أعلنت إيران أنها تخطّت أحد القيود الرئيسية المفروضة على مخزونها النووي والتي كانت قد وافقت عليها في عام 2015 ضمن إطار «خطة العمل الشاملة المشتركة». وهناك احتمال أن ينشأ جدل حاد حول السياسة التي يفترض اتخاذها حيال سلوك طهران. وقد صرّح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأن بلاده تجاوزت حدود اليورانيوم منخفض التخصيب المتفق عليها والبالغة 300 كيلوغرام. ومن المحتمل أيضاً أن تعلن إيران عن تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20%، وبذلك تكون قريبةً بشكل مثير للقلق من المستوى اللازم لصنع سلاح نووي.
أعلنت إيران يوم الاثنين أنها تخطّت أحد القيود الرئيسية المفروضة على مخزونها النووي والتي كانت قد وافقت عليها في عام 2015 ضمن إطار «خطة العمل الشاملة المشتركة». وهناك احتمال أن ينشأ جدل حاد حول السياسة التي يفترض اتخاذها حيال سلوك طهران.
إليكم دليلاً إرشادياً يساعد الشخص العادي على فهم بعضٍ من المسائل التقنية على الأقل:
في الفيزياء النووية: يجمع اليورانيوم الطبيعي بين نوعين مختلفين بعض الشيء ويعرفان بالنظائر. من أصل كل ألف ذرة، 993 منها هي من نوع “يورانيوم-238” بينما الذرات السبع الأخرى هي من نوع “يورانيوم-235” وهي جزيئات أصغر حجماً من الأولى. وتخصيب اليورانيوم يعني زيادة نسبة “اليورانيوم-235” عبر التخلص من ذرات “اليورانيوم-238”.
انطلاقاً من نسبة 993 إلى 7، حين تصبح هذه النسبة 190 إلى 7، تُعتبر عندئذ المادة مخصّبة بنسبة 3.67 في المائة. وهذا اليورانيوم مناسب للاستعمال في العديد من مفاعلات الطاقة، وهو أحد القيود التي وافقت عليها إيران بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، أو على الأقل كان كذلك.
في الهندسة: تقضي طريقة التخصيب الأكثر فعالية باستخدام أجهزة طرد مركزي عالية السرعة. لنتصوّر مثلاً غسّالة ملابس ذات تحميل علوي، ولكن قطرها تسع إنشات فقط (حوالي 23 سنتمتر) بينما طولها أكبر بكثير من طول الغسالة العادية ويصل إلى نحو ستة أقدام (حوالي 183 سنتمتر). في الغسالات العادية، يتم عصر الملابس لتخليصها من المياه أثناء الدوران. أما في جهاز الطرد المركزي، فيؤدي فارق الوزن البسيط في نظائر اليورانيوم إلى انفصالها خلال الدوران. وعند تكرر هذه العملية عدة مرات، من خلال ماكينات تُعرف بالآلات التعاقبية وتعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، يحدث التخصيب.
صنع القنبلة الذرية: ببساطة، كلما زاد وقت الدوران، كلما كان التخصيب أكبر. والقاعدة المتبعة هنا هو أن 5000 جهاز طرد مركزي من النوع الأولي الذي تستخدمه إيران – ويعرف بـ”آي آر1″ – تنتج ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة واحدة في غضون ستة أشهر. وتبلغ نسبة التخصيب المطلوبة للقنبلة 90 في المائة – ما يعني انتقال نسبة “اليورانيوم-238” إلى “اليورانيوم-235” من 993:7 إلى 1:7.
فما هي كمية “اليورانيوم-235” اللازمة لصنع قنبلة واحدة؟ الجواب هو 55 رطلاً تقريباً (نحو 35 كيلوغرام)، وتساوي هذه الكمية حجم حبة كبيرة من فاكهة الجريب فروت. لكن السؤال الأكثر إثارة للاهتمام هو ما هي كمية اليورانيوم الطبيعي المطلوبة لإنتاج هذه الكمية من اليورانيوم المخصّب؟ والجواب هو 10500 رطلاً تقريباً. وبما أن إيران تملك احتياطياتها الخاصة من اليورانيوم الطبيعي – والذي يمكن استخراجه – لذا فإن الاستحواذ على هذه الكمية لا يمثل مشكلة خاصة لإيران.
