2020 سنة لا تشبه غيرها وعواصف ترامب العاتية تهزّ أمريكا بقوة

علي عبد الأمير عجام*

قبل أن تبدأ 2020 بأيام، شهد أمريكا 2019 خطوة أولى على طريق قد يكون مستحيلاً لعزل ترامب، فيما هي سنة الانتخابات الرئاسية التي قد يتم التجديدُ فيها للرئيس الحالي، وهو ما يعني أمريكا محافظة أكثر وهوجاء أكثر وبسلطة لا يمكن مواجهتها لصاحب البيت الأبيض.

مع تمكن الديمقراطيين في مجلس النواب بالتصويت إيجاباً على مذكرتي الاتهام  الهادفتين تحقيق الخطوة الأولى نحو عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلا إنها تظل خطوة محفوفة بـ “الكثير من المخاطر السياسية المرتبطة” وهو ما تعيه جيدا القيادة “الديمقراطية” بزعامة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.

الرئيس دونالد ترامب ونائبه مايك بنس و ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، خلال خطاب حالة الاتحاد في الخامس من شباط/ فبراير 2019

ليس سرا أن بيلوسي صمدت لفترة طويلة أمام ضغوط التيار اليساري المطالبة بعزل ترامب داخل فريقها لتخوفها من دفع ثمن سياسي، لا سيما في الدوائر الانتخابية التي فاز بها الرئيس الأميركي في انتخابات عام 2016.

وبيلوسي التي ظلت غلى حد ما رافضةً لقطع حبل الاتصال مع ترامب عبر مقاربة تمزج بين العمل مع الرئيس لتمرير تشريعات تحمل فوائد سياسية مشتركة وتسريع وتيرة تلك الإجراءات في مجلس النواب.

قصة عزل الرئيس لن تؤثر على شعبيته؟

وإذا كان الديمقراطيون يعولون على قصة عزل الرئيس بوصفها وسيلة لسحب التأييد الشعبي منه بالتزامن مع العد العكسي للانتخابات الرئاسية، إلا أن استطلاعات الرأي تشير الى أن إجراءات العزل لم تؤثر سلبا على شعبية ترامب في الولايات الحاسمة الضرورية للفوز بالبيت الأبيض، مثل: ويسكنسن، بنسلفانيا وأوهايو.

وفي هذا الصدد يظهر الرئيس ترامب مزيجاً من الهجوم على الديمقراطيين الذين بات يصفهم بـ “اليساريين الراديكاليين” وهو ما يرقى إلى التهمة الشنيعة في السياسة والرأي العام بأمريكا، أي المزيد من التأييد له بخاصة بين الأوساط الشعبية المحافظة في ولايات الوسط والغرب الأوسط، ناهيك عن ضمانه بعدم إمكان عزله قبل الإنتخابات، فالجمهوريون (حزب الرئيس) يسيطرون على مجلس الشيوخ الذي ستكون له الكلمة الفصل في إبطال مسار عزل ترامب.

ومع تصاعد مؤشرات النمو الاقتصادي الأمريكي لا يبدو عسيراً فوز ترامب بولاية ثانية، فالمواطن يظل محكوماً بالدوافع الإقتصادية قبل كل شيْ، وهو يصوّت تبعاً لها وليس لأسباب سياسية وخلاف الحزبين (الديمقراطي والجمهوري الذي لاينتهي)، ومن هنا لا شيء يقف حائلاً امام تجديد الثقة بمن حرّك عجلات الاقتصاد الأمريكي بقوة.

 

فوز ترامب بولاية ثانية.. أمريكا محافظة أكثر

كشف استطلاع للرأي أجرته شبكة “سي إن إن” الاخبارية عن التوقعات بشأن فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بولاية ثانية في انتخابات 2020.

ووفقاً لنتائج الاستطلاع يعتقد 54 % من الأمريكيين أن ترامب سيفوز في انتخابات عام 2020. وهذه النسبة أقل من الحقيقة، إنطلاقاً من تلاعب الشبكة الإخبارية القريبة من الديمقراطيين بمثل هذه الاستطلاعات وهو ما فعلته قبيل الانتخابات السابقة في 2016.

