هل حان الوقت لمراجعة النظام السياسي العراقي؟

سليم سوزه*

مخطئ مَن يظن أن حكومة عبدالمهدي حكومة ضعيفة. هذه حكومة تحاصص بين كتل ومكونات، وقوة حكومات التحاصص (او ما تسمى بالديمقراطية التوافقية) تأتي من تعدد مراكز القوى والنفوذ في السلطة، وفي العراق يُضاف لها التوازنات الأقليمية ودعم الجماعات المسلحة وقوى ما دون الدولة، فيصبح من الصعب إسقاط هكذا حكومة دون الضغط على كل الأطراف الداعمة لها أولاً واعادة النظر في شكل وبنية العملية السياسية ثانياً.

من الواضح جداً أن انتفاضة تشرين العراقية مدعومة من شرائح واسعة في المجتمع العراقي، ومواقع التواصل الاجتماعي تعطينا صورة جلّية عن مستوى تحمس واندفاع وتعاطف كافة طبقات المجتمع معها. صحيح ان الاحتجاجات الآن في محافظات ومدن ذات اغلبية سكانية شيعية ولكن هذا لا يعني انها احتجاجات شيعية على سلطة شيعية لأن شعارات وهموم المحتجين وطنية لا طائفية. مع ذلك، تتحجّج السلطة بأن هذه الاحتجاجات غير مدعومة من محافظات سنية وكردية مما يجعل مهمة التملص من الاصلاحات او تسويفها مهمة سهلة بالنسبة للحكومة باعتبار ان ما يكون اصلاحاً لمحافظات المحتجين قد لا يكون كذلك بالنسبة للشركاء السنّة والكرد.

لهذا أقول آن الآوان للمحافظات ذات الاغلبية السكانية السنية ان تتحرك هي الأخرى. أتحدث جغرافيا هنا لأنني اعرف تماما ان سنّة بغداد والمحافظات المحتجة الاخرى مشاركون في الاحتجاجات التشرينية منذ اليوم الأول وحسب الديموغرافيا طبعاً، لكنني اتحدث عن المحافظات السنية الآن.

مع أنني أقدّر تماماً وافهم طبيعة القلق والمخاوف في المحافظات السنية، ولكن تظاهرات، او على الاقل اعتصامات واضرابات، منضبطة غير مستفزة ولا تحمل شعارات بعثية او صدامية او طائفية ستكون كفيلة بسحب ورقة الحكومة وجدالها القائل بشيعية الاحتجاجات الحالية.

بخصوص الكرد، ثمة تعاطف شعبي ونخبوي مع الاحتجاجات الحالية، ولكن ليس هناك حراك كردي ضد طبقتهم السياسية (التي لا تقل فساداً عن الطبقة السياسية في المناطق الأخرى) حتى هذه اللحظة. ربما ينتظرون لحظتهم المناسبة، إذ ان اي حراك مجتمعي مرهون بلحظة حماقة ترتكبها السلطة وتشتعل معها الاجواء نحو اهداف تمس جوهر النظام السياسي فيما بعد. أفهم أيضاً وأقدّر ان ظروف الكرد مختلفة وهمومهم المحلية قد تختلف عن هموم الجزء العربي من العراق، ولكن لا يمكن ان يبقى مصير هذا الجزء العربي مرهوناً للأبد بموافقة ومصادقة أقليم محلي داخل حدود البلد!

باعتقادي، يجب اعادة النظر في شكل العلاقة التي تربط اقليم كردستان بالعراق، ويجب ان تتضمن مطالب الاصلاح (ان نجح الحراك في مطالبه الحالية ذات الاولوية القصوى الآن طبعاً) قضية اقليم كردستان.

بصراحة، اقليم كردستان ليس اقليماً فيدرالياً، وانما أقليم فوق الكونفدرالية بدرجة وأقل من الدولة المستقلة بدرجتين. وبالتالي يصعب تماماً اجراء اصلاحات تمس جوهر النظام السياسي في بغداد دون ان يضمن ذلك شكل العلاقة مع اقليم كردستان وتحرير رقبة ابناء الجزء العربي من مقصلة الفيتو الكردي على اي اصلاح لا يلائم اقليمهم.

هذا المنشور دعوة تفكير هادئة وصريحة لمراجعة النظام السياسي.

*كاتب وباحث عراقي والكلمة من صفحته على الفيسبوك