من الذين لم يقرأوا كتاباً، بينما كان من تتراوح مداخليهم من 30- 75 ألف دولار سنوياً 18 بالمئة ولتنخفض النسبة عند من تزيد مداخليهم على 75 ألف دولار لتصل إلى 13 بالمئة.

*بلغت نسبة حاملي الشهادة الاعدادية 37 بالمئة ممن لم يقرأوا كتاباً لتنخفض النسبة عند حملة الدبلوم إلى 23 بالمئة وإلى 7 بالمئة فقط عند حملة الشهادة الجامعية.

*نسبة سكان المدن ممن لم يقرأوا بلغت 21 بالمئة أما عند سكان الضواحي فنحو 24 بالمئة بينما عند سكّان الريف فبلغت 26 بالمئة.

 

دلالات

*تظهر المعطيات الرقمية أعلاه، أن النساء أقل إهمالاً للكتاب من الرجال.

*الهسبانك (من أصل لاتيني) هم الأكثر إهمالاً للقراءة، فهم يشكلون أكثر من ثلث الذين لم يقرأوا كتاباً في العام الماضي، بينما ربعهم كانوا من السود، وخمسمهم كانوا من البيض.

*الشباب يقرأون أكثر ممن هم تجاوزوا الخمسين.

*تعتمد القراءةُ على الدخل والقدرة المالية، فالفقراء هم الأقل قراءة للكتب.

*كلّما تصاعد التحصيل العلمي كلّما زادت القراءة.

*الحياة في المدن تشهد إقبالاً على القراءة أكثر من الحياة في الضواحي وهذه أكثر من الريف.

لقد ارتفعت نسبة الأمريكيين الذين لم يقرأوا كتاباً  كتاباً خلال الاثني عشر شهرًا الماضية قليلاً منذ عام 2011، عندما بدأ “مركز بيو للأبحاث” بإجراء استطلاعات حول عادات قراءة الكتب، ففي تلك السنة، أفاد 19 بالمئة من البالغين بعدم قراءة أي كتب، بينما ارتفعت النسبة مع نهاية العام الماضي إلى 24 بالمئة.

*انعكست مؤشراتُ تراجع القراءة على الاهتمام بتيار ثقافي بارز في الصحافة الأمريكية الورقية، هو ملاحق “مراجعات الكتب”، فألغت صحف أميركية بارزة ملاحقها الأسبوعية الخاصة التي كانت تستقطب طائفة عريضة من النقاد والباحثين والكتاب، فاختفى ملحق “مراجعات الكتب” عن الاصدار الإسبوعي لصحيفة “واشنطن بوست” منذ بداية العقد الحالي، وتبعتها في ذلك صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” لتظهر بعض المراجعات ضمن أعمدة يومية خجلى، بينما حافظت صحيفة “نيويورك تايمز” الليبرالية على ملحقها الضخم والموسوعي الخاص بمراجعات الكتب الصادر كل أحد، بل ظلّت قائمتها الخاصة بأكثر الكتب مبيعاً (تنشر ضمن ذلك الملحق) أهم مؤشرات انتشار الكتب وتحقيقها أوسع انتشار بين القراء، كما أن صحيفة “وول ستريت جورنال” المحافظة أبقت نسبة جيدة من ملحقها الأسبوعي لمراجعات الكتب.

 

عادات القراءة في أمريكا؟

قبل نحو عقد، نشرت صحيفة “ذا نيويوركر” الليبرالية الناقدة مقالاً حول عادات القراءة الأمريكية، وأشار إلى أن مؤشرات القراءة قد تتراجع، وبما يثير قلقاً من التحول إلى “الثقافة الشفوية” وهي مصطلح اجتماعي لثقافة ما بعد القراءة والكتابة سائد في السياسة الأمريكية يكون فيه الانسان أقل اتصالاً مع الأفكار التي يختلف معها!

