فرهاد علاء الدين*
أعلنت المرجعية العليا وعلى غير عادتها في بيان نشر يوم الخميس:
” لن تكون للمرجعية الدينية في يوم غدٍ الجمعة خطبةٌ تتناول الشأن السياسي” ليتبين فيما بعد أن صدى صمت المرجعية عن الشأن السياسي ليوم الجمعة كان اقوى بكثير من خطبها التي بدت وكأن القوى السياسية لا تريد أن تسمعها ! برغم غرقها في لجة البحث عن مخرج آمن للوضع السياسي من محنته الراهنة
المشهد السياسي اصبح اكثر تعقيدا بعد “اعتذار” رئيس الجمهورية عن تكليف المرشح الثاني لكتلة البناء، وسط إصرارها على ترشيح من تراه مناسبا لتشكيل الحكومة باعتباره حقا دستوريا كونها الأكثر عددا طبقا لرسالة مجلس النواب العراقي الى رئيس الجمهورية، برغم ان هذا الاصرار يتجاهل رفضا واسعا من جهات سياسية مؤثرة وكذلك من قبل ساحات التظاهر والاعتصامات في مدن وسط وجنوب العراق بل وفي المقدمة منها ما تطالب به مرجعية النجف الأشرف.
لقد كان العرف السياسي السائد في الماضي القريب يقضي بأن على الكتل السياسية أن تجتمع للتداول بشأن أبرز الشخصيات التي تراها مناسبة للمنصب ثم يتم عرض المرشح المتفق عليه مبدئيا على الجهات المعنية الداخلية والإقليمية والدولية، بهدف الحصول على مباركاتها، ليبدأ التفاوض حول تقاسم المناصب والمواقع التنفيذية، وبعد الاتفاق النهائي والأخير بين تلك الكتل يتم تمرير المرشح التوافقي داخل مجلس النواب ليحظى بموافقة الجميع دون اعتراضات تذكر.
لكن الغريب بالأمر هذه المرة أن القوى والكتل الفاعلة مصرة على ما يبدو على تغافل المتغيرات الواضحة والملموسة المحيطة بالمعادلة السياسية، والتي غيرت قواعد اللعبة وطرحت قوانينها الجديدة وإضافة لاعبين مؤثرين الى المشهد القائم منها:
١- استمرار ومواصلة التظاهر والاعتصام بوتائر متصاعدة ودخول المتظاهرين للمشهد السياسي بات جزء مهما من المعادلة على نحو لايمكن تغافله
٢- استخدام القوة المفرطة واستمرار عمليات القتل والخطف والاخفاء القسري للناشطين المدنيين العزل وبحصيلة اجمالية بلغت نحو ٥٢٠ شهيد وأكثر من ٢٠ الف جريح بينهم ١٩٠٠ معاق خلال ٨٠ يوما، بحسب المفوضية العليا لحقوق الأنسان في العراق، خلفت جوا سياسيا متوترا وناقما على مستوى الشارع والقابل للانفجار بين ساعة وآخرى.
٣- انفراط العقد السياسي الذي تشكل بموجبه الحكومة الحالية وانسحاب بعض الكتل و الاحزاب عن الائتلافات السياسية المعلنة، وسط تصاعد حدة الخلافات حيال أسماء المرشحين لتشكيل الحكومة المرتقبة.
٤- اشتداد الصراع بين ايران وأمريكا هذه المرة على غير العادة، بعد ان كان التوافق بينهما سواء بالسر او بالعلن يفضي الى تمرير المرشح المتفق عليه في نهاية المطاف.
لعل العامل الأهم هو ضعف إمكانية الأحزاب المتنفذة بالخروج من التفكير التقليدي وافتقارها لإرادة الإقرار بالواقع الجديد الى جانب التناقض الحاد في الرؤى والطروحات، فهي من جهة تتماهى مع تلبية شعارات التظاهر بقبول استقالة الحكومة وتمرير قانون انتخابي جديد واختيار مفوضية عليا مستقلة للانتخابات من القضاة، وتلبية مطالب المحتجين بالشروع بتوزيع قطع الأراضي السكنية وفتح ابواب التعيين بالجملة للعاطلين عن العمل والخريجين وغيرها من الإجراءات، ومن جهة أخرى يتغافلون عن عمد استمرار حركة التظاهر والاحتجاجات الشعبية عند اختيار وتسمية المرشح الجديد لتشكيل الحكومة طبقا لمصالحها دون الالتفات الى ما تنادي المرجعية والشارع على حد سواء، بل تصر تلك الأحزاب على فرض مرشحها حتى وأن كان مرفوضا من حراك دفع ارواحا ودماء على مدى قرابة الثلاثة اشهر ومازال ! لذا فأن هذا التناقض في الموقف والسلوك سيفضي الى نتائج كارثية دون الالتفات على ما سيحل بالبلاد.
لقد آن الأوان لقيادات البلد ان تفكر بشكل عميق ومسؤول، لان الخطر على الأبواب وقد ينزلق العراق الى منحدر التصادم ليحرق الأخضر واليابس، ويخطئ من يظن انه معصوم من الحريق القادم حتى وان كان يمتلك الرجال والسلاح والمال!
طرح عدد كبير من المفكرين والباحثين حلولا جذرية للازمة الحالية ومن الممكن تبني احداها او بعضها للخروج بخارطة طريق واحدة تضع البلد على المسار الصحيح، لقد مرر مجلس النواب قانونين مهمين، قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وقانون الانتخابات النيابية وكلاهما ضروريان للمرحلة القادمة، ولا بد للقوى السياسية ان تجتمع للتوافق على مرشح يحصل على موافقة الأغلبية (وليس الكل) من الكتل السياسية ليتولى مسؤولية المرحلة القادمة. وهنا اود ان أذكر بما نشرته في مقال لي في ١٧-١١-٢٠١٩ تحت عنوان “المرجعية تناشد والسلطة تماطل، فهل فات الأوان ؟”
“ان الطريق الأنجع والأسرع لرسم خارطة طريق تكون موضع قبول واسع لدى شرائح وأوساط المجتمع يتمثل بجمع كل الأفكار والمقترحات المطروحة من قبل مختلف الجهات وتكليف فريق متخصص مكون من الخبراء والاكاديميين وممثلي النقابات ومنظمات المجتمع المدني، لدراسة وتحليل المضامين المطروحة والتوافق على خارطة واحدة تلبي ما ذهبت اليه المرجعية العليا والتي كانت انعكاس حقيقي لمطالب حركة الاحتجاجات الشعبية التي سادت مدن وسط وجنوب العراق على نحو مخيف ويبعث على القلق ، وبالتالي انقاذ حاضر البلاد ومستقبلها.”
* رئيس المجلس الاستشاري العراق