وصرّح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لـ “وكالة أنباء الطلبة الإيرانية” (“إسنا”) بأن إيران تجاوزت حدود اليورانيوم منخفض التخصيب المتفق عليها والبالغة 660 رطلاً (300 كيلوغرام)، وهو رقم يتضمن مركّبات اليورانيوم كسداسي فلوريد اليورانيوم الذي يمكن استخدامه في شكله الغازي كوقود لأجهزة الطرد المركزي.
ومن المحتمل أيضاً أن تعلن إيران عن تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20 في المائة، وبذلك تكون نسبة نظائر اليورانيوم 35 إلى 7 وتعتبر قريبةً بشكل مثير للقلق من المستوى اللازم لصنع سلاح نووي.
لكن ثمة احتمال آخر وهو انسحاب إيران من “معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية” التي وقعت عليها خلال عهد الشاه، مما يجيز لها استخدام التكنولوجيا النووية السلمية مقابل التخلي عن الأسلحة النووية. (تزعم طهران رسمياً، على نحو غير منطقي، أنه لم يكن لديها مطلقاً مشروع قنبلة نووية. فالانسحاب من “معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية” لا يتعارض، في حدّ ذاته، مع هذا الموقف، ولكنه يحرر إيران من قيود المعاهدة.)
كيف يمكن أن ترد واشنطن؟ كانت إدارة أوباما التي يسخر منها اليوم البيت الأبيض تحت رئاسة ترامب لأنها وافقت على «خطة العمل الشاملة المشتركة»، قد عملت مع الإسرائيليين في مرحلة ما على تخريب أجهزة الطرد المركزي الإيراني بواسطة البرنامج الإلكتروني “ستاكسنت”، مما أسفر عن نتيجة مشابهة لتلك التي تحصل عند إطفاء وتشغيل غسالة ملابس في منتصف دورتها. إلّا أن ذلك لم يؤدي سوى إلى تأخير المهندسين الإيرانيين بدلاً من إيقافهم.
على أقل تقدير، يجب الضغط على “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” المسؤولة عن المراقبة النووية في العالم لحثّها على إجراء عمليات تفتيش أوثق للمواقع الإيرانية. (سبق أن نُظِّمت لي جولة في مصنع لتخصيب اليورانيوم؛ يمكن أن يتسع في مبنى بحجم العديد من المحال التجارية في الولايات المتحدة.) كذلك، يجب على “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أن تراقب عن كثب القدرة الإيرانية على إنتاج البلوتونيوم، الذي يعتبر تقنياً متفجراً نووياً أعلى مستوى من اليورانيوم عالي التخصيب ولكن الحصول عليه أكثر صعوبة.
يبدو أن الرئيس ترامب يعقد آماله على العقوبات بدلاً من العمل العسكري. وقد تتحوّل ساحة المعركة في المستقبل القريب إلى فضاء “تويتري” (موقع تويتر)، حيث تتنافس التصريحات الإيرانية مع التغريدات الرئاسية لكسب تأييد الرأي العام.
وربما المفاجأة الأحدث في هذا الموضوع هي اجتماع الرئيس ترامب مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون في نهاية الأسبوع المنصرم. وتملك كوريا الشمالية برنامجاً نووياً أكثر تطوّراً من البرنامج الإيراني، حيث أتقنت تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة البلوتونيوم على السواء، واختبرت الأسلحة عدة مرات، وطوّرت صواريخ قادرة على حمل مثل هذه الرؤوس الحربية التي تصل إلى مسافة بعيدة كالولايات المتحدة.
هذه كلها مهارات حاولت الولايات المتحدة منْع حكومة بيونغ يانغ من اكتسابها لكنها فشلت. وقد يأمل المرشد الأعلى علي خامنئي في طهران أن تتمكن بلاده من المثابرة والصبر على العقوبات وغيرها من الضغوط لكسب مستوى مماثل من الإنجازات. ولكن من المشكوك فيه ما إذا كان يرغب في إقامة علاقة شخصية مع ترامب على غرار تلك التي أقامها كيم.
*سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن.