واجه صهر الرئيس ترامب وكبير مستشاريه جاريد كوشنر الكثير من الشكوك بينما كان يتّجه نحو المؤتمر الذي دام يومين في البحرين الأسبوع الماضي، والذي ركّز على تحويل الاقتصاد الفلسطيني. وكان هذا التجمّع نذيراً ومكمّلاً لخطة السلام الخاصة بإدارة ترامب التي طال انتظارها، والتي يبدو أنها تأجلت في ظل جولة جديدة من الانتخابات الإسرائيلية في أيلول/سبتمبر.
وقاطعت “السلطة الفلسطينية” مؤتمر البحرين، متهمة أن الخطة الاقتصادية لكوشنر ستسعى إلى شراء التطلعات السياسية الفلسطينية عبر الوسائل المالية. وفي ظل الظروف القائمة، اعتقدت الدول العربية التي حضرت المؤتمر أنه ليس من الحكمة دعوة مسؤولي الحكومة الإسرائيلية. ولم تُرسِل بعض البلدان العربية، في إشارة إلى موقفها المزدوج، وزراء ماليتها، معتمدةً بدلاً منهم على نواب الوزراء.
ويستحق كوشنر وفريقه الثناء على تحديد القضية المهمة للاقتصاد الفلسطيني وتقديم لائحة طويلة من المشاريع المحددة. فبالإضافة إلى المتخصصين الذين سيكونون أساسيين لنجاح المشاريع، وجد الفريق مناصرين يشملون مستثمرين محتملين من الخليج العربي وحتّى قسم من الشركات الأمريكية.
لكن الاختبار هو إذا ما كانت أفكار كوشنر ستتحقق. وبعد أن حضرتُ المؤتمر كمراقب، أظن أن ملاحظاته عند افتتاح الحدث جديرة بالانتباه، حيث قال: “ما وجدتُه هو أنه كلما تعاملتُ مع المجتمع التقليدي للسياسات حول هذا الموضوع، لا يكون الناس إلا عالقين في نموذجٍ لا يبدو أبداً أنه يمضي قدماً”. وأضاف أنه من خلال دعوة وزراء المالية، وليس وزراء الخارجية، وأعضاء مجتمع الأعمال، فإنه سيعمل مع الأشخاص الذين يرون المشكلة “مثلما أراها أنا، أي أنها في الحقيقة مشكلة قابلة للحل اقتصادياً”.
وكان مقصد كوشنر هو أن الطريقة التقليدية للنظر إلى القضية الإسرائيلية -الفلسطينية هي التركيز على المسائل السياسية الأساسية المعروفة بقضايا “الوضع النهائي” مثل الحدود والقدس واللاجئين، بينما يتم التعامل مع القضايا الاقتصادية باعتبارها مواضيع لاحقة.
ولكن عند فحص الأمور على نحو أكثر دقة نجد أن نهج كوشنر يشبه النموذج القديم أكثر مما قد يدركه كوشنر نفسه. (ففي الواقع، خلال منتصف التسعينات، عُقدت أربعة مؤتمرات اقتصادية أكبر في الشرق الأوسط، بمشاركة واسعة من الحكومات ومجتمع الأعمال، بالإضافة إلى مشاركة إسرائيل والدول العربية و”السلطة الفلسطينية”). وتتشارك إدارة ترامب ونقّادها في اعتماد نهج الكل أو لا شيء إزاء الشرق الأوسط، ولكن حين يتم اعتماد هذا النهج في الشرق الأوسط، تكون النتيجة لا شيء.
لقد رتّبت الإدارة الأمريكية تسلسل خطة السلام الخاصة بها، بحيث تم الكشف عن البُعد الاقتصادي في البحرين. واختارت أولاً طرح الأفكار الاقتصادية ونوعية الحياة الأقل إثارةً للجدل، لكنّ الإدارة الأمريكية تصرّ على أنّ هذه المقترحات الاقتصادية تتوقف على قبول الشّقّ السياسي، وهذا هو السبب الكامن وراء احتمال وصول خطّتها إلى طريق مسدود.
وقد شهد المؤتمر في البحرين لحظةً مهمّةً عندما أشار رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير لكوشنر بأن نهج الكل أو لا شيء قد لا يكون الطريقة الصحيحة التي يجب اتّباعها. وقال بلير: “قبل أن نحصل على حلٍ طويل الأجل، أودّ على الأقل أن أرى اتفاقاً قصير الأجل يمكن من خلاله وقف العنف”، مشيراً إلى أنه “سيكون من الصعب جدّاً التوصل إلى اتفاق سلام”، ما لم يتم حل مسألة الانقسام بين “السلطة الفلسطينية” وحركة «حماس» في غزة و”توحيد السياسة الفلسطينية”.
ولم يبدُ أن كوشنر كان مهتماً باقتراح بلير، غير أن بلير محقّ في إدراكه بأن تحقيق مكاسب قصيرة الأجل أمر ضروري قبل أن يصبح التوصل إلى صفقة سلام كبيرة ممكناً – نظراً إلى اتساع الفجوات بين الطرفين [الإسرائيلي والفلسطيني]. إن ميزة التقدم الاقتصادي التدريجي، مثل ضمان تمتع غزة بمياه صالحة للشرب والكهرباء طوال الوقت، هي أنها قد تُنشئ المساحة السياسية للتعامل لاحقاً مع القضايا الصعبة المتعلقة بالسياسات. ومن شأن تدابير الاستقرار هذه أن تمنح الفلسطينيين شيئاً قد يخسرونه وقد تقلل من فرص الانفجار، وخلال هذا كله قد تغير وجهة النظر تجاه إدارة ترامب على أنها لا تعمل سوى على أخذ الأمور بعيداً عن الفلسطينيين [بينما لا تمنحهم شيئاً].
ومع ذلك، لا يستطيع كوشنر لسببٍ معيّن الانحراف عن هذا النهج التقييدي الذي يؤدي إلى الحصول على كل شيء أو لا شيء، والذي تمّت تجربته ثلاث مرات على الأقل في العلاقات الإسرائيلية -الفلسطينية ولكنه فشل مراراً وتكراراً. ويتمثل اسلوب إدارة ترامب في هذا النزاع، كما في غيره، في ممارسة الضغط الأقصى: فلا يمكنك الحصول على شيء ما لم توافق على صفقتها.
إن عدم المرونة في نهج البيت الأبيض يعني أنه إذا لم تلقَ أفكار الوضع النهائي التي يوفرها الشقّ السياسي من الخطة تأييداً، فستذهب الحزمة الاقتصادية أدراج الرياح. ومن شبه المؤكد أن هذا الرابط محكوم عليه بالفشل. ولو اقترح كوشنر في البحرين بدلاً من ذلك بعض المشاريع الاقتصادية التي يمكن تحقيقها فوراً من دون شروط لتلبية حاجة ماسّة لدى الفسطينيين، لكان قد أشار إلى نقطة تركيز جديدة – وإلى قدوم نموذج جديد لإدارة ترامب.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل “زيغلر” المميز ومدير “مشروع العلاقات العربية – الإسرائيلية” في معهد واشنطن.