جينين هينيس-بلاسخارت في البرلمان: دفع العراقيون ثمناً لا يمكن تصوره لكي تصبح أصواتهم مسموعة

نص كلمة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيدة جينين هينيس-بلاسخارت في مجلس النواب بحضور رئاسة المجلس ورؤساء الكتل النيابية
بغداد، 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2019

السيد الرئيس،
أصحاب المعالي،
السيدات والسادة

أولاً، أتقدم لكم بجزيل الشكر على منحي فرصة التواجد بينكم اليوم وتبادل الآراء بعد كلمتي الافتتاحية حول -ما أعتقد أننا نتفق جميعاً أنه- مرحلة حاسمة لشعب العراق.


ولكن وقبل أن أكمل، أود أن أدعوكم للانضمام إلىّ في دقيقة صمت، حداداً على من لقوا حتفهم واحتراماً لمن أصيبوا. لهذا أود منكم أن تشاركوني في التعبير عن تقديرنا لهم ونقف دقيقة صمت.

شكراً جزيلاً لكم. وعلى الرغم من إدراكي أن الكلمات لا يمكنها أن تخفف آلام من فقدوا أحبائهم، إلا أنني أود أن أعبر عن خالص التعازي لتلك العائلات سواء أكانوا من المتظاهرين السلميين أو من أفراد قوات الأمن. قلوبنا معكم.

والآن وبينما نحيي ذكرى من فقدانهم – لا تزال قيمهم ومطالبهم كما هي. وخلال الأسابيع الستة الماضية، تظاهر مئات الآلاف من العراقيين – العراقيين السلميين – حاملين مطالب حقيقية ومشروعة وواضحة.

وتغطي هذه المطالب الكثير من القضايا: وضع حد للفساد، والنمو الاقتصادي، والتوظيف، والخدمات العامة التي يمكن الاعتماد عليها، والحكم الرشيد والنزيه، وانتخابات نزيهة – وإصلاح أوسع للنظام السياسي بما في ذلك تعديل الدستور.

ولكن قبل كل ذلك، أعتقد أننا نتفق جميعاً أن الكثير والكثير من العراقيين يطالبون بمستقبل أكثر إشراقاً – وأن تحقق البلاد كامل إمكاناتها من أجل مصلحة كافة المواطنين العراقيين.

ولكن في هذه الأثناء، دفع العراقيون ثمناً لا يمكن تصوره لكي تصبح أصواتهم مسموعة. فمنذ بداية المظاهرات في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، قُتل ما لا يقل عن 319 شخص وأصيب حوالي 15000 شخص من المتظاهرين السلميين وأفراد قوات الأمن.

وحتى الآن نشرت الأمم المتحدة، يونامي، تقريرين خاصين حول قضايا حقوق الإنسان. وعلى الرغم من الوعود الكثيرة، فإن الحقيقة القاسية هي أننا لا نزال نتلقى تقارير يومية عن حالات جديدة من القتل والاختطاف والاعتقال العشوائي والضرب والتهديد. وقد قلت عدة مرات – وسأقولها مرة أخرى: العنف لا يولّد إلا العنف. ينبغي أن ينتهي وأن ينتهي الآن.

وقد قال لي عدد من المتظاهرين السلميين يوم الاثنين الماضي: “لقد فقدنا إخوتنا، أصدقائنا، أبنائنا. ولكن لم يكن لدينا وقت للبكاء. لن ننسى. حياه بكرامة وحرية أو لا حياة. لقد بدأنا بسلمية ومصرين على الاستمرار بسلمية”. هكذا قالوا.

والآن ومع وضع كل ذلك في الاعتبار، أود أن أكرر، في وجودكم، أهمية ضمان الحقوق الأساسية: فوق كل شيء الحق في الحياة، ولكن أيضاً الحق في التجمع السلمي وحرية التعبير. وأود أن أؤكد مرة أخرى على أهمية تحقيق المساءلة والعدالة الكاملة – على المستويات الصحيحة.

كما أن احترام هذه الحقوق والمبادئ الأساسية والجوهرية يعتبر، نوعاً ما، شرطاً أساسياً لأي شكل مجدٍ من أشكال الحوار أو الوساطة.

إن المطالب المشروعة الحقيقية تستحق استجابات جادة وتواصلاً فعالاً – داخل هذا البرلمان وفي الشارع.

وقد أشار السيد الرئيس إلى الورقة التي نشرناها منذ أيام. فمنذ بداية الاحتجاجات، تواصلت يونامي بشكل فعال مع قطاع كبير من الأطراف والسلطات العراقية – بما في ذلك الرئاسات الثلاثة ومجلس القضاء الأعلى والمتظاهرين السلميين وأعضاء البرلمان وممثلين عن النقابات. وبناء على هذه المناقشات، ومع الاحترام الكامل لسيادة العراق، اقترحنا عدداً من الخطوات الملموسة كبداية – كخطوة نحو بناء الثقة والإصلاح.

وأهم ما نؤكد عليه هو أن الآن هو وقت العمل، وإلا سنفقد الزخم – سنفقده في الوقت الذي يطالب فيه الكثير من العراقيين بنتائج ملموسة.

وبصفتي عضوة سابقة في البرلمان، أعتقد أنه بإمكاني أن أقول إن دوركم – في موقعكم كأعضاء في البرلمان – منتخبين من الشعب وأيضاً تحاسبون أمامهم – له بالغ الأهمية.

أنتم مهمون في والتواصل مع الناس وإيصال أصواتهم والمضي قدماً بإصلاحات أساسية.

ونحن جميعاً نعرف أن أكثر ما يضر بثقة الجمهور هو الإفراط في الوعود والتقصير في تنفيذها. لا يوجد ما هو مؤذ أكثر من أن نقول (أ) ونفعل (ب). ولا يوجد ما هو مدمر أكثر من مناخ الغضب والخوف.

أيضاً يجب أن يكون مفهوماً أن الحياة اليومية قد انتقلت إلى الإنترنت. إذ أن الانقطاع أو حتى الإغلاق الكامل للإنترنت و/أو وسائل التواصل الاجتماعي – في الأسابيع الأخيرة – لم يكن غير لائق بإمكانات العراق كمجتمع حر وديمقراطي فحسب، بل عطل طريقة ممارسة الناس لحياتهم وأدائهم لأعمالهم وتعبيرهم عن رأيهم. أو بعبارة أخرى: إن الوصول غير المقيد للإنترنت هو حق أساسي في العالم الإلكتروني الذي نعيشه اليوم. ويسعدني أن أشير إلى أنني منذ مساء أمس تمكنت من الدخول إلى الإنترنت لذلك أود أن أؤكد أننا نرحب بعودة خدمة الإنترنت في جميع أنحاء العراق، ونأمل أن تظل الخدمة مستمرة وأن يلي ذلك قريباً حرية الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

وهناك موضوع آخر حظي باهتمام كبير خلال الأسابيع الأخيرة ألا وهو العمليات الانتخابية العراقية.

وفي الحقيقة فإن الدعوة للتغيير الكامل للعمليات الانتخابية العراقية هي مطلب أساسي للكثيرين. إنها دعوة لإدارة انتخابية مستقلة ومحايدة.

وعلى ذلك، وبمساعدة فنية من الأمم المتحدة، تم إنجاز الكثير من العمل للوصول إلى إطار قانوني انتخابي موحد. والآن وبدون استباق الإجراءات القانونية البرلمانية، وبدون الدخول في تفاصيل الآن، أود أن أؤكد على الحاجة العاجلة لذلك الإطار القانوني الموحد، الذي يجمع كل القوانين ذات الصلة ويقرّب الناخبين من المرشحين

وقد طُلب من يونامي، الأمم المتحدة، أيضاً أن تقدم الدعم الفني في العمليات المستمرة لمراجعة الدستور وتعديله، وهي مراجعة يجب – في نهاية الأمر – أن يقبلها كافة العراقيين.

وما شهدته في الشوارع في الأيام القليلة الماضية هو تراكم الإحباطات حول عدم تحقيق التقدم في الستة عشر عاماً الماضية. إن الرغبة في هوية عراقية أمر واضح. إذ يعبر الشباب في الشوارع عن أملهم في مستقبل أفضل من منطلق حبهم لوطنهم.

أيام أفضل لكل العراقيين: بعيداً عن الفساد والمحاصصة بعيداً عن البطالة والنقص في الخدمات الأساسية. والآن فإن هذه الآمال العريضة تدعو إلى التفكير في المستقبل. إن السعي لتحقيق مصالح خاصة أو حزبية قد يكون استراتيجية، ولكنه ليس بالاستراتيجية السليمة على الإطلاق.

أرجو ألا تفهموني بشكل خاطئ: لأن رسم صورة قاتمة ليس هدفاً في حد ذاته. وكما أقول دائماً: لا يمكن الحكم على الوضع الحالي بدون وضعه في سياق ماضي العراق. لكن أريد القول بأن الوقت قد حان للاستفادة من آمال اليوم – لقد حان الوقت لإعطاء الأولوية لمصلحة البلاد فوق كل شيء.

لا يطالب الشباب بأكثر من مستقبل أفضل. وأنا مقتنعة بأنكم جزء من الحل. لا يمكن للحكومة القيام بذلك وحدها. إنها مسؤولية جماعية نوعاً ما، مسؤولية الطبقة السياسية بأكملها.

ونعم، أنا أعي تماماً حقيقة أن تحديات العراق الهائلة لم تظهر بين ليلة وضحاها وليست نتاجاً للأفعال العراقية فحسب. وعلى ذلك، فلن يتم حلها “بهذه البساطة”، صحيح؟ ولكن يجب أن يكون ذلك ممكناً من خلال الإصرار والعمل الحثيث الحاسم. يجب أن يكون من الممكن أن نرتقي لمستوى التحديات ونلبي تطلعات الشباب.

ومرة أخرى، مع الاحترام الكامل لسيادة العراق مرة أخرى، فإن الأمم المتحدة مستعدة أو ستستمر في التواصل مع كافة الأطراف لتيسير حوار بناء. وسوف نستمر في الشراكة مع كافة العراقيين.

ختاماً، أود أن أشدد على أملي بأن تهدئ خياراتكم وإجراءاتكم وبياناتكم من مخاوف العراقيين – وأن تعيد خياراتكم الأمل في مستقبل أكثر إشراقاً.