ومع أن الاستطلاع اقرّ بأن ارتفاع فرص نجاح الرئيس الأمريكي في الاحتفاظ بمنصبه ترجع لنجاحه في تعزيز الاقتصاد وإنعاش الطبقة الوسطى حيث أن 70٪ من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن الاقتصاد الأمريكي في حالة جيدة، إلا أن41 ٪ من الأمريكيين يعتقدون أن “ترامب رئيس فاشل إذ تعيبه صفات سيئة كالكاذب والعنصرية وتصرفاته لا تليق بتصرفات رئيس دولة”.

من هنا سيجعل فوز ترامب بولاية ثانية بلاده محافظةً أكثر، حيال قضايا مثل المهاجرين عموماً وغير الشرعيين ممن هم على الأراضي الأمريكية على وجه خاص، كذلك افراغ “التأمين الصحي” من محتواه الحقيقي، فضلاً عن إعلاء سلطة الرئيس فوق الكونغرس والهيئات الرقابية الأخرى، عبر سياسة تعتمد الحكم من خلال “الأوامر التنفيذية” وليس القوانين التي تقرّها السلطة التشريعية، كذلك عداء الرئيس الذي سيتفاقم للصحافة والرأي المخالف له.

سياسة خارجية.. أكثر عدائية للقانون الدولي

ثلاثة مؤشرات بارزة وخالف فيها القانون الدولي، كانت قد ميّزت سياسة ترامب الخارجية:

*فهو أظهر احتقاراً شديداً لقرارات الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية، وضرب عرض الحائط بما حافظ الرؤوساء الأمريكيون على اختلاف توجهاتهم خلال عقود، بنقله سفاره بلاده إلى القدس واسقاط صفة الاحتلال عن المستعمرات الاسرائيلية.

وقبل أيام حاول ترامب كسب أصوات الناخبين اليهود الأميركيين المهمة سياسيًا عبر خطاب في فلوريدا وصف نفسه خلاله بكونه “أفضل صديق” كان لدى إسرائيل في تاريخها. واعتبر أن اليهود الأميركيين أخطأوا بالتصويت للديموقراطيين في عهد سلفه باراك أوباما. وقال “صوّت العديد منكم لأشخاص في الإدارة السابقة . سيكون عليكم في يوم ما تفسير ذلك لي إذ لا أعتقد أنهم أحبوا إسرائيل كثيراً”.

وجاءت تصريحات ترامب خلال اجتماع المجلس الاسرائيلي الأميركي، وهو منظمة غير ربحية من بين مموليها قطب الكازينوهات الملياردير اليهودي الأميركي شيلدون أديلسون وزوجته ميريام، وكلاهما من أبرز أنصار ترامب.

* أقرّ بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة بحسب القانون الدولي منذ 1967

*التدخل المباشر لصالح انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، ضمن سياسة اضعاف اوروبا التي تسعى إلى الابتعاد عن المسير خلف أمريكا والبقاء في ظلال سياستها عسكرياً واقتصادياً، وفي اتجاه مماثل تأتي سياساته الودية حيال تركيا وروسيا.

ومع أن ترامب بدا “متشدداً” حيال العلاقات الأمريكية الإيرانية، إلا أنه رفض أي شكل من أشكال الصدام العسكري مع طهران حتى مع ضرب الأخيرة لأهداف أمريكية في الخليج والعراق، مفضلاً خيار العقوبات الاقتصادية وهو ما قد يواصله في ولايته الثانية دون إغفال احتمال تغيير وجهة نظره مع “توقع أن يجتمع مع روحاني قبل الانتخابات من أجل تعزيز صورته بين الناخبين كمفاوض جيد له رؤية”، فهو “يحب الظهور تحت دائرة الضوء وقد يحاول عقد اجتماع مع المسؤولين الإيرانيين، كما فعل في قممه السابقة مع الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين”.