اللافت في تلك المقالة، هو أن البالغين الأميركيين كانوا يبدون وكأنهم يشعرون بالقلق حيال ما إذا كان أطفالهم يقرأون بما فيه الكفاية، بينما أظهرت البيانات أن الأطفال هم الأقل عرضة لتغيير عاداتهم في القراءة بمحض إرادتهم، بل يبدو أن مقدار متعة القراءة عندهم ظلت ثابتة إلى حد ما رغم التحديات التي تشكلها وسائل الاتصال الحديثة وتقنياتها.

تلك الحقيقة عن ثبات معدلات القراءة عن الأطفال في أمريكا، تبدو دقيقة وجوهرية، فأشكال تقريب القراءة إلى الأطفال في المدارس تتجدد وتتعمق، بدءاً من تغيير شكل الكتاب وتنوع موضوعاته وخصوبة أساليب الكتابة وصولاً إلى اقامة المعارض داخل المدارس وبيع الكتب بأسعار زهيدة تجعل الكتاب بأقل من سعر ساندويتش ماكدونالدز أحيانا!

ومع هذا انخفض مقدار الوقت الذي خصصه الأمريكي العادي للقراءة على أساس يومي من 0.36 ساعة إلى 0.29 ساعة. ومع دخول المزيد من النساء إلى القوى العاملة، فإن عملهن بدوام كامل قد جعلهن أقل راحة في القراءة. ومن السهل التحقق من هذه الفرضية من خلال تحليل البيانات من استطلاع استخدام الوقت الأمريكي حسب الجنس، وفيها يبدو أن النساء يقرأن أكثر من الرجال، لكن الوقت المخصص للقراءة انخفض بشكل مطرد لكلا الجنسين. مثلما نرى أن العاطلين عن العمل يقرأون أكثر، لكن من هم  بدوام جزئي، ومن هم بدوام كامل يقرأون أقل مع تقدم العمر.

ومثلما بات حقيقياً أن الطبقة الوسطى في أميركا تتراجع بل تتقلص في عوائدها وبالتالي نفوذها الثقافي، فنسبة الأميركيين الذين يقرأون أقل هم الذين لديهم أموال أقل؟ ومن الذين قرأوا العام الماضي أكثر مما قرأوا في العام 2003 هم الذين تضاعف مدخولهم السنوي، أي أن الفقراء اقل قراءة.

أيُّ كتبٍ هي الأقل قراءة؟

تشير الدراسات التي أجرتها المؤسسة الوطنية للفنون إلى أن الأميركيين عمومًا لا يقرأون الكثير من الأدب. لكن السؤال الذي طرحته الكاتبة أستر لومباردي “لماذا كف الأمريكيون عن قراءة الأدب؟” وهل هناك حلول لحلّ المشكلة وجعل قراءة الأدب نشاطًا أكثر شيوعًا؟ كشف بعض الأسباب التي يوردها الناس لشرح سبب عدم حصولهم على فرصة قراءة كتاب جيد في شهور (أو حتى سنوات) مثلما كشف بعض الحلول لجعلهم يقرأون.

اكتشفت الكاتبة جملة “ليس ثمة وقت يكفي” لقراءة كتاب أدبي، هي الأكثر حضوراً بين من يتجنبون قراءة الأدب، لتنصح “اصطحب معك كتابًا في كل مكان وبدلاً من التقاط هاتفك الخلوي، التقط الكتاب! اقرأه في الطابور أو في غرف الانتظار أو أثناء وجودك أمام مقود سيارتك في صف طويل من أخرى أمامك أو خلفك. جرّب قراءة القصص القصيرة أو القصائد إذا كنت لا تستطيع متابعة قراءة رواية تحتاج فترة أطول. الأمر كله يتعلق بتغذية عقلك “.

  • عن موقع “حفريات”
    https://www.hafryat.com/ar

Related Posts

LEAVE A COMMENT

Make sure you enter the(*) required information where indicated. HTML code is not allowed