المتظاهرون وانشقاق المثقفين

د. على المرهج*

بدأت التظاهرات كما هو معروف بعد ردات فعل شعبية على أفاعيل الحكومة الغبية، أهمها ضرب الخريجين واهانتهم، وتهديم دور المتجاوزين في بعض محافظات الجنوب، ومحاربة أمانة بغداد لأهل البسطيات لا سيما في الكرادة والمنصور وبعض المناطق الشعبية، وفي الوقت نفسه تغاضت الحكومة عن فساد الأحزاب والميليشيات التي سيطرت على أغلب مقرات الدولة (بالعفرته).


المهم حصل ما حصل في 1/10، من خروج تظاهرات جماهيرية لم تكن لا الحكومة ولا المثقفين و (النُخب) يتوقعون حجمها، وبعد يوم واحد كانت ردة فعل الأجهزة الأمنية المُخترقة، فكان مصير أكثر من مئة شاب القتل على أيدي (قناص) (طرف ثالث)!، وآلاف الجرحى، وتغاضت الحكومة عن حجم المأساة التي أحدثتها والجريمة التي اقترفتها بحق أبناء شعبها سواء أكان الفاعل من بين أجهزتها أو آخر، فحماية الشعب والمتظاهرين تبقى مسؤوليتها وإن تنصلت عنها، أو بحث المتملقون من المستفيدين من الساسة أو النخب المثقفة والأكاديمية من الذين يربطون مصيرهم بمصير السلطة دوماً عن تبرير لجرمها، وأظن أنهم مشاركون لها في صمت بعضهم أو تبرير بعضهم الآخر لها، فإن كانت السلطة لا تدري فتلك مصيبة وإن كانت تدري فالمصيبة أعظم.
أعود للمثقفين أو النُخب الأكاديمية التي شككت واستخفت واستهانت بشجاعة الشباب المتظاهرين وقدرتهم على التغيير، لأقول لهم وصفتوهم بأقذع الأوصاف، (جيل البوبجي) و (الجهلة أهل التكتك والبتاويين وحديقة الأمة) يصلحون وطن!، ومن ثم وصفتوهم (أبناء السفارات) واتهمتوهم بالعمالة، (الجوكريون) نسبة إلى (فلم الجوكر) ولم تُشاهدوا الفلم ولم تعرفوا طبيعة تحولات الشخصية (الجوكر) في الفلم وأسباب تحوله من مظلوم إلى ظالم، ولم تُدركوا أن في وصفكم للشباب بهذا الوصف إنما أنتم تُدينون من ظلمهم (السلطة وأحزابها) وفق مُعطيات الفلم، وتمنحوهم حق الدفاع عن مظلوميتهم واثبات حضورهم الذي كان ساسة الصدفة الفاسدون سبباً في خروجهم وانتفاضتهم وتظاهراتهم.
بعد أن ضحوا بأغلى ما عندهم (خرست آلهتكم) وبعد أن أحرجتكم المرجعية العليا وعملت على انصافهم والدفاع عن حقهم في التظاهر السلمي، صرتم تبحثون عن زلات هنا وهناك كي تسخروا من قدرتهم على احراجكم ووضعكم موضعاً تستحقونه، ألا وهو الذكر السيء إلى يوم ينهض العراق حقاً.
خطفت أيادي الغدر والعمالة زين الشباب فيهم، وحصدت في مجازر في الناصرية والسنك والنجف أرواح مئات الأبناء لأمهات كان يحلمن بمستقبل بهي يصنعه أولادهن لهن، ولم ترف لكم جفناً، ولم تتحرك الأجهزة الأمنية لكشف فرد قاتل من قتلتهم، ولكن الأجهزة الأمنية استنفرت، وحسناً فعلت حينما كشفت عن قاتلي الشهيد المغدور الذي قتله بعض الجهلة والمُنحطين من الذين حُسبوا على المتظاهرين السلميين في ساحة الوثبة الذين قدموا مئات إن لم تكن آلاف الأدلة في الإيثار أو التضحية أو التعاون أو تشكيل الحياة بلون المحبة في أعمال ورسومات ونحت وتصوير ومسرح وسينما ورقص وبكاء وشعر واسعاف طبي وتمريض من أهل المهن الطبية والصحية ومشاركة أمهات وبنات بعمر الورد ليصنعون وطناً يعيش به العراقيون أجمع.
كل مظاهر الجمال هذه لصناعة وطن لم تراها عيونكم لأن نظاراتكم مسودة مثل قلوبكم، لا ترون فيها الفقير والمعوز، إنما تنظرون فيها لمصالحكم الآنية.
أقول بعد أن صارت التظاهرات أمراً واقعاً، وبعد أن استشهد أكثر من 500 شهيد وأكثر من 22000 جريح، وبعد أن رضخت كل أحزاب السلطة واعترفت بأن المتظاهرين على حق، وأعترف كثير من الساسة أنهم أخطأوا وأفسدوا، لماذا يبقى بعض المتثاقفين والأكاديميين مصرين ومعاندين ومشككين؟!، وكل ما حصل من انجاز ايجابي هو بفضل المتظاهرين الذين لا يحصدوا ثماره هم، لأن الكثير منهم ضحى بنفسه، ومن يحصد ثماره كل أبناء الوطن.
أما آن لكم أن تستحوا؟!، وألم يصح ضميركم بأن كل تضحيات هؤلاء الشباب إنما الكاسب فيها هو العراق لا هُم؟!.
يموت الثوار دوماً ويحصد نتائج أفعالهم بسطاء الناس (كمدا)ً، ولكن من يحصد تضحياتهم (غنيمة) هي (النُخب) المثقفة التي كانت (مُشككة) (الواقفون على التل)، فتجدهم في ساعة توزيع الغنائم أول الحاملين للأواني والقدور كي يملؤنها (تمن وقيمة) والنواح في الصف الأول على الشهداء الأحرار.
المثقف المهادن هو وصف للمثقف غير المسؤول، وهو يليق به وصف المتعلم (ياكل ومرة يوصوص اكثرها لا حس ولا نفس)..
يأخذ راتبه (راس الشهر) ويوكل جهاله، ويمسح اكتاف هذا وذاك بلكي يلوح منصب، ويطول لسانه على الأضعف منه، وينكص لسانه وادور عليه بنص حلكه ما تلكاه من يشوف مسؤول…
أمثال هؤلاء هم الذين (يأكلون على الفكين)، يُسميهم الحكيم مدني صالح (حاملي الطناجر او القدور والخواشيق).

*كاتب وأكاديمي عراقي والمقال من صفحته على الفيسبوك