ماذا بشأن إيران والعراق؟

يبدو الملف الإيراني كأولوية لترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مع تفسير يحاول أن يقدم “عدم رده عسكريًا على الهجمات الإيرانية الأخيرة على منشأتي أرامكو في السعودية بكونه سيكسبه المزيد من الأصوات خلال سباق 2020″، وفي هذا الصدد يوضح جون هالبين، من “مركز التقدم” الأمريكي، أن “الناخبين الأمريكيين باتوا مرهقين بعد عقود من التدخل العسكري في الشرق الأوسط، ويرغبون في التركيز على أولويات الاستثمار الموجهة أكثر نحو تطوير البنية التحتية المحلية والفرص الاقتصادية، ويتفق مع رفض هذا التدخل 44% من أصوات الديمقراطيين و41% من المستقلين على حد سواء”.

هنا (التخلص من إرث بوش في التدخل العسكري بالشرق الأوسط) سيبدو العراق ضحية أخرى، على الرغم من أن دولته الحالية صنعها الغزو الأمريكي العام 2003، ولا يبدو غريباً أن يقرر ترامب سحب كل قوات بلاده من البلاد المرتبكة، بعد أن بدأت خارجيته الأسبوع الماضي بسحب معظم دبلوماسييها من السفارة ببغداد، وهي الأكبر لأمريكا في العالم، وبذلك قد تقرر ادارته ترك العراق كلياً للسيطرة الإيرانية في حال ابرام صفقة مع طهران التي تبدو ضمن الحسابات الإستراتيجية راغبة بالعراق على حساب برنامجها النووي.

الاستثمار في كراهية المسلمين والمهاجرين

ليس خافياً أن خطاب ترامب التمييزي بحق المسلمين وإصراره على استخدام عبارة “الإرهاب الإسلامي المتشدّد” زاعماً أنها “اللغة الوحيدة التي سيفهمونها” هو ما أثار بصورة مستمرة قلق القادة في الخليج والبلدان الإسلامية في شكل عام، بل ان سياسته خلال ولايته الأولى التي شهدت  فرض “حظر” على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، قد تتواصل في الولاية الثانية في اتجاه تحريضي مماثل لا سيما أنه سيوفر بذلك استثماراً انتخابيا له وللاتجاهات اليمنية المتصاعدة في حزبه “الجمهوري”.

وفي ولايته الأولى تصاعدت موجة العداء الشعبوية للمهاجرين مع وجود أكثر من 10 ملايين مهاجر غير قانوني في الولايات المتحدة، والمشاكل على الحدود الجنوبية مع المكسيك، وهو أمر سيدفع الرئيس الحالي إلى جعله إحدى القضايا الرئيسية في حملته الانتخابية.

 

فالحزب الديمقراطي أقل شدة في التعامل مع قضايا الهجرة والمهاجرين من الحزب الجمهوري، وهناك دعوات لتسوية أوضاعهم ومنحهم طريقا نحو الجنسية. وهذا الاختلاف في التعامل يعود في جانب منه، إلى أن غالبية القادمين الجدد عادة ما يصوتون للحزب الديمقراطي، فهم أصوات محتملة في أية انتخابات تلي حصولهم على الجنسية، وهو أمر يعرفه الجمهوريون ولذلك يسعون إلى المماطلة والتشدد في هذه المسألة.

فرغم الانتقادات التي توجه للتشدد التي تنتهجه الإدارة الحالية تجاه المهاجرين والإجراءات غير الإنسانية ضد العائلات، إلا أن ذلك “لا يعني أيضا التسامح مع خرق القانون أو الظهور بمظهر الضعف والتهاون في قضية الهجرة”، وهو ما يشكل جوهر الإعلان الانتخابي والسياسي للرئيس حيال قضية الهجرة وبناء الجدار العازل بين بلاده والجار الجنوبي: المكسيك.

*رئيس تحرير موقع “ساحات التحرير”